طريقُ عُمان الواعد للإنتعاش الإقتصادي

محمد العارضي*

بعد فترة طويلة من عدم اليقين خلال جائحة كوفيد-19، تستعد الدول في جميع أنحاء العالم الآن للإنتعاش الإقتصادي، وتُعَدُّ الفترة المقبلة مهمة بشكل خاص لسلطنة عُمان.

نظراً إلى أن عُمان تُعتَبَرُ مُنتجاً صغيراً للنفط نسبياً مُقارنةً بالدول الأخرى في منطقة مجلس التعاون الخليجي، فقد تعرّض الاقتصاد الوطني لضربةٍ هائلة عندما انهارت أسعار الطاقة في العام 2020.

بعد سنوات قليلة مليئة بالتحديات، بدأت الأمور تتحسّن في الاقتصاد العُماني عندما أجرت الدولة أول بيع صكوك مُقوَّمَة بالدولار منذ العام 2018، والتي تلقّت طلباً قياسياً، حيث حقّقت الصكوك البالغة 1.75 مليار دولار لمدة تسع سنوات إيرادات تزيد عن 11.5 مليار دولار.

كانت هذه النتيجة مدفوعةً بعددٍ من العوامل، أبرزها ارتفاع أسعار النفط في العام الفائت وخطة ضبط أوضاع المالية العامة التي أخمدت مخاوف المستثمرين بشأن الارتفاع المفاجئ في الديون.

كانت الزيادة في الدين الوطني على مدى السنوات القليلة الماضية مَصدَرَ قلقٍ كبيراً للاقتصاد العُماني الذي تراجع مراتب عدة. ومع ذلك، فإن الاستجابةَ لبيع هذه الصكوك وثقةَ المُستثمرين هما مؤشّران مُمتازان ومن العوامل المُحفّزة للأمة بعد فترة من المكاسب الاقتصادية الضعيفة.

بعد هذا التحوّل المُشجّع في الأحداث، أتوقّع أن تجتذب عُمَان المزيد من الاهتمام لدى المستثمرين ذوي الملاءة المالية العالية من جميع أنحاء العالم وتجذب المزيد من الأموال التي تساهم في النمو الاقتصادي ومع ذلك، يجب علينا أيضاً أن نُبقي إصبعنا على النبض ونبذل قصارى جهدنا للحفاظ على هذا الزخم الذي يُمكن أن يُترجَم إلى فوائد أكبر طويلة الأجل للبلد.

ليس هناك وقتٌ أفضل من الآن لجميع المواطنين والمنظمات على حد سواء لإعادة النظر في الأهداف الاقتصادية المُحَدَّدة في رؤية عُمان 2040 وتجديد التزامنا بها. من خلال القيام بذلك، يُمكننا بشكلٍ جماعي رفع ثروات أمّتنا والاستفادة القصوى من مواردنا لضمان النتائج الأكثر فائدة للجميع.

تؤكد رؤية عُمان 2040 بشكل مُبرَّر على التنويع الاقتصادي. وأعتقد أنه نتيجةً للظروف والتحديات الفريدة التي نشأت على مدار العام ونصف العام الماضيين خلال جائحة كوفيد -19، تم دفع الأفراد في جميع أنحاء العالم إلى التفكير خارج الصندوق والابتكار من أجل البقاء وحتى الازدهار.

ساعدتنا هذه الفترة على الإدراك بأنه يُمكن تحقيق الإنتاجية الاقتصادية على الرغم من المسافة الجسدية والعوائق الأخرى المُتصوَّرة. المنظمات التي اعتمدت على الاستخدام الفعّال للتكنولوجيا لم تتأثر بشدة بعمليات الإغلاق مثل تلك التي لم تعتمد ذلك.

ربما يمكن للشركات في عُمان إعادة تقييم استخدامها للمنتجات التكنولوجية والبحث عن حلولٍ تزيد من الكفاءة والإيرادات في المدى الطويل.

الأهم من ذلك، يجب أن نظل مُركِّزين على الفرص التجارية عبر حدودنا الوطنية والإقليمية. لقد اعتاد المحترفون الآن على العمل عبر الإنترنت عن بُعد، لذا يجب علينا الاستفادة من جميع الإمكانات للتعاون مع الشركات في البلدان الأخرى لتحقيق المنفعة المُتبادَلة.

نشرت شركة التكنولوجيا العالمية “ساب” (SAP) أخيراً دراسة بعنوان “الإبحار في رؤية عمان 2040 من خلال عدسات “ساب”” (Navigating Oman’s Vision 2040 Through SAP’s Lens)، التي أكّدت ما نعرفه أصلاً. تستعد التحوّلات الرقمية التي تدعم رؤية أمتنا لمساعدة سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على النمو إلى 5.6 مليارات دولار بحلول العام 2024 مع زيادة مشاركة وانخراط المواطنين أيضاً.

لا شك أن التطورات الرقمية والاستخدام الأمثل للتكنولوجيا سيدفعان أمتنا إلى الأمام وسيدعمان أيضاً القطاعات الاقتصادية التي حدّدتها الحكومة كأولويات – وهي السياحة والتصنيع والنقل والخدمات اللوجستية والتعدين والزراعة ومصايد الأسماك.

أطلقت حكومتنا أيضاً برنامج التوظيف الوطني هذا العام، والذي يهدف إلى تمكين المهنيين بالمعرفة والمهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل. من خلال القيام بذلك، يهدف البرنامج إلى تعزيز علاقاتٍ أكثر شمولية وتآزراً بين صاحب العمل والموظف.

لا شكّ أن عُمان شهدت سلسلة من التحديات في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، فقد تطوّر العالم الذي نعيش فيه وأجبرتنا تجاربنا على تجاوز المعايير التقليدية لتحقيق النجاح والنمو.

يجب أن تكون الإشارات المُشَجّعة، مثل الاستجابة الإيجابية الهائلة على الصكوك، وردود الفعل الواعدة من المستثمرين، بالإضافة إلى المبادرات الحكومية لتعزيز التقدم الاقتصادي، مَصدَرَ إلهامٍ لجميع العُمانيين لتقديم أفضل ما لديهم، والعمل نحو تحقيق رؤية قادتنا الحكماء.

  • محمد العارضي هو الرئيس التنفيذي لإنفستكورب ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى