كيفَ يُمكِنُ للتكنولوجيا أن تُطلِقَ الطاقة الحرارية الأرضِيّة في الأسواق الناشئة

لدى الأسواق الناشئة خططٌ طموحة لتوسيع قدرة الطاقة الحرارية الأرضية لديها حيث يمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تُسهّلَ مساعدتها على تحقيق ذلك.

“مصدر” الإماراتية: دخلت بقوة في مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية في إندونيسيا.

هاني مكارم*

نظرًا إلى أن البلدان في جميع أنحاء العالم تتطلّعُ إلى زيادة توليد الطاقة الأساسية وتقليل واردات الطاقة وإزالة الكربون من اقتصاداتها، تعمل الأسواق الناشئة على تعزيز توليد الطاقة الحرارية الأرضية بمساعدة تقنيات وخبرات جديدة.

تقنيةُ حَفرٍ جديدة طوّرتها شركة “كويز إينرجي” (Quaise Energy)، وهي شركة أميركية ناشئة متخصّصة بالطاقة الحرارية الأرضية انبثقت عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي تستخدم موجات مليمترية تعمل بالطاقة الجيروترونية لتبخير الصخور، يمكن أن تسمح للمنتجين بالحفر لمسافة تصل إلى 20 كلم مقارنة بمتوسط عمق حفر يصل إلى 10 كيلومترات يمكن الوصول إليه باستخدام التكنولوجيا التقليدية – وبالتالي فتح مستويات أعلى من الإنتاج.

يتم توليد الطاقة الحرارية الجوفية من طريق البخار المُنبَعث من حرارة “قلب” الأرض. وقد تم تسخيرها تقليديًا في المناطق البركانية أو بالقرب من الصفائح التكتونية، مثل حلقة النار التي تحيط بالمحيط الهادئ، وكذلك في خطوط صدع البحر الأبيض المتوسط وشرق أفريقيا، حيث تسمح الشقوق الموجودة في عمق الأرض تشكيل البخار بالقرب من السطح.

ومع ذلك، يمكن للتكنولوجيا الجديدة لشركة “كويز إينرجي” (Quaise Energy) أن تسمح نظريًا للمنتجين الحفر بالقرب من باطن الأرض وبالتالي توليد المزيد من الطاقة. وهذا بدوره يمكن أن يساعد على جلب الطاقة الحرارية الأرضية إلى البلدان التي لا تمتلك التضاريس المطلوبة.

تهدف شركة “كويز إينرجي” إلى نشر تقنيتها بحلول العام 2024 وإدخال أول مصنع لها على الخط في العام 2026. تلقت الشركة الناشئة تمويلًا إضافيًا بقيمة 12 مليون دولار في حزيران (يونيو) الماضي لزيادة جولة التمويل من الفئة “أ” (A) إلى 52 مليون دولار، مع إجمالي 75 مليون دولار جُمِعَت حتى الآن.

تسريع الطموحات

تقوم أكثر من 80 دولة حول العالم بتوليد الطاقة الحرارية الأرضية، والأسواق الناشئة هي من بين أكبر المنتجين. كانت إندونيسيا ثاني أكبر منتج في العالم في العام 2022، حيث بلغ إنتاجها 2356 ميغاواط، تليها الفلبين (1935 ميغاواط) وتركيا (1682 ميغاواط) والمكسيك (963 ميغاواط) وكينيا (944 ميغاواط).

يمكن للاختراقات التكنولوجية أن تُبشّرَ بعصرٍ جديدٍ للطاقة الحرارية الأرضية في الأسواق الناشئة وتتوافق مع طموحات المنتجين لتوسيع نطاق الجيل في العقود المقبلة.

تسعى إندونيسيا، التي تعتمد على الفحم في أكثر من 60٪ من توليد الكهرباء، إلى الاستفادة من الطاقة الحرارية الأرضية لتحقيق هدفها المتمثل في توليد 23٪ من طاقتها من الطاقة المتجددة بحلول العام 2025. ولهذه الغاية، فقد خصّصت لمُطَوِّر الطاقة الحرارية الجوفية المملوك للحكومة “بيرتامينا جيوتيرمال إينرجي” (Pertamina Geothermal Energy ) موازنة إنفاق رأسمالي بقيمة 250 مليون دولار لعام 2023 ستنمو إلى 1.6 مليار دولار بحلول العام 2027. سيتم استخدام هذا التمويل لزيادة قدرة الطاقة الحرارية الأرضية للشركة من 700 ميغاواط تقريبًا إلى 1300 ميغاواط.

تتطلّع الفلبين أيضًا إلى استخدام الطاقة الحرارية الأرضية لتسريع هدفها من مصادر الطاقة المتجددة التي تشتمل على 50٪ من مزيج الطاقة بحلول العام 2040. وتهدف البلاد إلى زيادة قدرتها الحرارية الأرضية بنسبة 75٪ خلال هذه الفترة وتقوم حاليًا بصياغة سياسةٍ لتطوير هذا القطاع. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، أعلنت شركة “إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية الفلبينية”، وهي كيان عام مملوك لمجموعة “SM Investments” المحلية، عن خططٍ لتطوير خمسة مشاريع جديدة للطاقة الحرارية الأرضية ستُضيف 250-400 ميغاواط من السعة.

أصدرت الحكومة في كانون الأول (ديسمبر) سياسةً جديدة تسمح للشركات الأجنبية بامتلاك 100٪ من مشاريع الطاقة المتجددة، وألغت قانون العام 2008 الذي كان يتطلب ملكية محلية لهذه الأصول.

من جهتها أنتجت كينيا، موطن أول محطة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية في إفريقيا، 48٪ من طاقتها الكهربائية من الطاقة الحرارية الأرضية خلال الفترة 2020-2021 –وهي نسبة أعلى من أي دولة أخرى في العالم– وتهدفُ إلى توسيع طاقتها الحالية البالغة 944 ميغاواط إلى 1600 ميغاواط بحلول العام 2030 للمساعدة على تحقيق أهداف التنمية الخضراء.

بِناءُ الشراكة

بالإضافة إلى دمجِ التكنولوجيات الجديدة، تتطلّع الأسواق الناشئة إلى تعميقِ الشراكات مع الشركات الأجنبية لزيادة قدرة الطاقة الحرارية الأرضية.

على سبيل المثال، إستعانت “بيرتامينا جيوتيرمال إينرجي” ب”ميتسوبيشي باور” (Mitsubishi Power) في كانون الأول (ديسمبر) لإنشاء وحدة بقدرة 55 ميغاواط في الوحدة 2 من محطة “لوموت بالي” (Lumut Balai)، وهو مشروع تموله جزئيًا وكالة التعاون الدولي اليابانية، ومن المقرر أن تبدأ عملياتها في العام 2024. تمتلك ميتسوبيشي ستة أنظمة في إندونيسيا بإنتاج إجمالي يبلغ حوالي 400 ميغاواط، أو 17٪ من إجمالي إنتاج إندونيسيا. كما تقوم شركات أخرى، بما فيها “إنباكس” (Inpex) اليابانية و”ستارت إينرجي” (Start Energy) السنغافورية، بنشر استثمارات متعلقة بالحرارة الأرضية في إندونيسيا.

كما وقّعت “بيرتامينا جيوتيرمال إينرجي” و”إكسيرجي” (Exergy) الإيطالية في الشهر الماضي مذكرة تفاهم لدراسة التطوير المشترك للطاقة الحرارية الأرضية في البلاد.

بدورها اجتذبت كينيا أيضًا أخيرًا استثمارات من إيطاليا –كانت الدولة الأوروبية ثامن أكبر منتج للطاقة الحرارية الأرضية في العالم في العام 2022، مع 944 ميغاواط– لتوسيع قدرتها الحرارية الأرضية، واستضافت منتدى الأعمال والاستثمار الإيطالي-الكيني حول الطاقة الحرارية الأرضية في الشهر الفائت. في هذا السياق، أعلنت الحكومة الكينية هدفًا جديدًا طويل المدى لتوليد 10,000 ميغاواط من الطاقة الحرارية الأرضية بحلول العام 2037، وهو ما يمثل زيادة قدرها 10 أضعاف قدرتها الحالية.

للمساعدة في دعم هذه الجهود، وقّعت كينيا في آذار (مارس) اتفاقًا مع شركة الطاقة المتجددة الأوسترالية “فورتسكيو فيوتشِر إندَستريز” (Fortescue Future Industries) للاستثمار في الطاقة الخضراء والتصنيع، والتي تشمل منشأة للأسمدة والطاقة الخضراء بقدرة 300 ميغاواط في مدينة “نيفاشا” سيتم تشغيلها بالطاقة الحرارية الأرضية. وكانت أعلنت قبل ذلك بشهر أن منتج الطاقة المستقل “غلوبليك” (Globeleq) سيبدأ البناء في مشروع الطاقة الحرارية الأرضية في “مننغي” (Menengai) بقدرة 35 ميغاواط.

وفي الوقت نفسه، أنشأت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة منصة تسمى “التحالف العالمي للطاقة الحرارية الأرضية” لبدء تبادل المعرفة والتنسيق بين منتجي الطاقة الحرارية الأرضية في جميع أنحاء العالم.

نقل وتحويل الأصول والمعرفة

أحد أبرز جوانب الطاقة الحرارية الجوفية هو أنه يمكن الاستفادة من البنية التحتية الحالية للوقود الأحفوري لبناء القدرات، على غرار الطريقة التي يمكن بها إعادة توظيف البنية التحتية الهيدروكربونية لتوليد ونقل الهيدروجين الأخضر.

على سبيل المثال، تُخطّطُ شركة “كويز إينرجي” (Quaise Energy) لتحويل محطات الطاقة المُغلَقة التي تعمل بالفحم، والتي لديها بالفعل قدرات كبيرة لتحويل البخار إلى كهرباء ومُتَّصلة بالشبكة، إلى مراكز تحميل أساسية لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية.

يوفر استغلال حقول الهيدروكربونات المتقاعدة سبيلًا آخر محتملًا للأسواق الناشئة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية بدلًا من حفر مشاريع جديدة تمامًا. وقد وقّعت شركة “كايم أويل أند غاز” (Cairn Oil & Gas) الهندية في الصيف الماضي، والتي تنتج حوالي 25٪ من الهيدروكربونات في البلاد، صفقة مع شركة خدمات حقول النفط الأميركية العملاقة “بايكر هيوز” لإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية من حقولها في ولاية راجاستان.

وبهذه الطريقة، فإن المعرفة التي اكتسبتها شركات الهيدروكربونات حول التنقيب تحت الأرض على مدى عقود يمكن أن تعزّز مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية في المستقبل. ولهذه الغاية، أعلنت وزارة الطاقة الأميركية في الصيف الماضي أنها ستستثمر 165 مليون دولار في مبادرة الطاقة الحرارية الجوفية من هندسة النفط والغاز.

تعمل إندونيسيا على تطوير شراكات مع شركات في الإمارات العربية المتحدة مع وضع ذلك في الاعتبار. في شباط (فبراير)، اشترت شركة “مصدر” العملاقة للطاقة النظيفة في الإمارات عددًا غير معلوم من الأسهم في الطرح العام الأولي لشركة “بيرتامينا جيوتيرمال إينرجي” الإندونيسية، مما يمثل أول استثمار لشركة “مصدر” في الطاقة الحرارية الأرضية.

تعمل “مصدر” بالفعل في مشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء آسيا، بما في ذلك حقل طاقة شمسية بقدرة 1,200 ميغاواط في إندونيسيا، بالشراكة مع “EDF Renewables” الفرنسية و”Tuas Power” في سنغافورة و”PT Indonesia Power” المحلية، والتي ستُصدّر الطاقة إلى سنغافورة.

  • هاني مكارم هو مدير تحرير “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى