أزمةُ العقاراتِ في الصين تُهدِّدُ بالتمَدُّدِ إلى الاقتصادِ الأوسع

لا تزال الصين تعاني تحت وطأة انهيار سوق العقارات، مما يثير ناقوس الخطر بشأن تأثير الدومينو المحتمل على الاقتصاد الأوسع.

مجموعة إيفؤغراند: تعثّرها هزّ الاقتصاد الصيني.

عبد السلام فريد*

من المتوقع أن يُعاني قطاعُ البناء الصيني من المزيد من النكسات في الأشهر المقبلة، حيث يكافح المطوَّرون المُحاصَرون للصمود والبقاء على قدميهم وسط تراجع الطلب على العقارات الجديدة وتراجع الاستثمارات العقارية. ويُحذّر المحلّلون من أن الانهيار المُحتَمَل قد تكون له تداعيات على القطاع المالي الأوسع.

سوق العقارات في الصين هي الأكبر في العالم من حيث القيمة الإجمالية. ووفقًا لدراسةٍ أجرتها شركة الأبحاث “سافيلز”، تبلغ قيمة العقارات في الصين 42.7 تريليون دولار أو 21% من الإجمالي العالمي. ومع ذلك، من المتوقع أن يعاني هذا القطاع خلال السنوات القليلة المقبلة بسبب تقلّصِ الطلب.

يقول إدوارد تشان، مدير وكالة التصنيف الإئتماني “ستادرد أند بورز غلوبال”، إنه يتوقع أن تنخفض مبيعات العقارات على الصعيد الوطني في الصين بشكلٍ كبير مُقارنةً بمستواها في العام 2021 البالغ 18 تريليون رنمينبي (2.5 تريليوني دولار). “نعتقد أنه في العام 2023، ستنخفض مبيعات العقارات من 13 تريليون رنمينبي إلى 12 تريليون رنمينبي. لكن فرصة انخفاض مبيعات العقارات تتزايد بشكلٍ أكبر”.

في آب (أغسطس)، قدمت مجموعة “إيفرغراند” (Evergrande Group)، أكبر شركة تطوير عقاري في الصين -والأكثر مديونية في العالم- طلبا للإفلاس بموجب الفصل 15 من قانون الإفلاس الأميركي. هذه الخطوة، التي جاءت في أعقاب تخلف الشركة عن سداد ديونها في العام 2021، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 300 مليار دولار، هزّت قطاع البناء العقاري وسلسلة التوريد في الصين والمنطقة.

على الرُغمِ من أنَّ “إيفرغرااند” كانت تعمل على اتفاقيات خارجية مع الدائنين كجُزء من عملية إعادة هيكلة ديونها، فقد سجّلت الشركة خسائر قدرها 81 مليار دولار خلال العامين 2022 و2021، ما أثار الإستغراب بشأن فعالية استراتيجية أعمالها.

في ملفِّ إيداعٍ تم نشره في 18 آب (أغسطس)، طمأنت “إيفرغراند” دائنيها بأنها تُخطّط للمضي قدمًا في خطة إعادة الهيكلة. وجاء في البيان: “الطلب هو إجراء عادي لإعادة هيكلة الديون الخارجية ولا يتضمّن إلتماسًا للإفلاس”.

“إيفرغراند” هي واحدة من أكبر 500 شركة في العالم، توظّف أكثر من 200,000 شخص ويقع مقرها الرئيسي في مدينة قوانغتشو الساحلية الجنوبية، وهي واحدة من أربع مدن صينية من الدرجة الأولى إلى جانب بكين وشنغهاي وشنتشن. وفي العام 2020، بلغ إجمالي قيمة أصول الشركة ما يقدر بنحو 342 مليار دولار.

وفي تموز (يوليو)، خفضت الصين العديد من أسعار الفائدة الرئيسة وألغت سعر الإقراض القياسي في محاولة لإنقاذ الشركات المتعثّرة وتعزيز الطلب على الائتمان.

وخفّضت الحكومة أسعارَ الفائدة الأساسية على القروض لمدة عام واحد إلى 3.45%، أي بانخفاض قدره 10 نقاط أساس عن سعر الفائدة الأصلي البالغ 3.55%. ومع ذلك، فإنَّ الانخفاضَ الأخير في قيمة اليوان، والذي انخفض بنسبة 6٪ مقابل الدولار حتى الآن في العام 2023، يعني أن البنك المركزي الصيني لديه مجال أقل لخفض أسعار الفائدة وتعزيز توافر الائتمان.

وتقول فيفيان شيويه، مديرة المؤسسات المالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إن خفض أسعار الفائدة على القروض الأساسية من شأنه أن يساعد على خفض تكاليف الاقتراض، ولكن “التعافي المادي والمستدام في الطلب على قروض التجزئة سيكون أقل احتمالًا إلى أن تتحسّن ثقة مشتري المساكن بشكلٍ ملموس”.

هل تقود الطريق إلى القعر؟

وعلى خطى “إيفرغراند” المُرتعشة، تخلّفَ عددٌ كبير من المطوّرين الصينيين الآخرين عن سداد مبيعاتهم. واحدة من أحدث هذه الشركات هي شركة “كانتري غاردن” (كوغارد)، أكبر مطوّر عقاري في البلاد من حيث الأصول، والتي سددت هذا الأسبوع مدفوعاتٍ على سندات مقوَّمة بالدولار بعد تجاوز الموعد النهائي في أوائل آب (أغسطس).

إن دفعَ شركة كوغارد لفوائدها البالغة 22.5 مليون دولار على تلك السندات، بقيمة مستحقة تبلغ مليار دولار، يعني أنها تجنّبت التخلف عن السداد بأعجوبة. ومع ذلك، فإن دفع الشركة في الساعة الحادية عشرة لم يُطمئن المتداولين إلى أن سوق العقارات المُحاصَرة في الصين ستشهد اهتمامًا متجدّدًا من المشترين وزيادة في السيولة في أيِّ وقتٍ قريب.

يقول تشان: “بينما دخلت شركة “كوغارد” في محنة، فإننا نقوم بتقييم مدى تأثير ذلك في قطاع العقارات. ليس فقط بالنسبة إلى المطورين، ولكن أيضًا (في ما يتعلق) بعواقب التدهور المطوَّل في قطاع العقارات بالنسبة إلى المورّدين والشركات الأخرى إلى جانب سلسلة القيمة”.

يشيرُ تقريرٌ حديث صادرٌ عن وكالة “ستاندرد أند بورز” إلى الموقف الضعيف الذي يجد مقاولو ومورّدو البناء الصغار أنفسهم فيه، بسبب اعتمادهم على عملاء مثل “كوغارد”. وفي أعقاب التطوّرات الأخيرة، وضعت هذه الشركات قواعد جديدة تهدف إلى حماية نفسها عند إدخال الفواتير التجارية، والتي تشمل طلب دفعات نقدية مُقَدَّمًا.

ومع ذلك، كان للمطوِّرين الفاشلين تأثيرٌ في قطاعاتٍ متعددة من سوق العقارات. غالبًا ما تُحرَمُ شركات البناء والعقارات والتصميم الداخلي من الدفع مقابل عملها. لقد أدى انفجار الفقاعة العقارية وتباطؤ الاقتصاد إلى ترك الشركات الصينية بمختلف أحجامها في انتظار الرواتب، التي طال انتظارها الآن.

تقول أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس” (Natixis)، إن مدفوعات “كوغارد” في اللحظة الأخيرة على قسائمها تظهر أن رفع القيود التنظيمية التي تم إدخالها للحد من الرفع المالي من قبل مطوري العقارات “ليس كافيًا لتغيير الاتجاه وجعل الناس يرغبون في شراء العقارات بينما تستمر الأسعار في تحقيق نموٍ سلبي”. ويبقى السؤال حول كيفية إحياء القطاع وسط وفرة من العوامل الخارجية، بما في ذلك انخفاض عدد سكان الصين وتباطؤ الاقتصاد الوطني.

رابط إلى مصارف الظل

تقول غارسيا هيريرو: “لم يكن من الممكن أن ينمو قطاع العقارات الصيني بشكل كبير بدون نظام الظل المصرفي”. وبالعودة إلى العامين 2009 و2010، دفعت الصين نموها من خلال التحفيز المالي الذي ركز على البنية التحتية والعقارات. يضع الإطار قيودًا على قدرة البنوك على إقراض المطوّرين، الذين اعتمدوا بدلًا من ذلك على كيانات أخرى، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والصناديق الاستئمانية وشركات التأمين.

تقول غارسيا هيريرو: “بسبب القيود المُبكرة على القروض العقارية من البنوك، فإن القطاع ليس مُنكَشفًا على الموازنات العمومية للمطوّرين لأنَّ حصة قروضه لهذه الشركات ضئيلة للغاية”. وتقول: “من ناحية أخرى، فإن التعرض خارج الموازنة العمومية للمؤسسات المالية الأخرى أكبر بكثير”.

في آب (أغسطس)، أعلنت مجموعة “Zhongzhi Enterprise Group”، وهي لاعب رئيس في مجال إدارة الأصول الصينية، أنها ستدخل في خطة لإعادة هيكلة الديون لتصحيح أقساط السداد المفقودة. ويعمل صندوق المجموعة، مثل كثيرين آخرين في البلاد، خارج الإطار الذي يحكم البنوك التجارية ويموّل عملياتها من خلال منتجات إدارة الثروات، من بين أدوات أخرى، والتي يشيع استخدامها في قطاع الظل المصرفي الصيني.

إن التعرّضَ العقاري الواسع النطاق للصندوق، والذي يمثل أكثر من 80 مليار دولار من الأصول الخاضعة للإدارة، قد أثار أعلامًا حمراء ليس فقط بشأن تأثير الأزمة في قطاع العقارات، ولكن أيضًا في المجال المصرفي والمالي الأوسع.

تقول إيلين شو، مديرة المؤسسات المالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني: “على الرغم من أن المخاطر من المرجح أن تكون أكبر بالنسبة إلى المقرضين الصغار الذين يتركزون بشكل أعلى في المستوى 3 والمدن الصغيرة، إذا تفاقمت الضغوط العقارية وامتدت إلى قطاعات أخرى، فسوف يؤدي ذلك إلى تكثيف ضغوط الإيرادات والهامش في البنوك الصينية”.

ومع ذلك، يعتقد المحللون أن استمرار دعم السياسات لتعزيز استكمال المساكن وزيادة تخفيف القيود على شراء المنازل سيساعد على تخفيف مخاطر جودة الأصول بالنسبة إلى البنوك. وتقول شو: “لا تزال البنوك انتقائية في منح قروض جديدة للمطورين، وقد انخفض تعرضها المباشر للمطوّرين بالفعل إلى نحو 5 في المئة”.

البنوك ستدفع الفاتورة

أظهرت توقعات لبنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، أن المصارف الصينية قد تتحمل العبء الأكبر من تداعيات اضطراب قطاع العقارات بعد تراجع مبيعات المنازل وتزايد حالات التخلف عن سداد الديون.

“القطاع المصرفي الصيني يستحوذ على 75 في المئة من الديون المستحقة على مطوري العقارات بقيمة إجمالية بلغت 19.3 تريليون يوان (2.65 تريليوني دولار) في نهاية حزيران (يونيو) من العام الماضي”، بحسب غولدمان ساكس.

وفي المقابل، استحوذت شركات الائتمان وشركات التأمين على 16 في المئة و6 في المئة على التوالي، فيما ساهم الوسطاء والمستثمرون الآخرون في سد باقي الفجوة.

وباعتبار البنوك الصينية، أكبر ممولي شركات التطويل العقاري، فقد توقع البنك الأميركي، أن تؤدي الضائقة في سوق العقارات في الصين إلى خسائر ائتمانية بقيمة 1.9 تريليون يوان (261 مليار دولار)، استنادًا إلى معدل خسارة بنسبة 10 في المئة مستمدة من الاضطرابات الأخيرة في سوق السندات.

وتوقع البنك الأميركي أن تتحمل البنوك نحو 1.2 تريليون يوان أو 61% من الخسائر، بينما ستتكبد شركات الائتمان 28  في المئة منها، على أن تتكفل شركات التأمين بنحو 5 في المئة من الخسائر.

  • عبد السلام فريد هو مراسل “أسواق العرب” في بكين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى