ما هو الدور الذي لعبته إيران في غارات الطائرات المُسيَّرة على منشآت النفط السعودية؟

فيما تعمل السلطات السعودية على إخماد النيران المُشتعلة في منشآتها النفطية جراء غارات جوية مُسيّرة إدّعى الحوثيون إطلاقها من اليمن، بدأت التوترات في المنطقة تتصاعد حيث تلوم الولايات المتحدة إيران بأنها كانت وراء ذلك.

 

مايك بومبيو: “إيران ستتحمل مسؤولية عدوانها”

بقلم كيث جونسون*

خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت، تعرّضت منشآت النفط السعودية لهجوم من طائرات مُسَيَّرة زَعَم المُتمرّدون الحوثيون أنهم قد أطلقوها من اليمن، الأمر الذي أدّى إلى توقف ما يقرب من نصف إنتاج النفط السعودي، وإحداثِ قلقٍ كبير في سوق الأسهم السعودية، وإثارة مخاوف من ارتفاع أسعار النفط والتوترات الإقليمية. لقد كان واحداً من أكبر الهجمات على البنية التحتية العالمية للطاقة منذ عقود، لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كان الضرر سيكون قصير الأجل ويُمكن احتواؤه بسهولة، أو ما إذا كان سيؤثر في الإقتصاد العالمي لأسابيع مقبلة وسيدفع إلى مزيد من التصعيد في النزاع الإقليمي.

ماذا حدث رسمياً؟

إدّعى المتمردون الحوثيون في اليمن أنهم أطلقوا غارات جوية ب10 طائرات مُسيّرة ألحقت أضراراً بحقول نفط سعودية وبقيق، وهي منشأة رئيسة لمعالجة النفط في الجزء الشرقي من البلاد. إن الهجوم على قلب صناعة النفط العالمية – تُعالج بقيق حوالي 7 ملايين برميل من النفط يومياً، أو ما يقرب من 7 في المئة من إنتاج النفط الخام في العالم – جعل ما كان يعتبره المخططون الأمنيون السعوديون والغربيون منذ فترة طويلة بمثابة سيناريو كابوس حقيقة.

قام المسؤولون السعوديون بإغلاق إنتاج أكثر من 5 ملايين برميل يومياً من طاقتهم النفطية، أي حوالي نصف الإنتاج اليومي للمملكة، بينما عملوا على إخماد الحرائق وتقييم الأضرار؛ ومن المتوقع أن يصدر تقرير رسمي عن مدى الضرر ومدة أي انقطاع في مطلع الأسبوع المقبل، لكن مسؤولي النفط السعوديين قالوا لوكالة “رويترز” إن انقطاع الإنتاج قد يستغرق أسابيع لإصلاحه.

وتأتي الهجمات في أعقاب هجمات الحوثيين الأخرى على محطات ضخ النفط السعودية في أيار (مايو) ومنشأة للغاز الطبيعي في الشهر الفائت، وهي جزء من الصراع الأوسع الذي استمر لسنوات بين الرياض والقوات المتمرّدة في اليمن المجاورة التي تدعمها إيران.

ما هو الدور الذي لعبته إيران؟

هناك شيء واضح تماماً: لقد ازدادت قدرات الحوثيين على استخدام الطائرات المُسيَّرة في ضربات بعيدة المدى بشكل كبير خلال العام الماضي، حسبما قال فارع المُسلمي، المؤسس المشارك لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. وقال إن الطائرات الرخيصة تُمكّن الجهات غير الحكومية وغير التقليدية من اختراق أنظمة الدفاع الجوي الحديثة والمُتقدّمة في المملكة العربية السعودية التي تهدف إلى الحماية من التهديدات الأكبر.

لكن المسؤولين الأميركيين، كما كان الحال في الهجمات السابقة المزعومة من قبل الحوثيين، لديهم شكوك كبيرة حول مَن يقف وراءها. سارع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى إلقاء اللوم على إيران في الهجوم، الذي وصفه بأنه “هجوم غير مسبوق على إمدادات الطاقة العالمية”. ورفض مثل العديد من خبراء الأمن، الفكرة القائلة بأن المُتمرّدين الحوثيين قد طوّروا القدرة على إطلاق غارات مُسيّرة بعيدة المدى على الأراضي السعودية: “ليس هناك دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن”، غرّد على تويتر.

وقد خلص مسؤولون أميركيون إلى أن غارات الطائرات المُسيّرة قد تكون جاءت من العراق، بعدما وردتهم معلومات من البعض في منطقة الخليج بأن الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق – بدلاً من تلك الموجودة في اليمن – قد تكون نفذت الهجوم الأخير، وربما استخدمت أسلحة أكثر تطوراً من الطائرات بدون طيار، مثل الصواريخ. وقد نفى العراق يوم الأحد (15/09/2019) أن تكون الهجمات إنطلقت من أراضيه.

من جهتها رفضت إيران مزاعم الولايات المتحدة يوم الأحد أيضاً، ووصفتها بأنها “عبثية”، في حين هدّد قادة فيلق الحرس الثوري الإسلامي بشن هجمات صاروخية على الأصول العسكرية الأميركية في المنطقة. لقد تعرضت إيران لضغوط متزايدة هذا العام، حيث أدت العقوبات الأميركية على قطاع النفط إلى خفض صادرات طهران من حوالي 2.5 مليوني برميل يومياً إلى ما يقرب من الصفر، مما عثّر إقتصادها ودفعها إلى خرق شروط عدة للإتفاقية النووية لعام 2015.

لماذا هذا الأمر مهم لهذه الدرجة؟

يُعدّ الهجوم على مركز صناعة النفط في المملكة العربية السعودية تطوراً كبيراً خطيراً لأسباب عدة.

أولاً، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد: يرى خبراء سوق النفط أن الأسعار قد تقفز بين بضعة دولارات للبرميل إلى أكثر من 10 دولارات للبرميل. أغلق النفط الخام عند مستوى 60 دولار للبرميل يوم الجمعة الفائت (وصل يوم الإثنين إلى 66.67 دولاراً للبرميل).

في حين أنه من غير الواضح مدى ضخامة الضرر، فإن الإنقطاعات حتى الآن تمثل حوالي 5 في المئة من إمدادات النفط العالمية، وهناك عدد قليل من الدول في وضع يمكنها من زيادة الإنتاج بسرعة لتعويض هذا النقص. وقال مسؤولون سعوديون إنهم سيستغلون مخزونات الخام لضمان استمرار الصادرات عند مستوياتها الحالية، مما قد يُقلل من صدمة السوق. وقال بومبيو إن الولايات المتحدة ستعمل “لضمان بقاء أسواق الطاقة جيدة الإمداد”، مما قد يعني إستعداداً للاستفادة من مئات الملايين من البراميل المُخزّنة تحت الأرض في الإحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي.

وقال ريتشارد مالينسون، الشريك المؤسس ل”إينرجي أسبيكتس” (Energy Aspects)، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة: “إذا استمر انقطاع الإمداد لأكثر من بضعة أيام، فستكون التداعيات الناجمة عن أسواق النفط ضخمة. لا توجد طاقة فائضة تقريباً خارج المملكة، وحتى استخدام الإحتياطي النفطي الإستراتيجي المُنسَّق سيواجه صعوبة في التعويض عن انقطاع سعودي كبير”.

ثانياً، يُعيد الهجوم على بقيق المخاطر الجيوسياسية لسوق النفط التي ظلت تتجاهل لسنوات عدة التهديدات المادية حيث كان يتملّكها بدلاً من ذلك هاجس النمو الإقتصادي والحروب التجارية وما شابه. تُعدّ بقيق إحدى أكثر المنشآت التي تخضع لحراسة آمنة في البنية التحتية النفطية الواسعة في المملكة العربية السعودية، وقد ظهرت منذ فترة طويلة في السيناريوهات التي تتوقع أسوأ حالة لضربة إرهابية على البنية التحتية المهمة للطاقة.

وقال أحد المُحلّلين لـمحطة “سي أن بي سي” (CNBC) يوم السبت الفائت: “صورة المناعة قد اضمحلت وانمحت”.

إذا عادت أسواق النفط إلى القلق بشأن المخاطر الجيوسياسية كما فعلت في السنوات الماضية – وهناك الكثير مما يدعو إلى القلق، من صراخ التهديدات الإيرانية في مضيق هرمز إلى الصراع المستمر في ليبيا إلى آخر الضربات الجوية بطائرات بدون طيار – فقد يعني ذلك أسعاراً أعلى للنفط الخام لشهور مقبلة. يمكن أن يكون ذلك بمثابة ضغط إضافي على النمو الاقتصادي في وقت يتزايد القلق بشأن التوترات التجارية وتباطؤ التصنيع العام.

إذاً ماذا يحدث الآن؟

تُهدّد هذه الهجمات باستئصال بريق التقدم الديبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب رحيل مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، بما في ذلك لقاء محتمل بين الرئيسين دونالد ترامب وحسن روحاني.

على الأقل، يبدو أن الضربات تقتل أي فرصة لقبول واشنطن بخطة مدعومة من فرنسا لتزويد إيران بقرض قصير الأمد في محاولة لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015، الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه في العام الماضي. وبينما كان ترامب مُتردّداً في استخدام القوة ضد إيران – بإيقاف الضربة الجوية في اللحظة الأخيرة بعد إسقاط طائرة أميركية بدون طيار في حزيران (يونيو) الفائت – تعهد بومبيو يوم السبت الفائت بالتأكيد على أن “إيران ستتحمل مسؤولية عدوانها”. وقد تجمّع المسؤولون يوم الأحد الفائت لمعرفة الخطوات التالية، قائلين “كل شيء مطروح”، على حد قول مسؤول في الإدارة الأميركية لكاتب هذا المقال.

بينما يتوقع بعض المُحلّلين ضبط النفس من واشنطن، فإنهم يتوقعون شكلاً من أشكال الإنتقام من المملكة العربية السعودية – بدءاً من حملة جوية مكثفة ضد القوات الحوثية في اليمن إلى عمليات سرية مُحتمَلة ضد إيران نفسها.

وقال المُسلمي: “إننا هنا نتحدث عن مستوى جديد من المواجهة”.

  • كيث جونسون كاتب كبير في مجلة “فورين بوليسي”. يمكن متابعته على تويتر: @KFJ_FP
  • ساهمت لارا سيليغمان في هذا التقرير.
  • كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى