ميليشيات الأسد وإيران تُهَدِّد مستقبل سوريا

بدأت الميليشيات التي تقاتل في سوريا إلى جانب النظام ترى أنها باتت في وضع أقوى من النظام الذي أضحى يعتمد عليها بشكل كبير لمنع إنهياره. ويشكّل تعاظم نفوذ الميليشيات، التي جاءت إيران بغالبيتها، خطراً على الدولة وعلى النظام نفسه حيث لم يعد قادة الميليشيات يكتفون بدورهم العسكري الداعم للجيش النظامي بل باتت أعينهم تبحث عن النفوذ والسلطة.

“قوات الدفاع الوطني”: الدعم الإيراني لها يثير حولها تساؤلات.

بقلم تشارلز ليستر ودومينيك نيلسون*

بعد حوالى سبع سنوات من الحرب، يبدو أن توازن القوى العسكرية في سوريا قد تحوّل لصالح الرئيس بشار الأسد وحليفتيه، روسيا وإيران. منذ التدخل العسكري الروسي في أيلول (سبتمبر) 2015، تمكّن الأسد من الإحتفاظ أو إستعادة معظم المراكز السكانية الرئيسية في البلاد التي تشمل ما يُسمّى “سوريا المفيدة”– بما فيها دمشق وحمص وحماه وحلب واللاذقية. وكان آخرها كسر حصار “داعش” على دير الزور، مما مهّد الطريق له لمزيد من المكاسب في المدينة والمناطق المحيطة بها، مؤدّياً ذلك إلى وصوله إلى بلدة البوكمال الواقعة على الحدود مع العراق.
في حين أن مجموعة واسعة من العوامل ساهمت في بقاء النظام وصموده، فإن إحدى السمات الرئيسية كانت قدرته على تجاوز عدم فعالية الجيش العربي السوري وسوء هيكليته بالإستعانة بميليشيات موالية. مع ذلك، وعلى رغم المكاسب التي حققتها هذه الإستراتيجية في ساحة المعركة في مواجهة المعارضة، فإن “ميليشياوية” القوات الموالية للنظام قد أضعفت مستوى سلطة الحكومة المركزية الكاملة على هذه الجماعات.
وهذا يُثير تساؤلات مُهمّة تحوم حول آفاق قدرة النظام المُستقبلية على إستقرار البلد، أو الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة. وفي بعض الأحيان، أدت ظاهرة الميليشيات هذه إلى إثارة وتحريض أهم دولتين داعمتين للنظام، إيران وروسيا، ووضعهما على جانبين متقابلين، حيث حاولت كلٌّ منهما سحب وجذب هذه الميليشيات إلى مجال نفوذها. إن الولايات المتحدة ستكون في وضع أفضل إذا إعترفت بالمشاكل التي يطرحها ويُشكّلها العديد من هذه الميليشيات على مستقبل سوريا ومعالجتها وفقاً لذلك.

نقص العديد

إن إعتماد الأسد على الميليشيات الموالية، وغالباً المذهبية، لمقاومة ومواجهة قوات المعارضة بدلاً من هيكله العسكري الرسمي يطرح سؤالاً واضحاً: لماذا حدث هذا في المقام الأول؟ الجواب يكمن في المراحل المُبكرة من الأزمة، عندما وجد نظام الأسد نفسه أنه يحتاج إلى قوة عاملة إضافية لتساعد أو لتحل محل الهاربين الكثر من الجيش العربي السوري. بحلول منتصف العام 2013، بعد عامين من بدء القتال، فقد الجيش العربي السوري نصف قواته، حيث تقلّص عدده من حوالي 220,000 جندي في بداية الحرب إلى 110,000 جندي في العام 2013. وإستمر هذا الإتجاه التنازلي حتى اليوم، مع تقديرات بأن عدد القوات العاملة في الجيش العربي السوري والتي هي تحت سيطرة الحكومة مباشرة الآن وصل إلى 20,000-25,000 من القوات النشطة والقابلة للإستخدام والنشر على نطاق واسع. وفي الوقت عينه، يُقدَّر عدد الميليشيات التي تقاتل بإسم نظام الأسد حالياً ما بين 150,000 و200,000 مقاتل. إن التفوّق واضحٌ وضارٌ جداً كالآثار الكبيرة المترتبة على ذلك بالنسبة إلى مستقبل سوريا.
مع ذلك، هذا التفسير لا يصل إلى جذور السؤال: لماذا أثبت الجيش العربي السوري أنه قوة قتالية غير فعّالة هيكلياً عندما واجه إنتفاضة في جميع أنحاء البلاد؟ إذا كانت المشكلة حصراً تعود إلى الأرقام، كان بإمكان النظام توسيع نطاق التجنيد الإلزامي وتطبيقه بقوة أكبر في مرحلة مُبكرة. علاوة على ذلك، لماذا إختار الأسد السماح بإنتشار الميليشيات شبه المستقلة على أرضه بدلاً من محاولة إعادة بناء مؤسسات الدولة التي تخضع لسيطرته مباشرة أو توسيعها أو إصلاحها؟
أولاً، النظر في الهيكل الأوّلي للجيش العربي السوري. لقد أشار مؤيدو نظام الأسد بشكل صحيح إلى أنه بسبب أن الجزء الأكبر من الجيش كان قائماً على التجنيد الإلزامي، كانت صفوفه مُمَثلة بغالبية ساحقة من الغالبية السنية في سوريا. كما شكّل السنّة نسبة كبيرة من المناصب العليا في الجيش. ومع ذلك، فهذا هو أبعد ما يكون عن نهاية القصة. في حين أن أهل السنّة كانوا في الواقع مُمَثَّلين بشكل متناسب داخل الجيش العربي السوري سواء من حيث الرتبة أو العدد، فإن القوة أو السلطة الحقيقية كانت تتركّز في أماكن أخرى – في كثير من الأحيان في أيدي أعضاء مُوالين للنظام من الأقلية العلوية. وقد كانت غالبية كتائب القوات الخاصة والوحدات الأخرى التي يعتمد النظام عليها بشدة لعمليات المواجهة مع معارضيه — مثل الحرس الجمهوري، والشعبة الرابعة الميكانيكية، والوحدات غير النظامية مثل قوات “نمور سهيل الحسن”– في تكوينها الديموغرافي وقيادتها الأساسية علوِية التوجه.
في الوقت عينه، كثيراً ما أُسنِدت إلى الضباط السنّة مهمات لوجستية علاجية كان لها أثر ضئيل في ساحة المعركة. وقد أشار العديد من الضباط السنّة أن مساعديهم كانوا عادة من العلويين الذين كانوا يُبَلِّغون عن كل خطوة يقومون بها إلى أجهزة الإستخبارات، وبالتالي كانوا يتمتعون بسلطة أكثر من رؤسائهم من الضباط السنة الذين كانوا يخدمون تحت إمرتهم من الناحية التقنية. وبالنظر إلى الطبيعة الطائفية لهذا التكوين قبل الحرب، فإنه ليس من المستغرب أنه بعد إندلاع القتال في منتصف العام 2011، لم يكن بإستطاعة أي واحد من الألوية العشرين تقريباً من الجيش السوري نشر وإستخدام أكثر من ثلث قوته العسكرية الضئيلة في ساحة المعركة.
بمجرد بدء الإحتجاجات في آذار (مارس) 2011، سعى الأسد إلى نزع الشرعية عن المعارضة من خلال تأطير الوضع من الناحية الطائفية، واصفاً أفرادها بالمتطرفين السنّة. ولتحقيق هذا الهدف، إستهدف النظام الطوائف السنية بأشكال متزايدة من العنف العشوائي الثقيل في الوقت الذي كان يستخدم وسائل أقل وحشية وغالباً غير عنيفة لمعاقبة العلويين ومناطق الأقليات الأخرى. وفي خضم عوامل أخرى، أدى إستخدام العنف الإنتقائي إلى إنتشار الإشتباه على نطاق واسع بأن الجنود السنة لا يدينون بالولاء للأسد، الأمر الذي حث بدوره النظام على الإعتماد رسمياً على وحدات الجيش العلوية بشكل غير رسمي وعلى الميليشيات المحلية والعصابات الموالية. وكثير من المقاتلين في هاتين الأخيرتين يمثلون طوائف الأقليات ويُستَخدَمون كقوة إنفاذ محلية.

ميليشيات غير مُطيعة

مع مرور الوقت، إرتفع الهروب وزادت الانشقاقات والإصابات في ساحة المعركة في الجيش، الأمر الذي أجبر النظام على الإستعانة رسمياً أكثر في جهوده العسكرية بمختلف الميليشيات الأجنبية والمحلية، وغالبيتها كانت طائفية للغاية في التصميم وغالباً ما كانت خاضعة لمصالح خارج سوريا.
في حين أن إنتشار الميليشيات الموالية أدّى إلى تعزيز الجهود الدفاعية والهجومية للنظام ضد قوات المعارضة، فإنه أيضاً شقّق وأضعف سلطة الأسد المباشرة، حيث أن العديد من الميليشيات لم تكن مدموجة رسمياً على الإطلاق في مؤسسات الدولة. وقد أدى ذلك، في بعض الأحيان، إلى عجز النظام عن تثبيت الإستقرار في مناطق في البلاد التي يفترض أنها خاضعة لسيطرة الحكومة، وتجنُّب من أن تصبح هذه الأجزاء مناطق فساد وأمراء حرب.
على سبيل المثال، “قوات الدفاع الوطني”، وهي قوة مؤيدة للأسد شكّلها النظام مع تدريب وتمويل إيرانيين. وعلى الرغم من كونها ذراعاً لسلطة النظام وأفرادها بالكامل من السوريين المحليين، إلّا أن نتشكيلات هذه القوات إشتبكت مع الجيش العربي السوري وقوات حكومية أخرى في مناسبات عديدة. وكثيراً ما كانت مزاعم الفساد وسوء التصرف في صميم هذه الحوادث بين الفصائل. في نيسان (إبريل) 2015، على سبيل المثال، إشتبك الجيش مع “قوات الدفاع الوطني” في الزهراء في حمص بعد أن ظهرت تقارير تفيد بأن ميليشيا تابعة للأخيرة إنخرطت وشاركت في عمليات إختطاف وإبتزاز وغير ذلك من السلوك الإجرامي ضد السكان المحليين. وأدت الاشتباكات إلى مقتل أفراد من كلا الجانبين. مرة أخرى في أوائل العام 2016، كانت هناك تقارير عن إشتباكات حكومية مع مجموعة من “قوات الدفاع الوطني” بعد دخول القوات الحكومية شمالي حمص للتحقق من نفوذ المجموعة في المنطقة. في كانون الأول (دیسمبر) 2016 إندلع إقتتال داخلي في دیر الزور بین المجموعة والحراس العسکریین بسبب نزاع حول الوصول إلی مستشفی عسکري تسيطر علیه الحکومة. وقد تناوشت وتنازعت “قوات الدفاع الوطني” حتى مع الميليشيات الأخرى الموالية للنظام، مثل “حزب الله” اللبناني في القلمون.
ولا تنتهي المشكلة مع “قوات الدفاع الوطني”، حيث أن الميليشيات الموالية للنظام قد تورطت بشكل غير متناسب في المذابح ضد المدنيين السوريين، بما في ذلك في بانياس ورأس النبع وحلب. في الواقع، وفقاً لأحد التقارير، فإن التحليل الدقيق للفظائع المرتكبة ضد المدنيين منذ بداية الأزمة يشير إلى تورط شبه عسكري منتظم، حيث أن هذه الحوادث تركزت بشكل خاص في المناطق العلوية في سوريا. وبالنظر إلى سجلها البغيض لإنتهاكات حقوق الإنسان والدوافع الطائفية، فإن إستمرار وجود هذه الميليشيات سيجعل أي عملية لإعادة إدماج المجتمعات السنية المناهضة للنظام في سوريا تحدّياً هائلاً. ومما يؤسَف له أن الميليشيات الموالية للنظام قد إستفادت سياسياً وإقتصادياً أيضاً من فوضى الحرب، لذا من غير المُحتمل أن تتخلى عن سلطتها الجديدة عن طيب خاطر. إن وجود هذا الاقتصاد الحربي الجذاب لا يُبشّر بالخير لمستقبل الإستقرار أو إعادة الإعمار في سوريا.

مصالح مُتنافسة – روسيا وإيران

أثارت الشبكة الواسعة من الميليشيات الموالية للنظام في جميع أنحاء سوريا أيضاً توترات بين الدولتين الداعمتين الرئيسيتين للنظام، إيران وروسيا. من الناحية المثالية، ترغب روسيا في إستعادة جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة وإعادة وضعها تحت سلطة النظام المباشرة. ومع ذلك، نظراً إلى الضعف الحالي للجيش العربي السوري، فقد إضطرت روسيا إلى تركيز جهودها الهجومية على ممر دمشق – حمص – حلب في غرب سوريا على حساب الأراضي المتمردة التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد، مُفضِّلةً عدم التصعيد. ومثل هذه العملية قد تؤدي في الواقع إلى إطالة تدخل روسيا أكثر مما ترغب. ومن أجل تحقيق هدفها المتمثل في توحيد كل سوريا في نهاية المطاف في ظل حكومة مركزية قوية لها تأثير كبير عليها، حاولت روسيا إعادة بناء وإنعاش مؤسسات الدولة السورية مثل الجيش العربي السوري من أجل تمركز السلطة مباشرة بين أيدي الحكومة في دمشق.
في محاولة للتعجيل والتسريع بهذه العملية، عملت روسيا على الحدّ من دور الميليشيات الموالية للنظام في الصراع، وكثير منها غالباً ما يتغذّى بدوافع خارجية وليس بالأهداف التي تقودها الدولة السورية. وفي هذا الصدد، سعت موسكو إلى دمج الميليشيات الموالية للنظام ووضعها تحت السيطرة المباشرة للجيش العربي السوري. في خريف 2015، ضغطت روسيا على النظام لإنشاء الفيلق الرابع، وهو قوة عسكرية ضمت مقاتلي المليشيات الموالية حول اللاذقية في صفوف الجيش. وعلى الرغم من فشل الفيلق في نهاية المطاف في القضاء التام على نفوذ الميليشيات حول اللاذقية، إلا أنه أثبت أن الموالين خارج سيطرة النظام المباشر يُمكن إدماجهم في القوات المسلحة.
علاوة على ذلك، أعلنت روسيا في أواخر العام 2016 عن تشكيل فيلق التدخل الخامس، وهو قوة ضمت وحدات من “قوات الدفاع الوطني” المدعومة من إيران وأولئك الذين سبق أن انشقوا أو هربوا من الجيش سابقاً إلى الجيش العربي السوري. وقد وسّعت هذه المجموعة بشكل أساسي إمتياز الفيلق الرابع الذي يتخذ من اللاذقية مقراً له إلى كل أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، من خلال فتح صفوفه للمُنشَقِّين عن الجيش ومن رَفَضوا التجنيد، فقد سعى الفيلق الخامس إلى تقليص المِشكال الطائفي للميليشيات التي تعمل باسم الأسد من خلال إضفاء الشرعية على إدراج الجنود السنّة في المؤسسات الحكومية. ومع ذلك، فإن قرار روسيا بإنشاء فرقة نخبة، وهي قوة علوية إلى حد كبير تُعرَف باسم “صيادو داعش” – تدربها حصراً قوات “سبيتزناز” الروسية الخاصة في معسكرات جبلية موالية في اللاذقية – كقوة سورية جديدة على خط المواجهة، يشير إلى أن إزالة الطائفية من صورة نظام الأسد ليست دائماً من إهتمامات موسكو الرئيسية.
في حين أن النظرية التي تقوم عليها هذه المبادرات الروسية تبدو منطقية ومُبرَّرة على حدّ سواء، فإن الأسس التي بُنيت عليها منذ ذلك الحين بانت مهزوزة. في أيلول (سبتمبر) 2017، كشفت موسكو أن فيلق التدخل الخامس كان في الواقع بقيادة جنرال روسي كبير، الذي قُتل خلال إحدى المعارك في سوريا. وأكّد هذا الكشف على مدى التحدي المُنتَظَر، والضغط الذي شعرت به موسكو لإعادة بناء مؤسسات الدولة المركزية السورية من حالة الإنهيار الكامل التي وجدتها فيها في العام 2015.
وفيما تحاول روسيا إعادة بناء المؤسسات الخاضعة للسيطرة المباشرة للدولة السورية، فإن إيران عازمة على الحفاظ على أدوات بديلة من السلطة تتوازى مع الدولة. منذ العام 2012، قامت طهران بإستقطاب وتدريب وتمويل جزء كبير من الميليشيات الموالية لها التي تعمل حالياً لدعم الأسد. هذا الجهد نشأ في العام 2012 مع الجهود الإيرانية لإرسال ميليشيات شيعية من العراق ولبنان للدفاع عن مقام السيدة زينب، وهو موقع مقدس شيعي في دمشق. وقد تم دمج هذا التفكير الطائفي بسرعة في إستراتيجية الأسد نفسها، حيث بدأت الميليشيات المدعومة من إيران، سواء الأجنبية أو المحلية، في الظهور في جميع أنحاء البلاد تحت عنوان دعم نظام الأسد ضد المتطرفين السنّة. واليوم، ما زالت كل الميليشيات الرئيسية في سوريا، بما فيها مجموعات من “حزب الله” ولواء “فاطميون” – وهو ميليشيا شيعية أفغانية تشكّلت للقتال لدعم الحكومة السورية — فضلاً عن العديد من عناصر “قوات الدفاع الوطني”، تواصل القتال بدعم إيراني متفاوت. ومن الجدير بالذكر أن كبار المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن 80 في المئة من قوى الأسد العسكرية العاملة تتألف من قوى أجنبية مثل “حزب الله” والميليشيات الشيعية الأخرى المرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي الإيراني، ووحدات من الحشد الشعبي العراقي.
وقد نجحت الميليشيات الموالية للجمهورية الإسلامية في سوريا، جنباً إلى جنب مع العناصر المدعومة من إيران من وحدات قوات الحشد الشعبي في العراق، في تأمين الهدف الإيراني المهم من الناحية الإستراتيجية بفتح طريق بري من طهران مروراً ببغداد ودمشق إلى بيروت والبحر الأبيض المتوسط. ونظراً إلى المكاسب التي حققتها هذه الميليشيات لصالح إيران، فمن المستحيل عملياً أن نرى لماذا سوف تستسلم طهران للسيطرة المركزية الروسية والسورية بإسم مستقبل السلام. في الواقع، إن المسار المنطقي الوحيد لإيران هو تكرار هيكلية الحشد الشعبي العراقي في سوريا، وخلق وتعزيز بنية تحتية واسعة النطاق للميليشيات تمثّل مصدراً للقوة غير المتماثلة الإيرانية التي من شأنها، على الأرجح، أن تفوق قوة مؤسسات الدولة.

الميليشيات تُقوِّض الإستقرار السوري

على الرغم من بعض المحاولات الأخيرة التي قام بها الأسد لإنفاذ سلطته على تحدي الميليشيات، فإن “ميليشياوية” سوريا لا تبشّر بالخير بالنسبة إلى مستقبل الإستقرار في البلاد. إن سلوك أمراء الحرب المُتَفَشي والمُرتبط بالعديد من هذه الجماعات يؤدي إلى تشقق وإضعاف سيادة الدولة السورية. والأهم من ذلك إن الدوافع الطائفية لكثير من جماعات الميليشيات وولاءها لدول وأهداف خارجية غير سورية، يزيد من تفاقم التوترات الداخلية المتوترة أصلاً داخل سوريا. وبدلاً من تمثيل آلياتٍ لتحقيق الإستقرار في البلد ومواجهة التهديدات المتطرفة الداخلية، فإن هذا الواقع من المرجح أن يُعزّز سرد الجماعات الجهادية السلفية مثل “جبهة تحرير الشام” و”القاعدة” و “داعش”. وقد تفعل الولايات المتحدة جيداً أن تحرص على الإهتمام ومراقبة إنتشار الميليشيات الموالية للنظام السوري. ولن تكون واشنطن قادرة على الضغط على هذه الجماعات من دون تدخل عسكري واسع النطاق، بما في ذلك نشر القوات، وهو أمر يبدو مُستبعَداً للغاية حالياً. ونظراً إلى الفوائد التي تحققها هذه الفصائل لصالح إيران، فمن غير المحتمل أيضاً أن تكون طهران مستعدة للتخلي عن مكاسبها في أي تسوية ديبلوماسية.
من وجهة نظر السياسة، يجب على أميركا أن تُمارس ضغوطاً علنية على روسيا لمواصلة جهودها لإضفاء الطابع المركزي على الميليشيات الموالية للنظام والتي ليست وكلاء لإيران في مؤسسات الدولة السورية، مثل تدخل روسيا لدعم الجيش العربي السوري لحماية النظام في دمشق في أيلول (سبتمبر) 2015 الذي ضمن لها حصة كبيرة في البلاد وكفل دوراً لموسكو لتقرير مستقبل سوريا. وعلى الرغم من أنه ليس السيناريو المثالي، فإن وضع روسيا كقائد قوى بارز في سوريا يُعتبر نهجاً ضرورياً. وهذا لا يعني أن على واشنطن أن تتخلّى عن وكلائها في الصراع، أو أن تتخلى عن حماية الأراضي التي يُحرِّرها هؤلاء الوكلاء. يجب أن تحمي السياسة الأميركية المكاسب التي حققتها قواتها الشريكة كمصدر دائم للضغط على النظام في دمشق.
في الوقت نفسه، في التعامل مع الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، يجب على الحكومة الأميركية بذل المزيد من الجهود لوضع خريطة علنية للميليشيات المذكورة وتعيين وتسمية تلك التي تُعتبر أعمالها إنتهاكاً للقانون الدولي، ولا سيما من خلال حفاظ هذه الميليشيات على روابط مباشرة مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي صُنف أخيراً منظمة إرهابية. يجب إستبعاد وكلاء إيران في سوريا، وهم في الظاهر أولئك الذين يقعون تحت قيادة قوة القدس، مثلما إستُبعد “داعش” والجماعات المسلحة المرتبطة ب”القاعدة”، من جميع الترتيبات الديبلوماسية، سواء أكان وقف إطلاق النار أو مناطق التصعيد أو غيرها من الاتفاقات التي تم التفاوض عليها.
ومن شأن هذه السياسة أن تساعد على ضمان أن تحتفظ الولايات المتحدة بمصادر ذات مغزى للضغط على روسيا وإيران والنظام في دمشق، في الوقت الذي تعمل على عزل وإضعاف الأطراف الفاعلة الأكثر إضطراباً، التي تكون قدراتها المستقبلية الأكثر إثارة للقلق.

• تشارلز ليستر هو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يركز أبحاثه في المقام الأول على الصراع في سوريا وعلى قضايا الإرهاب والتمرد عبر المشرق العربي. ودومينيك نيلسون هو مساعد باحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. تخرج من جامعة دنفر في العام 2017 مع تخصص مزدوج في الدراسات الدولية والإقتصاد.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى