العَرَبُ الكِرام على مائدة اللئام

بقلم عرفان نظام الدين*

لو أخبرنا أحدٌ قبل فترة من الزمن عن حال العرب والهوان الذي يعيشون عاره، لما صدّقناه واتهمناه بالعمالة والدسّ وتشويه صورتهم. حتى اليوم لا نستطيع أن نُصدّق ما نراه من خضوعٍ وخنوع وهَرولة نحو عدوٍّ طامعٍ  يَرسُمُ استراتيجيةً كاملة من الضم والقضم والسيطرة على البشر والحجر، و الهَيمنة على الثروات ومقادير العرب.

ومع هذا فقد حَصَل ما حَصَل، ونواجه أياماً عصيبة سوداء نرى فيها أكاليل العار على رؤوس الكثيرين مُنَكَّسة بدلاً من حلم العرب الكبير بأن نرى أكاليل الغار تُزيّن  رؤوسهم المرفوعة. ومهما قلنا فإنّ الفأس قد وقع على الرأس وسقط القناع عن قيادات لا هي بالعير ولا بالنفير، ولا دور لها إلّا في دعم القضية الفلسطينية ولعب دور مساندة الشعب الفلسطيني لمواجهة  الظلم والتنكيل اللذين يتعرضّ لهما كل يوم، ثم يُقال لنا بأن ما فعلوه هو لخدمة السلام، وهم لم يكونوا في حالة حرب ولا نزاع ولا مواجهة تدعهم يخافون الأخطار.

وكان من الممكن تقبّل مثل هذه الممارسات  الخاطئة لو صدرت بقرارٍ سياسي وطني اتُّخِذَ بحرّيةٍ واقتناع  بعد التشاور مع أصحاب القضية وأخوة المصير المُشترك، لكن تمّ كل ذلك بشكل مسرحي مَقيت ومَفضوح نُدرك جميعاً أن الاعلانات المتوالية تمت بالخضوع لعصا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي حملها صهره عرّاب التطبيع، جاريد كوشنير، لدعم حملة عمّه الإنتخابية وإظهاره برجل السلام، بل والمطالبة بمنحه جائزة نوبل للسلام، إضافةً إلى دعم بنيامين نتنياهو في الإنتخابات.

هذه المسرحية المُضحكة  المُبكية لم تنطلِ على أحد، فالكل يعرف أسبابها ودوافعها إضافة الى ما ذُكِرَ عن الجزرة المُلازمة للعصا. ومُلخّصها أن عدم تلبية الرغبة المشؤومة يعني تهديد المصالح والانظمة والثروات. أما الجائزة التي سيحصل عليها المُهرولون فتتمثل في تأمين غطاء حماية لهم لمواجهة وحش مطامع اخترعوه وحمّلوه سيف ديموقليس الإيراني الذي سمح بابتزاز العرب وتخويفهم لنهب ثرواتهم والتحكّم بمصيرهم.

هذه الزوبعة التي يُنتظَر أن تستمر حتى 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، ستفقد قيمتها بعد فرقعة احتفالات البيت الابيض مع احتمالات اعادة انتخاب ترامب أو هزيمته من قبل منافسه جو بايدن.

لكن هذا الجانب من البانوراما العربية ليس كل ما يُهدّد المصير والكيانات العربية، بل نعيش اليوم حالة فوضى وقلب المعادلات وإعادة الإستعمار من النوافذ بعدما خرج من الأبواب. والأسوأ من ذلك أن هذه العودة اصبحت مطلوبة من بعض العرب وقياداتهم، كما أسهمت حروب وأحداث سوريا والعراق ومصر في تمهيد الطريق من دون صوت احتجاج ولا معارك عالم اللامعقول الذي نعيشه بطرح تساؤلات عن الأهداف والنوايا: فهل نحن نعيش في زمن المسألة الشرقية التي كانت قبل قرن؟ أم نعيش في دهاليز مؤامرة سايكس بيكو جديدة التي قسمت الدول العربية بشكل خبيث ومقصود؟

إننا نتعرّض لخطر تكرار نكبة فلسطين التي وقعت في العام ١٩٤٨، حيث خسر العرب وسلّموا نصف فلسطين لإسرائيل التي أقاموها بالغدر والقوة الغاشمة، ونخشى اليوم من تسليم الباقي وأكثر ليصبح العرب وكأنهم الكرام على مائدة اللئام.

الملامح الرئيسة لإعادة تقسيم المنطقة العربية أصبحت واضحة، والأوضح هو تقاسم المغانم وتوزيع تركة الرجل العربي المريض على القوى الكبرى. فالولايات المتحدة أمسكت بمفاتيح النفط والغاز و سيطرت على الخليج، وروسيا نالت  حصتها في سوريا ودول اخرى، بينما أوكلت ثروات ليبيا الى فرنسا ودول اوروبية ومعها لبنان الذي يسعى فيه الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تحقيق حلم العودة بعد قرن من الإحتفال بلبنان الكبير. أما تركيا وايران فهما تلعبان دوراً مُوازياً تنهش فيه ما تستطيعان الحصول عليه من البقايا، وما حرب لبيبا وأحداث لبنان إلّا بعض ما وراء الأكمّة وسط حشد السفن الحربية وحاملات الطائرات.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى