الباقي يتبع

راشد فايد*

طريفٌ أن يَنشُرَ أحدُ المواقع الإخبارية نبأً مفاده أن ” رئيس الجمهورية يواصل اتصالاته لمعالجة تداعيات قرارات دول خليجية رداً على تصريح الوزير جورج قرداحي، وتشاور مع الرئيس نجيب ميقاتي في الخطوات الواجب اعتمادها”. والطريفُ أن النبأ “الجليل” لم يُسَمِّ بمَن اتصل الرئيس: أهو زعيمٌ عربي أو مسؤولٌ دولي، وما مقامه، أو من هي دولته؟

الجواب سهل. فـ “العهد القوي” يتمتّع بعلاقاتٍ دولية مُثمرة تمتدّ من طهران إلى فنزويلا، مروراً بدولة الأسد، ودولة الحوثيين، لكن النصّ لا يترك مجالاً لتفاؤلٍ من هذا النوع، إذ يُبيّن أن الأمر “أهلية بمحلّية” وفخامته، أو مكتبه الإعلامي، يرى في اتصاله برئيس الحكومة أمراً يستحق الإظهار للرأي العام، حتى لا يخالج التشكيك أحداً في أن الرئيس غافٍ، أو غافلٍ، عن هموم الوطن والمواطنين، أو ساهٍ  عنها، وهو ما لا تعكسه القضايا العالقة، كالفساد وتهريب الأموال وسرقة المناقصات وتوزع المغانم بين أرباب السلطة، وتعطيل التعيينات القضائية، وشلّ المؤسسات العامة.

لبُّ الإيحاء الذي يستهدفه الخبر هو أن العهد القوي لا يهمل واجباته الرئاسية، وأن تفاعلات تصريح وزير الإعلام، جورج قرداحي، ليست متروكة، بل تحت العين الساهرة لبعبدا. لكن عَلامَ هي ساهرة، بينما مسلسل تدمير علاقة لبنان بدول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بدأ منذ سنوات، تحديداً بعيد مغامرة تموز/يوليو 2006، والحرب الإسرائيلية التدميرية على لبنان، ولم يمنع الإغداق العربي، مالاً ودعماً، ألسنة الإساءة من التطاول والتحامل، بما كاد يُخيف اللبنانيين العاملين في الخليج على مصادر بحبوحتهم، لولا ترفّع الدول المعنية عن الإضرار بمصالحهم، والحرص عليها وصَون معيشتهم، وعدم أخذهم في جريرة المُسيئين.

لكن، كما يقول العرب “زاد في الرقّة حتى انفلق”: واصلت السعودية، وغيرها من الدول الخليجية، الحرص على مصالح اللبنانيين، وواصل أصحاب الخوّة السياسية في لبنان تصعيد استفزازهم، سواء بالكبتاغون، أو المواقف العدوانية، والتذكير بأنهم يُمثّلون إيران في لبنان والمنطقة من العراق إلى اليمن، حتى بدا فجّاً للمراقبين مدى التزام حزب ايران في لبنان السلم مع اسرائيل بعنوان الحرص على “قواعد الإشتباك” والإلحاح على تفجير الموقف مع المملكة العربية السعودية، مهما كانت الأضرار على لبنان واللبنانيين.

هذا الواقع يجعل ما قاله وزير الإعلام في حرب اليمن أقرب إلى “ضغث على إبالة” كما يقول العرب. فسواء أدلى بما قال اليوم أو قبل توزيره، فإن الخلاصة مُحدَّدة: في لبنان فئة لا يعنيها أن يجوع اللبنانيون، أو تتضرّر أعمالهم وتُحبَس أرزاقهم (وهو ما لن تجنح إليه السعودية ودول الخليج)، وتعميهم عمالتهم إلى الخارج عن المأساة التي يدفعون البلد إليها.

لم يكن منتظراً من الوزير المعني أن يقول غير ما قال، فهو كان مُقدّم برنامج تسلية في محطةٍ سعودية حين امتدح بشار الأسد في عزّ الثورة السورية ودعم السعودية للشعب السوري المُعتدى عليه، فكان ذلك  أشبه بتقديم أوراق اعتماده للنظام العائد، وما توزيره سوى لتمتعه بهذا القدر من العشق لهذا النظام. هو إطلالة للنظام في دمشق على الوضع اللبناني، وإعلان امتلاك حق الفيتو على سياسة لبنان… والباقي يتبع.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى