تصرّفات نتنياهو المُتَهَوِّرة تدفع العلاقات مع الأردن إلى حافة الهاوية

بقلم أسامة الشريف*

المواجهة التي وقعت في الأسبوع الفائت بين الأردن وإسرائيل بسبب عرقلةِ زيارةٍ، سَبَقَ أن اتُفِقَ عليها، لولي العهد الأمير حسين للمسجد الأقصى في القدس الشرقية لحضور مناسبة إسلامية مُقَدّسة، وانتقام عمّان بإفشال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإمارات العربية المتحدة، دفع العلاقات بين البلدين إلى حافة الهاوية.

زعمت إسرائيل أن إلغاء زيارة الأمير حسين جاء بسبب خلافاتٍ حول قضايا أمنية تتعلّق بحماية وريث العرش الأردني. لكن الأردن ردّ على الفور، عبر وزير الخارجية أيمن الصفدي، بتوجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل لخرقها بروتوكولات الوصول إلى الحرم الشريف ومحاولة فرض تعقيدات لعرقلة دخول المَقدسيين إلى المسجد. ورداً على ذلك، رفضت السلطات الأردنية منح الإذن لنتنياهو بالقدوم إلى عمّان للصعود على متن طائرة خاصة لتأخذه في زيارة تاريخية إلى أبو ظبي. عندما تم منح التصريح أخيراً، كان الوقت متأخراً للغاية الأمر الذي أجبر نتنياهو على إلغاء رحلته.

الواقع أن التوتّرات بين عمّان وتل أبيب، ولا سيما بشأن الحرم الشريف، كانت تختمر منذ سنوات. لكن الأحداث الأخيرة تُمثّل انخفاضاً جديداً في العلاقات بين البلدين اللذين يشتركان في معاهدة سلام عمرها 25 عاماً. وكان نتنياهو تراجع عن الاتفاقات والتفاهمات مع الملك عبد الله مرات عديدة، الأمر الذي دفع بالعاهل الأردني إلى رفض مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي أو تلقي مكالمات منه منذ سنوات.

لكن هذه المرة وصل معدل الغضب الأردني إلى مستوى جديد. كانت الزيارة هي الأولى التي يقوم بها أحد أفراد العائلة المالكة الأردنية إلى القدس الشرقية منذ توقيع الدولتين على معاهدة السلام في العام 1994. أراد الأردن التأكيد على حقه، بموجب معاهدة السلام، في الحصول على حق الوصول الكامل إلى الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس الشرقية بصفته وصيّاً – وهذا هو بالضبط سبب رغبة نتنياهو، عشية انتخابات الكنيست الرابعة حيث مستقبله السياسي على المحك، لإجهاض الزيارة. لا علاقة لهذا الأمر بالخلافات حول الأمن، لقد كانت حيلة سياسية تهدف إلى استرضاء الناخبين اليهود المُتطرّفين.

كان ردّ الفعل الأردني بالتساوي موزوناً. إذا أراد نتنياهو أن يخوض جولة انتصار بالطائرة إلى الإمارات للاحتفال بتبادل العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على حساب عمّان، فسيتم رفضه بشدة. كان الأردن غاضباً، على حد تعبير الصفدي، عندما تراجع نتنياهو عن اتفاقٍ وعرقل زيارة دينية وخلق ظروفاً جعلت الزيارة مستحيلة ومن ثم توقّع مجيئه إلى الأردن والسفر منه.

رد الفعل الأردني كان يهدف إلى إرسال رسالة واضحة لنتنياهو ومعسكر أتباعه المتطرفين: وصاية الأردن على الحرم الشريف خط أحمر ولن يتم الطعن بها. لا تنتهك الحيلة الإسرائيلية معاهدة السلام لعام 1994 فحسب، بل تنتهك أيضاً اتفاقية العام 2014 التي تمت بوساطة وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري بين الأردن وإسرائيل “لإعادة تأكيد الالتزام بالوضع الراهن في مجمع الحرم الشريف/ جبل الهيكل”. يعترف هذا الاتفاق مرة أخرى بوصاية الأردن على المجمع.

هذه الوصاية تعترفُ بها أيضاً السلطة الفلسطينية وأُعيد تأكيدها مراراً وتكراراً من قبل جامعة الدول العربية والدول الإسلامية والمجتمع الدولي. لكن إسرائيل، وخصوصاً في عهد نتنياهو، انتهكت مثل هذه الاتفاقات والتفاهمات مرات عديدة في العقد الماضي. وسمحت للمتطرفين اليهود، بمَن فيهم مسؤولون إسرائيليون، بدخول المجمع وأداء الصلاة. ومن بين الجماعات التي سُمح لها بالدخول، تلك التي تعهّدت بهدم المسجد الأقصى من أجل بناء معبدٍ يهودي في مكانه. على مدى العقد الفائت كانت هناك استفزازات عدة من قبل حكومة نتنياهو في ما يتعلق بالحرم الشريف. في كل مرة حدث ذلك، كان الأردن يحتج.

على مر السنين، تجاهل نتنياهو هذه الاحتجاجات، وعلى حد تعبير خصومه السياسيين وكبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، فقد أضرّ بشدة بالعلاقات مع الأردن، التي يعتبرونها شريكاً استراتيجياً. وأدّى عددٌ من الحوادث التي شملت مقتل أردنيين اثنين على يد ديبلوماسي إسرائيلي في السفارة الإسرائيلية في عمّان في العام 2017 إلى تعميق عدم ثقة الملك عبد الله بنتنياهو الذي وعده بمحاكمة الديبلوماسي في إسرائيل ولم يفعل.

أخبرني مصدرٌ موثوق أن الإدارة الأميركية دعمت زيارة ولي العهد الأمير حسين إلى القدس. ستنعكس نتيجة هذه الأزمة ليس فقط على العلاقات الأردنية-الإسرائيلية بل على موقف البيت الأبيض من هذه القضية عندما يزور الملك عبد الله واشنطن في المستقبل القريب.

إن تراجع نتنياهو عن الاتفاقات مع شريك سلام لأكثر من 25 عاماً يجب أن يكون له صدى لدى أصدقاء إسرائيل الجدد في المنطقة. إن نتنياهو شخصٌ انتهازي يبحث فقط عن مصالحه الخاصة ولا حتى عن مصالح إسرائيل وشركائها في المنطقة. لا يمكن الوثوق به، وبينما يظل مصيره السياسي مجهولاً، فإن خروجه من المسرح سيكون أمراً إيجابياً للمنطقة ككل.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌعلّق سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى