الرسمُ الذاتي: براعة؟ أَم نرجسيَّة؟ (2 من 3)

ليوناردو دافنتشي

هنري زغيب*

في الجزء الأَول من هذا المقال (“أَسواق العرب” – 1 كانون الثاني/يناير 2022) تساءلتُ إِن كانت براعةً أَن يَرسمَ الفنان وجهه، أَمام مرآةٍ أَو بدونها، أَم هي نرسيسيةُ الفنان في إِضافة تعابيرَ لوجهه، أَو في نظرته، يريدها تكون إِذ هي لا تكون. واتخذْتُ رامبرانت نموذجًا لهذه الظاهرة، لكنني لن أَتوقف عنده فقط.

في هذا الجزء الثاني أَستطلع هذه الظاهرة لدى نخبة مبدعين رسموا وجوههم في حالاتٍ أَو أَوضاعٍ أَو لحظاتٍ ذاتِ دلالة. ففي تاريخ الفن كان الپورتريه الذاتي، أُسلوبًا وتقْنيةً، ظاهرة سائدة لدى كبار الرسامين، منذ عصر النهضة الإِيطالية حتى العصر الحديث،  تُظهر كيف يرى الفنان ملامحه النفسية والجسدية حين يتولَّـى ذلك بريشته ويتحكَّم بها. وهنا اخترتُ 11 بينهم:

  1. الأَلماني أَلبْرِخْتْ دُورِر (1471-1521) اشتهر باشتغاله على الخشب والحفْر، لكنه معروف كذلك برسمه عددًا كبيرًا من اللوحات الذاتية في مراحل ومواقف عدة من حياته القصيرة (50 سنة). وفي بعض هذه اللوحات تماهى بالمسيح، وكان يدَّعي في أَحاديثه ورسائله أَنه “عطية من الله”. أَشهر لوحاته الذاتية، وهو في عامه الثامن والعشرين، هي اليوم في متحف مونيخ – أَلمانيا.
  2. الإِيطالي ليوناردو داڤنتشي (1452-1519) وضع سنة 1512 رسْمُه على الورق: “رجل بالطبشور الأَحمر”. ويرى الدارسون أَنها صورته الذاتية وهو في نحو الستين. والرسم ليوم لدى المكتبة الملكية في تورينو.
    غوستاف كوربيه
  3. الفرنسي غوستاڤ كوربيه (1819-1877) ولوحته “الرجل المذعور” هي أَشهر لوحاته الذاتية. أَنجزها سنة 1845، وفيها ملامح واضحة تجمع الأُسلوب الرومنسي الْكان سائدًا عصرئذٍ حتى منتصف القرن التاسع عشر، إِلى الأُسلوب الواقعي الْكان كوربيه أَحد مؤَسسي تيَّاره. ولا تزال اللوحة بين أَعماله في متحفه الخاص.

    كلود مونيه
  4. الفرنسي كلود مونيه (1840 – 1926) رسم لوحته الذاتية سنة 1886، بقبعته المعروفة ولحيته. وواضحةٌ فيها ضربات ريشته البارعة ولمسته الخاصة في الرسم بالجمع بين النور والظل في حذاقة لافتة. اللوحة حاليًّا في حوزة هاوي مجموعات خاصة.
    بول غوغان
  5. الفرنسي پول غوغان (1848-1903) رسم لوحته الذاتية سنة 1889 بالهالة فوق رأَسه والحية، وهي أَشهر لوحاته الذاتية الأَربعين. اعتمد فيها تـأْليفًا خاصًا ضمَّنَه إِيحاءاتٍ دينيةً بينها التفاحة والحيَّة التي أَغْوَت حواء بأَكل التفاحة كثمرة محرَّمة. اللوحة اليوم موجودة لدى المتحف الوطني للفنون – واشنطن.
    فان غوخ
  6. الهولندي ڤنسنت ڤان غوخ (1853-1890). على طريقة آباء الموجة الفنية “الحديثة” عهدئذٍ، رسم ڤان غوخ عددًا وفيرًا من لوحاته الذاتية، لعل أَشهرها تلك التي رسم فيه رأْسه مع الضمادة على خدِّه، رسمَها بُعَيْدَ حادثة بَتْره قطعةً من أُذنه سنة 1889. واللوحة موجودة اليوم لدى متحف كورتو – لندن.
    بول سيزان
  7. الفرنسي پول سيزان (1839-1906). مع أَنه اشتهر بلوحاته عن الجبال والطبيعة الصامتة في الهواء الطلق، رسم الكثير من الوجوه، وبينها وجهه، ومنها لوحة رسمها سنة 1880 جاءت – بين وجوه الآخرين التي رسمها – مميَّزة من حيث أَلوانها وأُسلوبها الخاص في ضربات الريشة. اللوحة اليوم موجودة لدى مجموعة فيليپس – واشنطن.
    بابلو بيكاسو
  8. الإسپاني پابلو پيكاسو (1881-1973). اشتُهر بتغيير أُسلوبه من حقبة إِلى أُخرى في مسيرته الفنية، لذا تتغيَّر وجوهه في لوحاته الذاتية وفْق مزاجه في كل مرحلة، كما حال منحوتاته أَو مخططاته أَو زيتياته. وبين أَشهر لوحاته الذاتية تلك التي رسمها سنة 1907 لأَنها تشكل خطًّا فاصلًا في مراحله بين الكلاسيكية والتكعيبية، أَشهر اثنتَيْن بين سائر مراحله. اللوحة اليوم لدى متحف نارودْني – پْــراغ.
    فْريدا كالو
  9. المكسيكية فْريدا كالو (1907- 1954) رسمت لوحات ذاتية كثيرة جدًّا، وفي أَوضاع مختلفة وحالات متعددة. وأَشهر هذه لوحتها “رسم ذاتي بالعقد الشوكي والطائر الطنَّان المعلَّق به”. رسمتْها سنة 1940 وفيها عدد من الرموز والمفاهيم التي تشي بما كانت تعانيه في حياتها الخاصة من عذاب وأَسى. واللوحة اليوم لدى متحف نيكولاس موراي في جامعة تكساس.
    سلفادور دالي
  10. الإِسپاني سلڤادور دالي (1904-1989) وهو السوريالي الغريب الأَطوار واللوحات، كان غريبًا كذلك في رسم لوحاته الذاتية، وأَشهرُها “پورتريه ذاتي مع اللحم المقدَّد” رسمها سنة 1941 وفيها قطعٌ من اللحم المقدَّد عند ذقن شكل وجهٍ غريبٍ غيرِ متناسق مسمَّرٍ بالعكَّازات. ولغرابة شكلها، قد يحار الناظر إِليها كيف وأَين يُمكن أَن تمثل وجه الفنان. إِنما، بتَفَحُّصِها مليًّا أَو الاقتراب منها، يتبيَّنُ وجهُه وشارباه. وهذه اللوحة هي اليوم لدى متحف دالي في مدينة فيغْوِيرِس (مقاطعة كاتالونيا).
    نورمان روكْوِيل
  11. الأَميركي نورمان روكْوِيل (1894-1978) الشهير برسومه أَغلفة مجلة “إِيڤننغ پوست” الأُسبوعية كل سبت. وفي عددها الصادر السبت 13 شباط/فبراير 1960، بعد 44 سنة من انضمامه إِلى أُسرة المجلة، نشرَت عنه مقالًا بيوغرافيًّا موسَّعًا، وطلبَت منه رسمًا ذاتيًّا لغلافها، فوضع بإِبداعه المبتكَر رسمًا ذاتيًّا ثلاثيًّا طريفًا أَقرب إِلى الكاريكاتور. والرسم الأَصلي اليوم موجود لدى متحفه الخاص في سْتوكْبْريدْجْ – ولاية ماساشوستس.
  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى