ثورة “حزب الله” المُضادة

على الرغم من إقدام الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله على إلقاء خطبتين خلال 8 أيام من الإنتفاضة اللبنانية على الفساد والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتردية، حيث دعا مناصريه إلى الإنسحاب وعدم المشاركة، ما زالت الساحات في كل أنحاء لبنان تعجّ بالمواطنين الشيعة أكثر من أي وقت مضى.

 

الإنتفاضة اللبنانية: هل تحقق أهدافها؟

بقلم بلال صعب*

عندما خرج أكثر من مليون شخص في لبنان إلى الشوارع في 14 شباط (فبراير) 2005 للمطالبة بانسحاب القوات السورية من البلاد، توقع عدد قليل منهم أن يحققوا هدفهم. بعد كل شيء، كانت سوريا تحكم لبنان بقبضة حديدية منذ نهاية الحرب الأهلية بين العامين 1975 و1990.

ومع ذلك فقد نجحوا، وبشكل مذهل، في إظهار شجاعة وتضامن هائلَين في مواجهة العنف والتأكيد لإخوانهم العرب أن الطغيان لن يكون بالضرورة مصيرهم.

ولكن على الرغم من أهمية “ثورة الأرز”، فقد كان هناك مجتمعٌ رئيسٌ مُفتَقَداً لم يكن مُشاركاً: الشيعة. ولما كان “حزب الله” غير مٌتحمّس وغير مؤيد بشكل كبير لانسحاب سوريا وقلقاً على مستقبله، فقد أمر قاعدة دعمه الشيعية بأن تنأى بنفسها عن الإحتجاجات. كثيرون من الشيعة في لبنان لا يكنّون أيّ حبّ لسوريا، حيث اشتبكوا مع قواتها في الماضي، لكنهم أيضاً غير مُستعدّين للمخاطرة بعلاقاتهم مع حزبيهما الرئيسيين – “حزب الله” و”حركة أمل” – خوفاً من المجهول.

يبدو أن الإنتفاضة الحالية في لبنان، والتي هي أكبر من “ثورة الأرز” وتتجذّر في المظالم الإجتماعية والإقتصادية الطويلة الأمد، قلّلت من هذا الخوف إلى حدّ كبير. وهي فريدة من نوعها لأن المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد توحّدوا في دعواتهم لتغيير سياسي أساسي. وهذه المرة، إنضم الشيعة إلى الإحتجاج.

هذه ليست نتيجة جيدة ل”حزب الله”. لا شيء يستطيع هزّ ثقة المجموعة الشيعية، بل ويُهدّد وجودها، أكثر من الخلاف والإنقسام داخل المجتمع الشيعي – ولا حتى إسرائيل، عدوتها الأولى. في الواقع، سوف يصل “حزب الله” إلى الحدّ الذي سيأخذه ويحمله إليه الشيعة اللبنانيون. خلال الإنتخابات الوطنية التي جرت في العام 2018 في لبنان، عبّر العديد من الشيعة في البقاع وبعلبك، وهما من المناطق التي تُعتبَر معاقل ل”حزب الله”، عن استيائهم من المجموعة بسبب تناقص قدرتها على تزويدهم بالسلع والخدمات الأساسية بسبب حربها المُكلِفة في سوريا.

لكن حتى لو كان إحباط بعض الشيعة اللبنانيين من “حزب الله” حقيقياً، فقد حذّرتُ باستمرار من تحريفه أو تفسيره بطريقة خاطئة. لقد رأيتُ أنه لم يكن هناك قط أي صدع جاد في الرابطة الخاصة بين المنظمة الشيعية وبين غالبية مؤيديها، كما يتّضح من حقيقة الفوز الساحق ل”حزب الله” في الإنتخابات البرلمانية. مع ذلك، فقد قلتُ أنه في حالة استمرار تدهور الظروف المعيشية وإهمالها من قبل الحزب، فإن التوترات ضده ستتصاعد مرة أخرى.

وهذا هو بالضبط ما يحدث الآن.

لا يزال مدى عدم الرضا الشيعي اللبناني غير واضح ، لكن جغرافيته و جرأته ليستا كذلك. هذه المرة لا يقتصر الأمر على البقاع وبعلبك. أهالي صور، النبطية، صيدا، وحتى أجزاء من الضاحية الجنوبية لبيروت – وهي منطقة لا يتوقع المرء فيها أي أي نشاط شيعي ضد “حزب الله” و”أمل” – مزّقوا صور زعيم “أمل” ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وأدانوا الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله. لم يحدث هذا من قبل.

من جهته عبّر نصر الله عن تعاطفه مع مطالب المُحتجّين، لكنه رسم خطاً واضحاً في الرمال حول بقاء الحكومة. نعم بالنسبة إلى الإصلاحات، كما قال، ولكن كلا نهائية بالنسبة إلى حدوث نظام سياسي جديد. لقد عمل بجدّ وبذل جهداً كبيراً من أجل إنشاء واستمرار النظام الحالي منذ خروج سوريا في العام 2005. وهدّد نصر الله بإرسال مؤيديه إلى الشوارع لقمع الإنتفاضة. ومع ذلك، فإن المتظاهرين في البلاد، بمَن فيهم الشيعة، لم يتزحزحوا وزاد عددهم بشكل كبير، وفقاً لشهود عيان، بعد وقت قصير من خطاب نصر الله المتصلّب.

على سبيل المثال، إقتحم المئات من مؤيدي “حزب الله” و”حركة أمل” وسط بيروت في 21 تشرين الأول (أكتوبر) ]وفي 25 تشرين الأول (أكتوبر)[ لتخويف المتظاهرين. لكن الجيش اللبناني كان لهم بالمرصاد ومنعهم من تحقيق غايتهم، وهو فعلٌ سيُذكر بأنه موقف جريء لا يُنسى في هذه اللحظة التاريخية في تاريخ لبنان.

الآن، يجد “حزب الله” نفسه في مأزق، على عكس ما كان الوضع طوال أربعة عقود تقريباً من وجوده. لا يُمكن للمجموعة الشيعية تحمّل المواجهة مع مجتمعها، وربما لا حتى الإنقسام مع أجزاء منه. لكنها تُعارض بشدة أيضاً إنهيار الحكومة، التي تُعدّ مهندستها وصانعتها الرئيسة. هناك مخرج من هذه الأزمة ل”حزب الله” (ولبنان بشكل عام): إنتعاش إقتصادي يُرضي جميع اللبنانيين. لكن هذا حلمٌ صعب المنال، لأن الزمرة الفاسدة في السلطة، التي يدعمها “حزب الله”، أثبتت لعقود أنها غير قادرة على إدارة الإقتصاد.

لا شيء من هذا يعني أن نهاية “حزب الله” باتت قريبة. لا يزال لدى الحزب أنصاره المُتشدّدون، وتحالفه القوي مع إيران، وأسلحة أكثر من الجيش اللبناني. لكن الوضع يشير إلى أن “حزب الله” صار معزولاً بشكل متزايد وغير آمن. والأهم من ذلك ، أنه لم يعد في سلام مع دائرته الشيعية الحاضنة ولم تعد لديه السيطرة التامة عليها.

كيف سيتعامل “حزب الله” مع هذا الوضع يبدو غير واضح، لأنه يجد نفسه هذه المرة في أرض مجهولة. يُمكن أن يتقبّل ويقبل خسائره والمضي قدماً من دون رادع، وربما يُضاعف من استخدام العنف للحفاظ على الوضع الراهن. أو يُمكن أن يُعيد تقييم خططه خوفاً من تكرار السيناريو العراقي المُخيف حيث تُهدّد معركة داخلية بين الشيعة – بين أولئك الذين يدعمون والذين يعارضون عراقاً تُهيمن عليه إيران – بالتحوّل إلى حربٍ أهلية أخرى.

  • بلال صعب باحث وخبير في شؤون الشرق الأوسط وزميل كبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى