لبنانُ المُغتَصَب… إستضعَفوه ام أضعَفَ نفسه؟

بقلم عرفان نظام الدين*

ربّما لا يعرفُ الكثيرون من اللبنانيين والعرب أن لبنانَ كان القُدوَة والمَثَل في النمو والسياحة والإقتصاد والإنتاج، بل يُمكن القول، بدون مُبالغة، أنه كان بحجمه الصغير وإمكاناته المحدودة أقوى دولة عربيه منذ اعلان استقلاله حتى اليوم المشؤوم في العام ١٩٧٥ بدايه الحرب الاهلية وما تبعها من مصائب وويلات حتى وصل الى الحال المُبكي الذي نعيشه.

هذه الحقيقة ولو كانت مجازية ورمزية قوبلت بالجحود والتآمر والتدخّل، بل والغيرة من انجازاته المُلفتة، والخوف من انتقال عدوى تجاربه وحرّياته.

وكانت هناك رغبة لدى البعض بنقل تجربته، كما عبّر عنها حاكم إمارة دبي، الشيخ محمد بن راشد أل مكتوم، عندما قال في كتاب ذكرياته انه كلما زار بيروت في ستينات القرن الفائت كان يتمنّى ويعمل لكي تصبح دبي بيروتاً أخرى، فأصبحنا في زمنٍ يتمنّى فيه كل لبناني ان يُحقق لبنان نصف ما توصّلت اليه دبي اليوم.

كان لبنان الأجمل والأكثر تقدماً في المنطقة، وأُطلق عليه اسم سويسرا الشرق، وكانت مواسمه السياحية والصيفية يحضرها مئات الالاف من العرب والأاجانب، وكانت الأجمل والأكثر تنوّعاً على الشواطئ والسهول والجبال حيث يتمكّن السائح بعد السباحة في الصباح والتزلج بعد الظهر في اليوم نفسه من العودة للسهر في المساء.

كان لبنان قدوةً في الإقتصاد الحر، و اعتماد سرية المصارف ليصبح مركزاً مالياً ومصرفياً متميزاً يلجأ اليه العرب والأجانب.

وكان لبنان موطناً للحريات وملجأً لآلاف الهاربين من الظلم والإضطهاد والديكتاتورية، كما كان إعلامه مضرب المثل في الحرية والمهنية، رغم بعض الشوائب وانجرار البعض نحو إغراءات المال من قبل بعض الحكام لتدمغ ممارساتهم بمقولة “صحافة الشقق المفروشة”. لكن الإعلام الشريف حافظ على حياديته و موضوعيته وبقي صامداً حتى الرمق الأخير.

وكان لبنان صاحب دورٍ فعال في التضامن العربي، ولعب دور الوسيط والمؤسّس للأمم المتحدة، كان زاخراً بقامات إعلامية وسياسية واقتصادية تبوّأت أهم المناصب في لبنان والخارج.

وكان لبنان قدوةً في الوحدة الوطنية وحرية ممارسات الأديان والإيمان الحقيقي، ومضرباً للمثل في التعايش المسيحي-الإسلامي ورفض التطرف والعنف والإرهاب .

وكان لبنان مركزاً مُتقدماً للثقافة والفنون والأدب والنشر، يلجأ إليه كبار الكتاب والشعراء والأدباء، و ينشرون كتبهم بكل حرية بعيداً من الرقابة.

وكان وكان وكان … و لا يتسع المجال للمزيد فيما الدمعة تتجمّد في المُقلَتَين، والغصّة تكاد تخنق المحبيين للبنان وهم يشهدون هذا السقوط المدوي والإنهيار بيد معاول الهدم التي هاجمته من كل حدب وصوب، وأمعنت فيه تخربياً ودماراً ونهباً للأموال، وصولاً الى نسف منطلقاته وهويته الحضارية وانفتاحه على العالم بأسره للإنجرار الى فخ الإتجاه الى الشرق.

.سقط الهيكل ومعه الأقنعة، ونحن نتساءل عن الفاعل والمُحرّض والمُنفِّذ بعد ان سادت شريعة الغاب، وتكرّرت الإغتيالات للبناة والمخلصين من رياض الصلح الى رشيد كرامي ورفيق الحريري، الى بشير الجميل ورينيه معوض، ومن كامل مروة الى جبران تويني الى سمير قصير.

ولم يكتفِ الحقد بالبشر، بل امتد تخريباً بالحجر الذي كان يَضحكُ فصار يبكي، ولم يَترك المُغرضون معلماً حضارياً إلّا وقد تعرضوا له من المعالم السياحية والفنية والإعلامية مع التركيز على الوسط التجاري لبيروت، ورأينا فصلاً جديداً قبل اسابيع بأيادي الغوغاء حرقاً وتدميراً. والآن يجري التركيز على الجامعة الاميركية في بيروت لخنقها والتضييق عليها لتصل الى حافة الإفلاس. ولا يتسع المجال هنا للمزيد ولكن السؤال المدوي والمؤلم هو لماذا هذا الحقد والعداء لستّ الدنيا بيروت ورمز الحرية لبنان ومَن يقف وراءه؟ هل استضعفوه ليُدمّروه بعد ان أغرقوه باللاجئين والنازحين؟ أم أن اللبنانيين هم الذين أضعَفوا انفسهم بانسياق بعضهم الى الخارج على مختلف ألوانه وأشكاله وأنواعه، وقبلوا بأن يتحوّلوا الى أدوات بيد الحقد والتامر ويُشاركوا بحروبٍ عبثية بين الأخوة وأبناء الوطن الواحد وللحديث صلة …والقضية تصلح ان تكون نقطة حوار بين اللبنانيين والعرب .

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى