فرنسا: شهادة زور

بقلم راشد فايد*

ليس مُقنِعاً كلام وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، عن شرعية “حزب الله” وكون نوابه مُنتَخَبين من الشعب، على ما قال في صحف أمس. لكن فات معاليه أن المقياس الذي اعتمده كانت تُطبّقه بلاده تجاه كل الدول العربية التي كانت أنظمتها صديقة لفرنسا، كحال تونس، وليبيا، ودول إفريقية عدة. فنزاهة الإنتخابات في هذه الدول كانت محصورة في غرفة الإقتراع، ولم تكن رقابة اللجان الدولية المُدقّقة في النزاهة الإنتخابية، تنظر إلى أبعد من باب غرفة الإقتراع والمعزل الذي يُزعَم أنه يوفّر الحرية للناخب.

يصعُب مراقبة كل تفاصيل النزاهة الإنتخابية إذا لم تكن قبضة القانون قوية، ولا تعلو عليها قبضات الميليشيات والأحزاب. مع ذلك، وإذا صدق الحريصون على تقصّي النزاهة، يُمكنهم استكشاف حقائق الأمور في زواريب المدن، وممرات القرى والدساكر، والإستفسار عن مصادر نيران حرائق السيارات والبيوت التي يرفض أصحابها الخضوع لقرارات الأحزاب الوحدانية، التي تتفنّن في تمريغ كرامات المواطنين الذين لا ينصاعون، وتهديدهم في لقمة العيش، والتلويح بحصارهم باضطهاد إجتماعي مُذِلّ. وإذا تذَكّرنا الأنماط القديمة، أي قبل الحرب، كشراء أصوات المُقترعين بـ”الحسنى”، أو بالتهديد والتنكيل، نجد أن ما يشهده لبنان، راهناً، خلال العملية الإنتخابية، لا يبتعد من ذلك، لكن مصدره لم يعد مُتعدّداً بل محصوراً بمصدر أو إثنين، تحديداً في الجنوب، حيث الأيدي المسيطرة إثنتان لا ثالث لهما، هما حركة “أمل” و”حزب الله”، لا ثالث لهما في فنون الهيمنة على الرأي العام في مناطق نفوذهما.

ما يراه لودريان، وكذلك رئيسه، إيمانويل ماكرون، ليس سوى ظاهر الأمور، وهما يعرفان أنه ليس الحقيقة، وأن ما لدى أجهزة مخابراتهما عن حقائق سطو الحزب، وحليفه، على الدولة اللبنانية، ومؤسساتها، وهيبة قواها الأمنية والعسكرية، تُعاكس تماماً إعتقاده بديموقراطية الإنتخابات، كل انتخابات، في مناطق نفوذهما، فكيف وقد وضعت الطبقة السياسية قانون انتخاب جديد يُعتَبر هجيناً لم تفهمه نسبة كبيرة من الناخبين طُبِّقَ في الإنتخابات الأخيرة وعزّز وضع يدهما على قرار أهل الجنوب، والبقاع، واقتضى الوصول إليه التمديد لمجلس النواب 3 مرات. وعلى الرغم من أن القانون الجديد تبنّى النسبية، فإن تطبيق هذه خضع للتحوير كي يتناسب مع مصالح القوى السياسية والواقع الطائفي في البلاد.

وكأن إخضاع القانون الجديد (يومها) لتجاذبات مصالح زعماء الطوائف لا يكفي، ترك موضوع الرشى الإنتخابية بلا علاج إذ لم يضع أي معوقات أمام الإنفاق الانتخابي الذي حدده بحوالي ثلاثة دولارات عن كل ناخب في كل دائرة انتخابية، مما يعني أنّ المتموّلين ورجال الأعمال يتمكّنون في الدوائر الكبرى من دفع ملايين الدولارات، ولا رقيب على أين وكيف تُدفع. إذ لم يمنح القانون هيئة الإشراف على الإنتخابات، التي شُكِّلت للمرة الأولى بموجب القانون الجديد، أي وسيلة للتحقّق من أن هذه الأموال تُدفَع رشى أو نفقات انتخابية.

هذه كلها ليست بخافية على الأم الحنون، رئيساً ووزيراً، فمن أين يسبغون الشرعية الإنتخابية المُطلقة على الحزب وحليفه؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى