رئيس أميركا والضواحي

بقلم راشد فايد*

حدثان يشغلان سكان الأرض، يتلاحقان ولا يترافقان: كأس العالم بكرة القدم، وانتخاب رئيس للولايات المتحدة الأميركية. والحدثان لا يُغيِّران في مواعيدهما إلّا اضطراراً، كحالة حرب، في الأولى، ووفاة مفاجئة في الثانية. فمنذ العام 1930 تدور مباريات كأس العالم كل 4 سنوات، باستثناء سنتَي 1930 و1946 بسبب الحربين العالميتين، وأعداد المتابعين، في البطولة الأخيرة (2018) قاربت الـ 800 مليون. أما الإنتخابات الأميركية فشارك في الإقتراع الأخير ما فاق 150 مليون حسب المُرشَّح المُنتَخَب جو بايدن.

يُمَيّزُ الحَدَثَين توقيتاهما الثابتان. فمنذ كانت الولايات المتحدة، دخل 25 من الرؤساء الجدد، أو المُجَدَّد لهم، شعبياً، البيت الأبيض يوم 4 آذار (مارس) بين 1797 و1933، ومنذ 1953 بات يوم 20 كانون الثاني (يناير)هو موعد ولوج الرئيس المُنتَخَب البيت الأبيض. واللبنانيون، أمام الحَدَثين، ينشغلون بما ليس لهم فيه مكاسب، لكنه عقل المراهنين المدمنين على التواطؤ مع الخارج، بدل التفاهم مع شريك الداخل.

ذلك بابٌ للتذكير بأن الديموقراطية ليست فقط في تداول السلطة، كما في بلادنا، لا سيما مع انتخاب الرئيس الحالي في أكبر عملية وضع يد في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية، بل الديموقراطية هي أيضاً في احترام المواقيت الدستورية، والإلزامات القانونية، أي ما لا يعرفه لبنان، في هذا الزمن الرديء.

لكن فيما ينجز الأميركيون انتخاب رئيسٍ جديد للعالم وضواحيه، ويثبّتون ديموقراطيتهم، برغم شوائب الإتهامات بالتزوير، والعنف المكتوم، يبقى اللبنانيون، بين شعوب أخرى، نياماً مُستسلمين لقياداتٍ جعلت منهم قطعاناً لكلٍّ منها كرّاز، يقودها الى حيث لا تدري، ولا يدري، وتُرهِنُ مُستقبلها ومالها وبَنيها، لدعمٍ إقليمي أو دولي، أو سلاح مرتهن لخارج. لذا تتجادل الشعوب المتقدمة في تعزيز أدوار دولها، ببنية إقتصادية متكاملة رؤيوية، من الصين إلى ألمانيا، فيما دول العالم الثالث، ونحن في قعر تخلّفه، تغرق في النحيب على مجدٍ مضى بلا عودة.

خلاصةُ المشهد هنا، أن في العالم دولاً صاحبة قرار، وأُخرى تُتقنُ الفرار من مسؤولياتها: واجهت الصين وباء “كوفيد 19” وتحرّرت منه، بينما لبنان، الذي بالكاد يُعادل شارعاً سكانياً في بكين، لا يعرف أن يُطبّق حَجراً جديداً من عدمه، وهو البلد نفسه الذي يبكي على الدولار ويعرف ناهبيه ولا يُطاردهم، وهو البلد الذي دُمِّر مرفأه يوم 4 آب (أغسطس) الفائت، ولم يظهر قبسٌ يُنيرُ مأساة نحو مئتي ضحية وآلاف المُهَجَّرين من بيوتهم. إنه البلد الذي تُديرُ طبقته السياسية الظهر لمآسيه، وتَغرَقُ في نقاشٍ بيزنطي في حقائب الحكومة المُنتَظَرة، وحصص الطوائف المُغَلَّفة بادعاء الأحقّية التي لا يُعرَف أساسها، وسندها.

هل يوحي هذا البلد بإصلاح فيما يغار الأغراب على مصيره، ويُراهن سياسيوه على أرباحٍ من خرابه، ويزدادون فساداً على فساد، بينما شعبه يُطالبهم، “منذ أكثر من عام بإنهاء (أسلوب) “العمل المعتاد” من خلال رسمِ اتجاهٍ جديد مُكَرِّسٍ للإصلاح والشفافية ولاقتلاع الفساد المُستَشري من جذوره”، كما ذكرت السفيرة الأميركية، دوروثي شيا، رداً على جبران باسيل.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى