إنسحابُ أميركا من أفغانستان سيترك البلاد في حالةٍ يُرثى لها

أسامة الشريف*

أخيراً، قررت الولايات المتحدة الإنسحاب ومغادرة أفغانستان بعد 20 عاماً من غزوها لذلك البلد في محاولة لتدمير تنظيم “القاعدة” ومضيفته حركة “طالبان”، للانتقام لضحايا الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. في الأسبوع الفائت، حدّد الرئيس جو بايدن التاريخ الرمزي ليوم 11 أيلول (سبتمبر) 2021 باعتباره اليوم الأخير لانسحاب ما تبقّى من القوات الأميركية من ذلك البلد، الذي ارتقى إلى إرثه التاريخي كمقبرة للإمبراطوريات.

في الأساس، كان الرئيس دونالد ترامب حدّد يوم 1 أيار (مايو) من هذا العام باعتباره اليوم الذي ينتهي فيه انسحاب القوات الأميركية. كان ذلك جزءاً من عملية مفاوضات الدوحة التي شاركت فيها أميركا والحكومة الأفغانية وطالبان. هذه العملية، التي بدأت قبل عام، لم تُحقّق بعد المصالحة المرجوّة بين حكومة كابول وجماعة طالبان. ولا يبدو أن هذه الأخيرة حريصة على اعتماد دستور 2004 وتقاسم السلطة مع حكومة مُنتَخَبة بحرية. إن قرار بايدن بالانسحاب سيُشجّع طالبان ويُعزّز وضعها ويترك للحكومة أوراقاً أقل للمساومة.

تريد الولايات المتحدة تعهّدات من طالبان بعدم تحويل البلاد إلى مركزٍ إرهابي. هذا الأمر بعيدٌ كل البعد من الهدف الأساسي للتدخل الأميركي الذي تضمّن في ما بعد بناء الدولة وتحويل أفغانستان إلى ديموقراطية على النمط الغربي. قد تترك أميركا وراءها مستشارين في مجال مكافحة الإرهاب لمساعدة حكومة كابول، ولكن حتى ذلك الحين يُعتقَد إلى حد كبير أن طالبان ستغتنم الفرصة للإستيلاء على معظم الجنوب والشرق في غضون بضعة أشهر بعد انسحاب أيلول (سبتمبر). من المرجح أن يستغرق سقوط كابول مزيداً من الوقت حيث من المتوقع أن يدافع ما يسمى بالتحالف الشمالي لقبائل الطاجيك والهزارة والأوزبك عن المدينة. بعد ذلك سيكون هناك مأزق حيث ستدافع القبائل باستماتة عن أراضي أجدادها. وهذا يمكن أن يجر البلاد إلى حربٍ أهلية طويلة الأمد ويجلب المزيد من الفوضى وإراقة الدماء.

سيطرح النقاد السؤال: مَن خسرَ الحرب ومَن ربحها؟ لقد أرسلت الولايات المتحدة الآلاف من القوات، وبنت قواعد عسكرية، ودرّبت الجيش الأفغاني وقصفت بلدات وقرى، مرات عدة، بشكل عشوائي، ما أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين. في بعض الأحيان، اختارت إداراتا جورج بوش الابن وباراك أوباما إرسال المزيد من القوات وزيادة معدل ضربات الطائرات المُسَيَّرة من أجل صدّ طالبان. نجح ذلك لبعض الوقت، ولكن مع بدء سحب القوات في العام 2017، أعادت طالبان تجميع صفوفها وشنّت حملات سمحت لها باستعادة مناطق جديدة.

يبدو أن واشنطن قد نسيت دروس فيتنام. غزت أميركا دولتين بين العامين 2001 و2003 على أمل احتواء الأنظمة المارقة وفرض ديموقراطيات على النمط الغربي. أخطأت في الحكم حسب جميع الحسابات. لقد فشل جيشها، الأقوى والأكبر والأكثر تطوراً في العالم، في هزيمة طالبان واضطر أخيراً إلى الجلوس والتفاوض مع عدو عنيد ملتزم إيديولوجياً بفرض إمارة إسلامية. في العراق، تواجه عدداً لا يحصى من التحديات بما فيها إيران المُعزَّزة التي أصبحت قوّة إقليمية مُهَدِّدة.

في مرحلة ما، ستضطر الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في وجودها في العراق أيضاً. بلدٌ أفسدته لعنات الطائفية والفساد الجماعي والتدخل الأجنبي. بحلول العام 2017، أنفقت واشنطن 2.4 تريليوني دولار على مغامراتها العسكرية في العراق وأفغانستان. في كلتا الحربين، أدّى التدخل الأميركي إلى تفاقم الصراعات مما أدّى إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، وتدمير التراث الثقافي، وتعميق الخصومات القبلية، وصعود الميليشيات، وتفشّي الفساد الرسمي. لقد فشلت تجربة بناء الدولة تماماً كما لم ينجح نهج تغيير النظام. في كلتا الحالتين، فتحت التوغّلات الأميركية صندوق “بندورة” الذي يُضرَب به المثل. إن رحيل الولايات المتحدة من أفغانستان وبعد ذلك من العراق سيترك كلا البلدين في حالة اضطراب وعدم استقرار – سيقول الكثيرون في حالة أسوأ مما كانت عليه الدولتان قبل الغزو.

لكن الدول والقادة غالباً ما يفشلون في استيعاب دروس التاريخ. تحشد روسيا اليوم قواتها على طول حدودها مع أوكرانيا. الحرب الأهلية التي لا نهاية لها في سوريا يُغذّيها التدخّل العسكري لروسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران ووكلاء طهران. محاولة ليبيا للتوحّد وتضميد جراحها يُعرقلها تدخّل تركيا والمقاولين العسكريين الروس.

نادراً ما حققت التدخلات العسكرية أهدافها الأساسية. إن ذكرى السفارة الأميركية المهجورة والمنهوبة في وقت لاحق في سايغون، جنوب فيتنام، في العام 1975 قد تتكرر في كابول وبغداد. في كلتا الحالتين فشلت الولايات المتحدة، ولكن في حين أن رحيلها قد يجلب الراحة للأميركيين الذين أنهكتهم الحرب، فإن الصراعات التي تتركها وراءها ستستمر لسنوات عديدة مقبلة.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى