حكومة عناوين

بقلم راشد فايد*

لا عَتَب على الحكومة اللبنانية الجديدة، ولا لَوم على بيانها الوزاري. فهي لجأت الى السهل المُمتنع: سرد لوعود بعضها خلّاب بلا جدوى، وبعضها الآخر يُطمئن الى ان البلد يراوح مكانه منذ 14 شباط (فبراير) 2005. وعود تدعو الى التفاؤل لولا أن اقتناعاً وطنياً طاغياً يُفيد أن الكلام في وادٍ، والحقيقة في آخر، فهل “أهلنا في الخليج” مثلاً، سيُبادرون الى دعم الوضع المالي اللبناني، فيما أغلب الشركاء الذين “ركّبوا” الحكومة، لم تنفك ألسنتهم عن التهجم، الى حد الشتم، على هؤلاء “الأهل” برغم افضالهم التاريخية العميمة، لا سيما بعد حرب تموز (يوليو) 2006؟ لكأن ما أورده البيان، في هذا الصدد، أشبه بمحاولة فرض اتاوة على دول الخليج، وبخاصة السعودية، إذا أثمر تفاؤل رئيس الحكومة الناشئة. فمنذ بدء الأزمة قبل نحو 3 أشهر ونيف، لم تبدر أي اشارة ود من شتّامي هذه الدول، ولا رغبة في الإنفكاك عن مَسارٍ إقليمي لم يجلب للبنان إلّا الدمار والعداوات العربية، والإنكفاء الدولي.

هذا الواقع يتّصل ببند في البيان “يزفّه” ماض غير مُطمئن، هو “النأي بالنفس” كنكتة سمجة نأت بخصوم “حزب الله” عن انتقاد إيران، وسمحت له بكيل أقذع الإتهامات لخصومها، فرأينا وزير الخارجية السابق، جبران باسيل، يكاد يُصفّق لاستهداف مخازن آرامكو السعودية، وتكاد دموعه تنهمر مدراراً على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، كأنه فقد بمقتله أباً رؤوماً. ولا تنسجم إعادة تدوير النأي بالنفس إلّا مع وهم مكافحة التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، ففي ذلك إقرار بأن غير الشرعية لا تزال تعمل، خلافاً لمزاعم الحكومة السابقة، فيما الشرعي منها لم يتوقف عن تمرير البضائع المُهرَّبة تحت أعين الدولة وبصرها.

يلفت قارئ البيان، أو ما تسرّب منه، أن البنود الرئيسة فيه تعتمد لحل الأزمة في المرحلة المقبلة على “الإستجداء” من “كل الجهات المانحة أو الداعمة”، والوعود كـ”العمل على إعداد مشروع قانون للإنتخابات النيابية” وكـ”خطة متكاملة ستشمل مشاريع قوانين وإجراءات مُجَدوَلة على مراحل”، وأحلام بـ” خفض النفقات العامة وإعادة هيكلة القطاع العام، واستعادة استقرار النظام المصرفي”. وتسير الحكومة في بيانها على درب تفاؤل رئيس الجمهورية ورهانه على ثروة النفط والغاز الموعودة. ولا يجب نسيان المعادلة الثلاثية الرنانة العائدة بـحلة” قشيبة.

إنه بيانٌ لكل يوم، ولأي يوم، ولا يتنسّم قارئه “أريج” رؤية استراتيجية، ليس صعباً قراءتها في أدبيات الإنتفاضة الشعبية، المستمرة. كان يكفي إطلاع لجنة صوغ البيان عليها للوقوف على ملامح رؤية استراتيجية لتلمّس المدخل الحقيقي للبنان إلى الزمن الآتي، أو كان يمكن، بكل بساطة، الإطلاع على البنود الإصلاحية التي استند إليها الرئيس المستقيل سعد الحريري، والتي استقاها من مطالب الشارع.

لا عَتَب. فباستثناء شخصيات كفؤاد شهاب ورفيق الحريري ندر أن كان في لبنان زعماء ذوو استراتيجية وطنية ورؤية مُستقبلية للوطن والدولة.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: fayed@annahar.com.Lb
  • يُنشَر هذا المقال أيضاً في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى