ماذا يعني فتح سفارة عُمان الجديدة في فلسطين؟

أعلنت وزارة الخارجية العُمانية، في 26 حزيران (يونيو) الفائت، فتح بعثة ديبلوماسية جديدة في فلسطين على مستوى سفارة. ‏وجاء في بيان لوزارة الخارجية العُمانية على موقعها على الإنترنت: “إستمراراً لنهج السلطنة الداعم للشعب الفلسطيني الشقيق، فقد قررت فتح بعثة ديبلوماسية جديدة لها لدى دولة فلسطين على مستوى سفارة، وسيتوجه وفد من وزارة الخارجية إلى رام الله لمباشرة إجراءات فتح السفارة”. وهكذا تكون عُمان أول دولة خليجية تفتح سفارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكن ماذا يعني ذلك؟

 

مؤتمر البحرين: شجع مسقط على فتح سفارة لدعم الحقوق الفلسطينية

بقلم كريستيان كوتس أولريخسن وجورجيو كافييرو*

حضر ممثلون عن غالبية دول مجلس التعاون الخليجي – وليس كلها – ومصر والأردن وكبار أعضاء إدارة ترامب، بالإضافة إلى حفنة من رجال الأعمال الأميركيين والفلسطينيين والإسرائيليين، ورشة العمل الإقتصادية “السلام من أجل الإزدهار” التي أُقيمت في المنامة في أواخر حزيران (يونيو) الفائت. في اليوم الثاني من المؤتمر، أعلنت عُمان عن خطط لافتتاح سفارة لها في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل “إستمراراً لنهج السلطنة الداعم للشعب الفلسطيني الشقيق”. منظمة التحرير الفلسطينية، التي رأت ورشة العمل البحرينية كجهد تدعمه الولايات المتحدة “لتصفية” النضال الفلسطيني ومن ثم قاطعته، رحّبت بسرعة بإعلان مسقط. ويبدو أن عُمان تحاول بشكل مميز أن تلعب أوراقها الديبلوماسية بطريقة فريدة في محاولة لعكس اتجاه التصعيد الأخير للتوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع إظهار إستقلالها والتزامها بالمضي قُدُماً في الحوار والحلول الوسط بين الأطراف الإقليمية.

جاء هذا الخبر بعد ثمانية أشهر من قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة إلى العاصمة العُمانية لإجراء محادثات مفاجئة مع السلطان قابوس في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، وبعد أربعة أشهر من لقاء الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبد الله مع نتنياهو في بولندا خلال قمة إدارة ترامب “السلام والأمن في الشرق الأوسط”. بعد اجتماع وارسو، قال نتنياهو: “إن القرار الشجاع للسلطان قابوس بدعوتي إلى عُمان يُغيّر العالم. فهو يُمهّد الطريق لكثير من الآخرين للقيام بما يقولونه – لا أن يكونوا عالقين في الماضي ولكن يغتنمون الفرصة للمستقبل”.

الواقع أن هاتين الخطوتين تشيران إلى استعداد عُمان للإنضمام إلى معظم دول الخليج العربي الأخرى في التحرك نحو شكل من العلاقات الطبيعية مع إسرائيل. ومع ذلك، من خلال أن تُصبح أول دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي تفتتح سفارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن عُمان قد أشارت أيضاً إلى أن تصميمها على إقامة علاقات أكثر دفئاً مع إسرائيل لن يأتي على حساب دعمها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذي سيادة، تمشياً مع الإجماع العربي والدولي حول هذه القضية. على مدى عقود، كانت إدارة السياسة الإقليمية العُمانية تُمارَس بدقة متناهية للمحافظة على الموازنة العملية للعلاقات السياسية، ومثل هذا النهج هو أكثر أهمية في ضوء التقلب وعدم اليقين اللذين يُخيّمان على السياسة الإقليمية اليوم.

في الواقع، أثناء حديثه في المنامة في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، أعلن بن علوي أنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات العُمانية – الإسرائيلية ما لم تُصبح للفلسطينيين دولة ذات سيادة. وعلى حد تعبيره: “إسرائيل دولة موجودة في المنطقة، ونحن جميعاً نُدرك هذا … العالم أيضاً يدرك هذه الحقيقة. ربما حان الوقت لكي تُعامَل إسرائيل بالمعاملة نفسها (مثل الدول الأخرى) وأن تتحمّل أيضاً الإلتزامات نفسها”. كما صرح بن علوي أيضاً: “نحن لا نقول إن الطريق أصبح سهلاً ومُعبَّداً بالورود، لكن أولويتنا هي في وضع حدّ للصراع والإنتقال إلى عالم جديد”.

من الصعب قراءة إعلان سفارة عُمان وتوقيته على أنه غير مُتّصل بورشة البحرين. إن ما يُسمى بـ”صفقة القرن”، التي سُرّب بعض تفاصيلها ولم يُعلن عنها المستشار الكبير للبيت الأبيض جاريد كوشنر ومبعوث أميركا للشرق الأوسط جيسون غرينبلات رسمياً، لديها القليل من الإمكانات لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين نحو أي تسوية سياسية دائمة وعادلة. وبالتالي، تسعى مسقط إلى العمل كحاجز للتوترات بين الحكومة الإسرائيلية والفلسطينيين، تمشّياً مع دورها التقليدي كجسر ديبلوماسي ومُيسِّرة للحوار في الشرق الأوسط. ومع إنتشار النظرة وبشكل متزايد بأن دول مجلس التعاون الخليجي قد “باعت” الفلسطينيين (تصوّرٌ غير جديد)، فإن وجود طرف “محايد” مثل عُمان يوفر قناة للديبلوماسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن تساعد على تهدئة التوترات الإقليمية.

لكن مصدر القلق الرئيس الآن هو أن تُقدم إدارة ترامب على الإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية برمتها، لا سيما مع إرتفاع حدة السباق الرئاسي الأميركي، مما قد يؤدي إلى عنف أكبر، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن أيضاً في أماكن أخرى في المنطقة. وقد سلّط “التخريب” الذي تعرّضت له سفارة البحرين في العراق، بعد يوم واحد على ورشة المنامة، الضوء على أن التصوّرات الشعبية لخيانة دول مجلس التعاون الخليجي للفلسطينيين أو الخضوع للضغوط الأميركية يُمكن أن تجعل حكوماتها أهدافاً لرد فعل عنيف من جانب سكانها. وفيما نقضت وانفصلت إدارة ترامب عن أسلافها من الإدارات الأميركية المتعاقبة برفض حل الدولتين كأساس لحل النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، يحتاج شركاء واشنطن العرب إلى موازنة الرأي العام في بلدانهم مع مصالحهم الآنية مع البيت الأبيض.

بإعلانها عن خطط لفتح سفارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تُظهر عُمان إعتقادها المستمر بأن الدولة الفلسطينية ضرورية لحل النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي. وهذا يتعارض مع خطة كوشنر، التي من شأنها أن تُعزّز الإحتلال الإسرائيلي – إذا كانت التقارير دقيقة. مع إعلان مسقط عن خطط لسفارة في الضفة الغربية، من الممكن أن يتبع بعض الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، على الأرجح الكويت أو البحرين أو الإمارات العربية المتحدة، خطى السلطنة ويتّخذ خطوة مماثلة.

في الوقت عينه، بقبول نتنياهو كضيفٍ قبل أي دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، كانت عُمان متقدمة على المنحنى بين دول الخليج العربي في التحرك نحو إقامة علاقة سياسية مع إسرائيل. إن إعادة المشاركة الرفيعة المستوى هذه ليست بالأمر الجديد بالنسبة إلى السياسة الخارجية العُمانية: فقد استضافت السلطنة أول زيارات قام بها أي زعيم إسرائيلي إلى دول مجلس التعاون الخليجي عندما زار رئيسا الوزراء إسحق رابين وشيمون بيريز البلاد في كانون الأول (ديسمبر) 1994 ونيسان (إبريل) 1996 على التوالي. بدلاً من ذلك، تتجذّر في عُمان رغبة طويلة الأمد في تسهيل الحوار من أجل معالجة – والأمل في حل – النقاط الساخنة سياسياً في الجوار القريب والأوسع المُتقلّب للسلطنة.

  • كريستيان كوتس أولريخسن هو زميل متخصص في الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس. وجهات النظر الواردة في هذا المقال تمثله.
  • جورجيو كافييرو هو المدير التنفيذي ومؤسس شركة “Gulf State Analytics، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر الجيوسياسية ومقرها واشنطن. وجهات النظر الواردة في هذا المقال تمثله.
  • كُتِب المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى