تونس أمام المجهول؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

قالوا تسونامي … وقالوا زلزال … وقالوا انفجار بركان …

كان ذلك هو رد الفعل الحيني عندما ظهرت أول مخرجات إستطلاعات مغادرة 38 ألفاً من الناخبين فوراً للخلوة بعد أداء الواجب والحق الإنتخابي في تونس.

للحقيقة لم تكن المفاجأة عامة، فمنذ أشهر كان الثنائي قيس سعيد ونبيل القروي يتصدران المشهد، ومن هنا جاءت محاولة سن قانون انتخابي جديد يسعى على الاقل إلى إقصاء نبيل القروي و”عيش تونسي” من السباق لدرء مخاطر مفاجآت أكثر من مُحتَمَلة، مرّ مشروع القانون أمام المجلس النيابي فصادق عليه بـ”الفورسابس ” أو باستعمال الكلاليب، وبإصرار من حركة “النهضة” ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

وإذ شكّك الكثيرون في مدى دستورية القانون المُصادَق عليه، فقد جاءت المفاجأة بموافقة الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين، على هذا القانون الذي اتفقت كلمة غالبية أخصائيي القانون الدستوري على عدم دستوريته، غير أن تحالفاً مُفاجئاً بين نجل الرئيس آنذاك الباجي قائد السبسي، والمتضرر الأول من هذا القانون، حافظ السبسي دفعه (ويُقال بمشاركة أمه) إلى إقناع الرئيس السابق  الذي لم يكن في كامل قوته سواء بسبب المرض المُتمكّن منه وتقدّمه في السن، بعدم الموافقة على القانون وعدم توقيعه بالصورة التي أنقذت أبا خليل (نبيل القروي) و”عيش تونسي”، ووضعتهما من جديد على قاعدة إطلاق الصواريخ الإنتخابية.

منذ ذلك الوقت بات مؤكّداً عند الكثيرين أنه لا مندوحة من رؤية قيس سعيد، البالون المنفوخ للأقصى (بشكل غير مفهوم عند الكثيرين)، ونبــــــيل القروي “فاعل الخير” في صدارة ترتيب المُرشّحين للمنصب الرئاسي، ولم تنفع الشعبية المفاجئة للمرشح عبد الكريم الزبيدي الذي خرج من القمقم في آخر لحظة، ولا القاعدة الصلبة التي كانت لحركة “النهضة” تعتقد أنها  تجلس عليها ولن يزحزحها عنها أحد ، في تغيير المعادلة.

وحتى آخر لحظة ورغم صدور دفعة جديدة من استطلاعات الرأي، تُفيد بتقدم قيس سعيد والسجين بدون وجه حق نبيل القروي، بقيت الآمال معلقة لدى “النهضة” من جهة وأنصار عبدالكريم الزبيدي من جهة أخرى في تغيير المعادلة.

لكن جاءت النتائج على غير توقعات أغلبية الناس، فحصلت صدمة في البلاد، واعتبر البعض أن تصدر قيس ونبيل ومرورهما إلى الدور الثاني بمثابة الكارثة والتسونامي والزلزال وانفجار بركان لا يبقي ولا يذر.

وكان سبب رد الفعل هذا، هو شعور غالب، حتى بين بعض الذين صوّتوا لهذا أو ذاك، بأن البلاد تدخل في منطق جديد ربما يقود إلى مغامرة. ولم يغب عن الكثيرين صدمة خريف 2011 عندما صعدت “النهضة” إلى الحكم، وكانت النتيجة كارثية على اقتصاد البلاد وتوازناتها، حيث بقيت آثارها بارزة بعد 6 أو سبع سنوات، بخاصة بعد إفلاس الحكم الإئتلافي لـ”نداء تونس” و”النهضة” خلال السنوات الخمس الماضية، وانهيار الوضع الإقتصادي والمعيشي للناس.

ليس هناك أي برنامج مقبول بمصداقية معقولة للمترشّحين للدور الثاني، لا لقيس سعيد ولا لنبيل القروي، يُمكن للمرء أن يَطمئنّ  إليه، كما لم يُعرَف مَن سيتولى معاضدة هذا أو ذاك من رجال إقتصاد وإجتماع،  لهم باع  وتصوّر قابل للبلوَرة والتحوّل إلى الإنجاز.

ومن هنا جاء التخوّف مما إذا كانت البلاد ستدخل إلى المجهول، وما إذا كانت ثقة المموّلين، والمستثمرين على قلّتهم، ستتواصل دعماً للمسار الديموقراطي المتفرّد في العالم العربي. وهل ستكون هناك رؤيا واضحة أم لا، وإن كانت البلاد قد فقدت كل رؤيا واضحة منذ 2012، وباتت تتلمس طريقها في ظلام، فالأمر سيكون أخطر بعد النتائج التي باتت مُعلنة رسمياً.

لكن ذلك هو الواقع اليوم، لقد اختار الناخبون أي الشعب طريقه عندما اختار للدور الثاني رجلين بلا تجربة حكم سابقة، ولا حتى تجربة إدارية بمعرفة دواليب الدولة.

للمشككين في شرعية ومشروعية نتيجة الإنتخابات بسبب ضعف نسبة المشاركة، لا بد من القول، إن ال45 في المئة الذين تجشّموا مشقّة الإنتقال للتصويت يوم الأحد الماضي، هم الذين يهمهم مستقبل البلاد أكثر من الذين آثروا التقاعس والبقاء في بيوتهم. ثم ما أدراك ولو كانت نسبة المشاركة 60 أو حتى 80 في المئة أن تتغيرالمعادلة، وألّا يكون قيس سعيد ونبيل القروي في الطليعة.

ذلك هو واقع اليوم الذي لا مهرب منه، والديموقراطي، أو مَن يدّعي أنه ديموقراطي، لا مندوحة له إلّا بأن يعترف بنتائج ما أفرزه صندوق الإقتراع، وأن يتعامل معها كحقيقة واقعة، وأن يمر للسؤال المشروع الآخر: من سيكون رئيس الجمهورية من بين الاثنين المعروضين على الناخبين في الفترة المقبلة، أيكون قيس سعيد أو نبيل القروي؟ سؤال آخر حارق: هل ستكون لنتائج الدورة الأولى من الإنتخابات الرئاسية تأثيرات في الإنتخابات التشريعية المُقررة في يوم 6 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل؟

سؤالان حارقان سنحاول الاجابة عنهما في مقالات لاحقة.

  • عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مخضرم. كان رئيساً للتحرير في صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لصحف ومجلات عربية عدة. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى