لبنان الآتي إِلى زمن الغضب والتَغَيُّر

بقلم هنري زغيب*

بأَيِّ صوتٍ غاضب نكتُب؟ بأَيِّ كلامٍ صارخٍ نضرِب؟ بأَيِّ مزاجٍ مُشوَّشٍ نعيش؟

أَيُّ وطنٍ هذا الذي يَنفينا ولا يَحمينا؟ أَقول الوطن وأَقصد الدولة التي تدير شؤُون الوطن فيما هي تُهشِّم بقايا البقيّة منها؟

أَيُّ إِدانةٍ هذه الطبقةَ الحاكمةَ المتحكِّمة، أَقسى من صفعة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي واصفًا إِيَّاها بـ”جماعةٍ جعلَت السياسة فنًّا لمصالحها ولإِذلال الشعب وضرْب النقد والاقتصاد كأَنها تتولَّى إِدارةَ دولةٍ عَدُوَّة وشعب عدو”؟

أَيُّ عارٍ على سياسيي لبنان أَكبرَ من أَن يُذكِّرهم بابا روما بعبارة من سيِّد لبنان الكبير البطريرك الياس الحويك مُخاطبًا إِياهم قبل مئة عام: “أَيّها المسلَّطون يا نوَّاب الشعب، يا مَن تعيشون نيابةً عن الشعب، إِنكم بصفتكم الرسميّة مُلزَمون أَن تسعَوا وراء المصلحة العامَّة لا الخاصَّة. وقتُكم ليس لكم ولا لمصالحكم ولا لأَشغالكم، بل وقتُكم للدولة، وللوطن الذي تُـمَـثِّـلُون”.

ماذا بعد هذا العار ينزِل سيوفًا لاهِبةً على رقاب هؤُلاء المسؤُولين المُستَهتِرين غيرِ المسؤُولين؟

أَيُّ سُمٍّ يَسْري في شرايين لبنان مِـمَّن مفترَضٌ أَنهم أَوصياءُ على شرايين الشعب؟

في التاريخ الروماني كانت الشرِّيرةُ “لوكوست” (Locuste) تأْخذ تِباعًا جُرعاتٍ خفيفةً من السُمّ كي تتحصَّن ضدَّ التسمُّم فلا يعود يؤَثِّر السُمُّ فيها. أَتُرى في سياسيينا أَحفادُ لوكوست حتى لم يَعُد يؤَثِّر فيهم حسٌّ كلاميٌّ ولا شعبيٌّ ولا وطنيّ؟

يُروى أَنَّ أَغْريـﭙِّـين كلَّفَت لوكوست أَن تُسمِّم الأَمبراطور كلاوديوس كي تُنصِّب مكانه ابنَها نيرون (سنة 54م.)، حتى إِذا تَبَوَّأَ نيرونُ العرش أَحرَق روما بعد عشْر سنوات (64م.) ووقفَ على شرفة قصره بكل ساديَّة يتأَمَّلُها تحترق. أَتُرى في سياسيينا أَحفادُ نيرون جاؤُوا إِلى الحكم بِـمَكيدةِ تسميم، حتى إِذا حكَموا أَحرقوا لبنان ويقفُون على شرفاتهم بكل ساديَّةٍ يتأَملون احتراقه؟

غير أَن الشعب، إِن قهَروه وظنُّوا أَنهم أَخمدوا ثورته، لن يستطيعوا أَن يُخمِدوا عدالةَ التاريخ لأَنها ستَلعنُهم بلا رحمة، وتُنصِف شعبَنا المقهور. فغدًا سيُكتَب تاريخ لبنان، وفيه أَن شعبَنا لن يسامح حُكَّام لبنان، ولن ينسَى نيرونياتِـهم الفاقعة، وحساباتِـهم الشخصية، ومصالِـحَهم الخاصة، ونيَّاتِـهم الانتخابيةَ الخبيثةَ نيابيًّا ورئاسيًّا، ومعاملَتَهم شعبَنا بِـمُراوغةٍ دنيئةٍ كالتي جاءَت في قول الهجَّاء العباسي دِعبِل الخُزاعي عن الحاكم المراوغ ومعاملَتِه الخبيثةِ مواطنيه: “إِسقِهِم السُمَّ إِن ظَفِرتَ بِهِم… وامزُج لَهم من لسانكَ العَسَلا”.

ومهما فعَلوا كي يزوِّروا التاريخ ليكتُبَ ما يريدونه هُم أَن يكتب عنهم، سيكتُب التاريخ حقيقتَهم الإِبليسية الفاقعة.

ولن يرحمَهم ضميرُ التاريخ وسيُنصِف بالعدالة شعبَ لبنان، وبكرباج الحقيقة الساطعة سيَجلُدُ النيرونيين الساديين، والهيرَودُسيين المجرمين، والبيلاطُسيين الجائرين، واليوضاسيين الخائنين، وسيَذْكُر أَنَّ فجر الشعب يُشرق رغْم ليل الظالمين، فتَهوي الكراسي والعروشُ والأَلقابُ والـمَناصب.

وسوف يُطلُّ لبنانُ اللبنانـيُّ ناصعًا لامعًا ساطعًا، ويبدأُ يومَها فعلًا زمانُ الغضَب والتغيُّر.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى