واشنطن للبنان: لا استثناءات من “قيصر”

بقلم فيوليت غزال البلعة*

يعود المتواصلون مع الإدارة الأميركية في هذه الأيام بانطباعاتٍ غير مُشَجِّعة من مواقفها التي كان يُؤمَل في أن تُطلِقُها واشنطن لتُحرّر بها قطار المساعدات الذي ينتظره لبنان من صندوق النقد الدولي أو من “سيدر”، لتُساعده على تجاوز مرحلة الأزمات غير المسبوقة في تاريخه كدولةٍ مستقلة.

فالأجواء في واشنطن واضحة. وقد عبّر عنها أكثر من مسؤول أميركي رفيع في خطابات صريحة في مضمونها وصارمة في شكلها. العنوان الأبرز: لا إصلاحات.. لا مساعدات! وهذا ما يُعقّد الأمور في رأي الزوّار والمتواصلين، الذين توقّعوا مُسبَقاً الإجابات عن تساؤلاتهم.

يقول هؤلاء إن واشنطن أمهلت حكومة حسان دياب قبلَ إصدارِ أحكامٍ مُبرَمة عليها، “لكن الحكومة لم تُبدِ أي تجاوب مع متطلبات التعاون مع المجتمع الدولي، وفي مقدمه الولايات المتحدة التي تملك المفتاح السحري لحلولٍ تُعطّل “ماكينة” الإقتصاد وترجيح خيار الهجرة أمام معظم اللبنانيين، وامتداد العدوى إلى اللاجئين الفلسطينيين الذي رفضوا أي كلام عن “توطين”، مُطالبين كندا والولايات المتحدة بفتح أبوابها أمامهم.

يؤكد هؤلاء المتواصلون مع إدارة ترامب إن الحكمَ المُبرم صدَرَ على الحكومة اللبنانية. ففي رأيهم، هي حكومة “حزب الله” الذي تُصنّفه إرهابياً وخصّصت له قوانين عقوبات تفرّع بعضها من الأساس ليقطع قنوات التمويل الملتوية. وينقل هؤلاء عن المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، إن الحكومة أخفقت في تجاوز المطبّات واستسهلت إغفال مطالب المجتمع الدولي، ولم تدرس قراراتها بما يتلاءم مع مآلِ الوضع في الداخل. وتُعدِّد الإجابات “إخفاقات” الحكومة بالآتي:
– إعلان تعثّر لبنان المالي بما جعله خارج الأسواق المالية والمصرفية بدون “جدولة”. وهذا قرارٌ بدأت تظهر تداعياته اليوم مع رفض مصارف أوروبية طلبات لبنانية لفتح اعتمادات لزوم عمليات الإستيراد.
–  تأخر لبنان في فتح قنوات التفاوض مع حملة سندات ال”يوروبوندز” رُغم تكليف شركة “لازارد”، مما ضاعَفَ حجم خسائر الدائنين الأجانب التي قدرّتها “موديز” بنحو 65% بسبب اتساع الفجوة المالية منذ 9 آذار (مارس)، فيما خسرت الليرة اللبنانية 80% من قيمتها. ولهذا الأمر إرتدادات على سمعة لبنان المالية والمصرفية.
– إعتماد لبنان سياسة الإلتفاف في ملف التعيينات المالية. وبدأ التعثر بجعل النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري حجر عثرة لإعاقة إقرار التعيينات، واللجوء إلى “المُحاصصة السياسية” بدل الآلية التي وضعها مجلس الوزراء، بما أتاح تعيين مُقرَّبين ومحسوبين على السلطة السياسية والأحزاب الحاكمة.
– تعثّر لبنان في إقرار التعيينات القضائية بما أفضى إلى تجميدها، وعدم تبرير رفض رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيرة العدل اللائحة التي اختارها مجلس القضاء الأعلى -المشهود بنزاهته- إستناداً إلى معايير وضعتها الحكومة بنفسها، مُتغاضيةً عن انعكاسات التجميد على استقلالية القضاء، وهو بندٌ أساس في أي عملية إنقاذية يطلبها لبنان.
–  تعثّر لبنان في فتح باب الإصلاحات في قطاع الكهرباء. إذ بلغت التغذية أدنى مستوياتها منذ زمن الحرب، نتيجة أزمة المازوت “المغشوش” تارة و”المُهرّب” تارة أخرى. ولم يفلح وزير الطاقة، ريمون غجر، تنفيذ وعوده المُتكرّرة للبنانيين بتوصيل التيار إلى منازلهم، فيما يلوّح أصحاب المولدات بالتوقّف كلياً عن توريد الطاقة.
–  تعثّر لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي. وهذا مسارٌ طويل كان يُفترَض الإفادة من عامل الوقت تجنّباً لإهدار الفرص، حيث استفردت الحكومة بتحديد خطة التعافي من دون التشاور مع المعنيين، أي السلطة النقدية والمصارف، بما وضع لبنان في موقفٍ تفاوضي ضعيف نتيجة عجزه عن توحيد حجم الخسائر المالية.

إلى ما تقدم، يُضيف المتواصلون مع واشنطن، إن انخراطَ رئيس الحكومة حسّان دياب في الحملة ضد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لم تدخل في منطق المعيار العالمي لطبيعة العلاقة ما بين الحكومات ومصارفها المركزية. فرُغم الإختلافات في الآراء على السياسات، لم يكن حسان دياب، رئيس حكومة الإنقاذ، مُضطرّاً إلى المغامرة بإعلان “عدائه” للحاكم، بما جعل ارتدادات فقدان الثقة تمتدّ من الداخل المُربَك الى الخارج المُفاجَأ. ويؤكد هؤلاء أن لواشنطن علاقة جيدة مع سلامة “الذي يلتزم بالأصول والمعايير النقدية والمصرفية المُتعارَف عليها دولياً، فيما تعاونه مع الإدارة الأميركية، وتحديداً مع وزارة الخزانة، جنّب لبنان في مرات عديدة، “هزّة” إدراج عدد من مصارفه على لائحة العقوبات، على غرار ما تعرّض له مصرفا “اللبناني الكندي” و”جمال تراست”.
إنطلاقاً من كل ذلك، ينقل المتواصلون مع واشنطن إن ثمة انطباعاً لدى مسؤولي الإدارة الأميركية يُفيد بأن حكومة دياب لن تصمد طويلاً بعد مسلسل الفشل الذي يتلمسّه اللبنانيون من خلال تفجّر الأزمات إقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، مُتوقعين سقوطها بعد شهرٍ أو شهرين على أبعد تقدير، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية “أكثر من جادة” في إطلاق عقوبات قانون “ماغنتسكي” قريباً لتستهدف أبرز رموز “المنظومة الفاسدة” التي تسبّبت بالفجوة المالية، مُبرّرة التأخّر في بدء تنفيذه بدرسٍ دقيق للآلية القانونية المُلحَقة بمندرجاته وتوصياته، وهي مُعقّدة لناحية تجميد الأصول داخل لبنان وخارجه واحتمال لجوء المُتضرّرين من العقوبات إلى القضاء.

وليس بعيداً، يؤكد هؤلاء المتواصلون أن مسؤولي الإدارة الأميركية لن يمنحوا لبنان أي إستثناءات من قانون “قيصر”، وتحديداً لجهة استجرار الكهرباء من سوريا أو استخدام معابرها الحدودية لعبور شاحنات البضائع اللبنانية إلى الأسواق العربية والخليجية. لكن الجواب الأميركي على الطلب اللبناني الذي رُفع قبل نحو أسبوع، سيأتي مشروطاً، أقلّه بمراقبة معابر التهريب… موقفٌ سيصل خلال أيام، إن لم يكن دخل فعلاً، كواليس حكومةٍ لا تعرف إخفاقاتها من إنجازاتها!

 

  • فيوليت غزال البلعة هي صحافية وباحثة إقتصادية لبنانية. يُمكن متابعتها على الموقع الإلكتروني التالي والذي يُنشَر عليه في الوقت نفسه هذا المقال: arabeconomicnews.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى