ليبيا: لماذا ستنهار حكومة الوفاق الوطني؟

في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2015 تفاءل العالم بالنسبة إلى حل الأزمة الليبية بعد الإعلان عن حكومة الوفاق الوطني والتي إنبثقت من الإتفاق السياسي بين الفصائل الليبية المتناحرة الذي وُقِّع في بلدة الصخيرات المغربية والذي أشرفت عليه بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا بقيادة الإلماني مارتن كوبلر بعد تكليفه بديلًا من خلفه الإسباني برناردينو ليون. ولكن يبدو أن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن وبات مصير هذه الحكومة على كف عفريت الخلافات التي ما زالت منغرسة في المجتمع الليبي ويمكن أن أيامها باتت معدودة.

MOROCCO-LIBYA-CONFLICT-UN-PEACE

بقلم عماد الدين زهري منتصر*

من بين التحديّات الكثيرة التي تواجهها ليبيا هو عدد الحكومات المتعددة على أراضيها. فعدا الجماعات المحلية المسلّحة، التي يوجد منها العشرات، أو فرع ليبيا لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، يمكن لثلاث مجموعات مختلفة على الأقل الإدّعاء بمصداقية شرعيتها للحكم. لكن هناك فقط واحدة من هذه، حكومة الوفاق الوطني، التي يعترف بها الخارج والغرب. في الواقع، لا تعترف الدول الغربية والأمم المتحدة فقط بهذه الحكومة فهي التي أنشأتها.
بعيداً من المشاكل عن كيفية خلق حكومة الوفاق الوطني، فإن الكثيرين من الليبيين دعموها أو خفّتوا إنتقاداتهم تجاهها وصمتوا لأن بعض الطرق الذي يؤدي إلى الخروج من العنف — حتى لو كان سيئاً — أفضل من لا شيء. ولكن الآن إنتقلت هذه الحكومة إلى طرابلس، وباتت على حافة الإنهيار.
إن فشل حكومة الوفاق الوطني ليس مسألة سياسية أو عسكرية. بدلاً، فهي قد فشلت في القضايا الأساسية بالنسبة إلى السياسة والحكم. على سبيل المثال، إن عدد نواب الرئيس المسموح به بموجب تشكيلها تحوّل في ظروف غامضة من 3 إلى 9 – وهي زيادة خارج أي سلطة قانونية أو تفسير وتستند فقط على إعتبارات عرقية وجغرافية. وبسبب هذه الزيادة، فإن المجلس يبدو الآن أشبه بمجلس قبلي أكثر منه حكومة حديثة مدعومة من الغرب.
ولكن بعد ذلك، في تموز (يوليو) الفائت، إستقال أربعة وزراء من حكومة الوفاق الوطني وهم وزراء العدل، والمصالحة الوطنية، والمالية، والإقتصاد والصناعة. وعلى الرغم من أن أسباب الإستقالات لم تُعلَن على الملأ، فمن المرجح أنه ليس من قبيل المصادفة أن جميع الوزراء الاربعة الذين إستقالوا جاؤوا من الجزء الشرقي من ليبيا، والذي هو تحت سيطرة حكومة طبرق التابعة لمجلس النواب (وهو واحد من القوتين السياسيتين اللتين كانتا سائدتين قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطي). في آب (أغسطس)، قامت حكومة طبرق بتصويت لحجب الثقة عن الحكومة الدولية الجديدة. وفقاً للإتفاق السياسي الذي وُلِدت على أساسه حكومة الوفاق الوطني، يجب على حكومة طبرق أن توافق على هذه الحكومة قبل أن تُمارس مهامها. من دون مثل هذا التصويت، فإن حكومة الوفاق الوطني لا تتمتع بصفة قانونية، وهو واقع تجاهلته حكومة الوفاق نفسها كما الغرب.
ومع ذلك، كان بإمكان حكومة الوفاق الوطني الإستمرار والصمود وإجتياز أوجه القصور السياسية والقانونية لو أنها حاولت تخفيف العديد من المشاكل التي تواجه ليبيا، بما فيها أزمة الكهرباء المُزمنة، ونقص المياه، والتضخم، وأزمة السيولة، وإنعدام الأمن. لكنها لم تفعل أي شيء من ذلك. وعلى الرغم من التعهدات الدولية المتعددة للمساعدة، فإن الحكومة لم تتمكّن حتى من حلّ واحدة من هذه التحديات.
قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني، كان إنقطاع التيار الكهربائي في العاصمة يستمر عادة بمعدل يتراوح بين ثماني إلى عشر ساعات في اليوم. في ظلّها، كانت طرابلس من دون كهرباء لمدة تصل إلى 20 ساعة يومياً في حزيران (يونيو) وعادت الآن إلى ما بين ثماني إلى عشر ساعات من إنقطاع التيار يومياً. وبالمثل، كان إنقطاع المياه نادراً، ولكن طوال فصل الصيف، ظلّت طرابلس من دون ماء ثابت ومستمر لمدة أسابيع. في المقابل، ثارت أعمال شغب إحتجاجاً على الأوضاع المتردية ويتجّمع الليبيون بإنتظام أمام البنوك بإنتظار سحب بعض أموالهم فقط حتى يتمكنوا من شراء الضروريات.
الواقع أن الأوضاع في ليبيا هي سيئة للغاية إلى درجة أن مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر، المهندس النهائي للإتفاق على حكومة الوفاق الوطني، حثّ هذه الحكومة على العمل والتنفيذ عبر تويتر. “إني قلقٌ من إستمرار إنقطاع الكهرباء في أجزاء كبيرة من طرابلس. لذا أحث حكومة الوفاق الوطني على معالجة إمدادات الطاقة للسكان بسرعة”، غرّد في حزيران (يونيو). ويمكن عذر الليبيين للتفكير والإعتقاد بأن سقسقة المبعوث الأممي لن تفعل الكثير لإعادة المياه أو الكهرباء أو الأمن.
من جانبها وضعت حكومة الوفاق الوطني اللوم على “الحكومات السابقة” لعدم قدرتها على معالجة المشاكل المعروفة والأكثر إلحاحاً بالسرعة اللازمة. وعلى الرغم من ذلك فإنها كانت حريصة على الإشارة إلى أنها قد أحرزت تقدماً جيداً وملموساً ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ومع ذلك فإن النجاح المُحقّق ضد الجماعة في معقلها السابق في مدينة سرت كان نتيجة لمسعى ليبي واسع، وليس من صنع حكومة الوفاق الوطني وحدها. في الوقت الذي تم تشكيل هذه الحكومة، كان مقاتلون من أنحاء المنطقة يمثّلون مختلف الفصائل والميليشيات الليبية يخوضون المعركة هناك. وفي غضون ذلك، كافحت حكومة الوفاق الوطني للقيام بأساسيات الكفاح ضد الجماعة الإرهابية حيث كان مئات من المقاتلين الجرحى غير قادرين على تلقي الرعاية الطبية. وفي سقسقة ثانية على “تويتر” كتب كوبلر مرة أخرى: “أفكر في العديد من القتلى والجرحى في المعركة ضد “داعش” في سرت. أحث المجتمع الدولي على تقديم المساعدة في المجال الطبي وعمليات الإخلاء”.
إذا كان هناك أي شيء آخر، فإن حكومة الوفاق الوطني في ليبيا تمثّل المجتمع الدولي، وبالتالي فإن الذي يُنذِر بالسوء بشكل عميق هو أن حكومة ليبية خلقها ودعمها وروّج لها الغرب لا يمكنها تنفيذ المهام الأساسية للحكم. لذا فإن أيام حكومة الوفاق الوطني باتت معدودة. وقريباً جداً، قد يكون على الليبيين البحث والعثور على مسار آخر.

• عماد الدين زهري منتصر عضو في مجلس الشؤون العامة الأميركية – الليبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى