الحكومة اللبنانية إلى أين؟

بقلم غسان سعادة*

كل يومٍ، صبحاً وظهراً ومساءً ، يُقدّم الإعلام، كما وسائل التواصل الإجتماعي، للبناني جرعاتٍ من الإكتئاب واليأس وفقدان الأمل من الحاضر الذي هو فيه، ومن المستقبل المُقبل عليه، حتى ولو كان لا يتطلع الى أكثر من أدنى مستويات العيش.  لقد أفقدوه حتى الأمل، وجعلوا منه  كأئناً على موعدٍ مُستدام مع البؤس والحزن وعدم الإستقرار، يُبلّغونه في كل يوم عن تدهور سعر عملته، وعن التهريب المُخالف للقانون، عن غياب دولة القانون وعن خضوع القضاء للسياسيين، وعن أنه لن يكون بمقدوره استعادة ما له من أموالٍ كان اودَعها لدى المصارف في بلده، وأن المصارف وحدها من يُقرّر متى وكيف له ان يستعيدها، هذا إذا ما أرادت هي أن تُعيدها، وفي الوقت او الأوقات التي تختارها هي له. والحجّة في ذلك أن المصارف وأصحابها واصدقاءها من السياسيين هم فوق القانون، والقضاء أعجزٌ من أن يُحاكِم ويُدين أفعالهم المُخالفة للقانون. من هنا ليس بالغريب ولا المُستَهجَن ان يكون الشعب اللبناني في غيابٍ كلّي عمّا هو فيه، وغير مُدركٍ لحاضره ولا لما هو آت عليه. لقد تمّ سلب إرادته كما تُسلَب أمواله وسائر حقوقه.

[قول ذلك بموضوعية، لا من مُنطلَق سياسي أو شخصي بل من منطلق الواقع وحده، بدليل أنه في بدايات سلوك طريق “السرقة” والهدر عندما سوَّق وزير المالية فؤاد السنيورة في حكومة الرئيس المرحوم رفيق الحريري أمام مجلس النواب للإستدانة بالدولار الاميركي، عارضه بعض النواب في ذلك، وكان منهم الرئيسان سليم الحص وحسين الحسيني والنائبان زاهر الخطيب ونجاح واكيم. هؤلاء الذين عارضوا زيادة الإقتراض ورفضوا الإستدانة بالدولار، وأرادوا الوقوف في وجه الفساد والهدر، خذلهم اللبنانيون في الإنتخابات ولم يعودوا الى المجلس النيابي ليقفوا في وجه النهب والهدر رغم أنهم كانوا، ومن وجهة نظرهم، يُدافعون عن أموال الشعب اللبناني ويصونون حقوقه.

هذا ما كان، أما في هذا الوقت، فقد قام عددٌ من الشيوخ الأفاضل والكهنة المُحترمين والمواطنين الشرفاء من كافة الإختصاصات والأديان والإنتماءات بالكلام والكتابة عبر مختلف وسائل الإعلام لاستنهاض همّة وحميّة الشعب اللبناني للنهوض من غيبته ودعوته للتمسّك بحقوقه، وللوقوف في وجه سارقي حقوقه والمُعتدين عليها، غير أن ما كُتب وقيل قد وقع أمام أعينٍ عمياء وآذانٍ صمّاء .

آخر المُستجدّات الجسام إستقالة المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني حيث اعلن في مؤتمره الصحافي أنه فعل ذلك “بعد أن وصلنا الى طريق مسدود، وارتفعت نسبة المخاطر الى مستوى لم يعد من الممكن التعامل معه…“، مُبيّناً للرأي العام أنه حتى ساعة انعقاد المؤتمر الصحافي ” ما زلنا لا نعرف ما تبقى لنا من احتياطي للحفاظ على لقمة عيش الناس  …“   إلى أن يقول ”غاظهم ان نضع خطة وتشخيصاً حظيا بالتنويه، فتم اللجوء الى نكران الوقائع”، موضحاً ان ” المقاربة التي اعتمدتها خطة الحكومة وضعت تقويماً صحيحاً وتمّ إقرارها بالإجماع”.

على قدر الأهمية البالغة والجسيمة لما أدلى به آلان بيفاني في مؤتمره الصحافي، يبقى الملفت والمهم جداً ايضاً ما لهذا الرجل من جرأة ومروءة وشهامة ومصداقية بأن يتحمّل كامل المسؤولية عن عمله لجهة ما قدّمه من ارقام وجهد للحكومة، وأن يُقدِمَ على تقديم استقالته (التي أجّلت الحكومة بتّها في اجتماعها الأخير) إعلاناً عن رفضه وعدم قبوله للمهانة والإتهامات المُلفَّقة ضده على حد تعبيره. علماً أنه وفقاً لما جاء في مؤتمره الصحافي ”المقاربة التي اعتمدتها خطة الحكومة وضعت تقويماً صحيحاً، وتم إقرارها بالإجماع، وحصلت على ترحيب من المؤسسات المالية بالجدية اللبنانية في مقاربة الامور ….“

بيتُ القصيد أنه إذا كان لبيفاني من الجرأة والشهامة والنزاهة ما يحمله على الإستقالة  لمُجرّد أن تُوجَّه إليه تهمة الفساد والتزوير وعدم الكفاءة، وان يترك للقضاء الكلمة الفصل في هذه الاتهامات، فما يا ترى ستفعله الحكومة صاحبة الورقة التي قاربت بها المراجع الدولية؟ هل ستملك من الجرأة والنبل والشهامة ما يدفعها الى الإقدام على عمل مُماثل لما قام به بيفاني؟ وهل ستُقدّم دفاعاً عن ورقتها التي تُبيّن أن مقاربتها إنطلقت من منطلق الحماية الفورية لحقوق الشعب اللبناني ومصالحه وممتلكاته وأمواله وودائعه الواجب ان تعاد اليه، وأن ترفع يد المصارف عن ودائع الناس التي تحتجزها من دون وجه حق؟  وهل ستعمل الحكومة كما أوردت في ورقتها على استرداد أموال اللبنانيين المنهوبة والمُهرَّبة وفق ما بيّنه بيفاني في مؤتمره الصحافي؟ وهل ستعمد الى رفع السرية المصرفية عن أموال السياسيين ومن يعملون او كانوا يعملون في القطاع العام لتسترد ما يتبيّن منه أنه ثراءٌ غير مشروع؟ وهل ستُحقّق في الثروات العقارية لِمَن تقدم ذكرهم؟ كل ما ذكره بيفاني مُمكنٌ في القانون، لكن السرعة في اتخاذ القرارات واجبة لأنه في القانون، العدالة المؤجلة عدالة منكرة ، فهل سيكون  للحكومة الجرأة والشهامة والنبل لأن تدافع عن نفسها وان تُجاري الرئيس نبيه بري في مقولته: “حماية أمن الناس وحرية معتقداتهم وممتلكاتهم، كما أمن الوطن وسلمه الأهلي، قبل ان يكون مسؤولية وطنية هو مسؤولية إيمانية قانونية وأخلاقية“ أم أنها ستستكين وتخضع؟
وكل غد لناظره قريب.

* غسان سعادة هو محام لبناني مُقيم في بريطانبا.
* الآراء الواردة في هذا المقال تخص كاتبها ولا تُمثل بالضرورة آراء “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى