مصيرُ الشعوبِ بينَ العناقِ والخناق

هنري زغيب*

إِذا كانت لي في الإِقليم الثقافي معلوماتٌ واسعة، فلي مجهولاتٌ واسعة في القطاع السياسي لا تُتيحُ لي قراءَةَ الخلفياتِ الـمُثيرةِ الـمُسبِّباتِ والنتائجَ بين الضحيَّة والجلَّاد في الحرب المدمِّرة بين روسيا وأُوكرانيا.

سوى أَن متابعاتي الهامشيةَ بدأَتْ تُشير إِلى إِمكان لقاءٍ محتمَلٍ، قريبًا أَو بعيدًا، بين رئيسَي البلَدين الجارَين، وهو أَمرٌ غيرُ مستبْعَدٍ عادةً بين خصمَين أَو عدُوَّين أَو متحاربَين.

من هذا اللقاء، أَيَّان أَو أَنَّى تَـمَّ، تستوقفُني أُوكرانيًّا مشاهدُ المهَجَّرين والمهاجرين وجُثَثِ الضحايا والمجازر بشَرًا وحجَرًا، وتستوقفُني روسيًّا أَخبارُ إِلغاء احتفالات ثقافية ورياضية يقيمُها أَو يشاركُ فيها أَعلامٌ روس عدا استقالاتٍ وهجراتٍ يقوم بها طوعًا فنانون روس مناهضونَ سياسةَ رئيسِهم التوتاليتارية، ولا مجال لتعدادها وتعدادِهم فأَخبارُهم تتوالى في الإِعلام، مقروئِه والمرئيِّ ومنصاتٍ إِلكترونية.

لِـمَ تستوقفني هذه الـمشاهد؟ لأَن هذا اللقاءَ بين الرئيسَين، أَيَّانَ أَو أَنَّى سيَتِمّ، سينتهي بمصالحةٍ، بمصافحةٍ، بمساومةٍ، بمعاهدةٍ، باتفاقٍ، بتوقيعٍ،… ويعودُ الأَمرُ طبيعيًّا، أَو شبْهَ طبيعيٍّ، بين البلدَين الجارَين، ويكون الضحايا سقَطوا بلا ثمن، والمهاجِرون والمهجَّرون والمنفيُّون، قسْرًا أَو طوعًا، سقطوا في عبَثية النفْي والهجرة والتهجير، لأَنَّ أُولي البُنْية السياسية الفوقية قرَّروا الاتفاق، ومَحَوا بلحظةِ مصافحةٍ بُنْيَةً بشَرية تحتية تكسَّرَتْ تهشَّمَتْ تفتَّتَتْ فلا رُجعى لِما كانت عليه، وتكون الأُمور عادَت إِلى طبيعتها على جماجم الموتى وأَطلال الخراب ومآسي الضحايا الأَحياء.

ما أَقولُه عن الحرب روسيًّا وأُوكرانيًّا، يقال تلقائيًّا عن كل حرب تنهَش شعبها ثم تجلِس مع ديوك الحرب إِلى طاولة المفاوضات.

وما أَقولُه عن الحرب في مقياس مُكَبَّر، أَقولُه في مقياسٍ أَصغرَ كثيرًا عن الانتخابات التي يَضُجُّ بها لبنان هذه الأَيام ويتهيَّأُ لها بعد حفنة أَسابيع، وأَرى في أَجوائها ناسًا متخاصمين (لأَن مرشَّحيهم متخاصمُون)، وآخرين متآلفين (لأَن مرشَّحيهم متحالفُون). ولعلَّ هؤُلاء الناس، في حمأَة اصطفافاتهم خلْف زعمائهم، يتناسَون أَن حلفاءَ اليوم قد يَغدُون أَخصامًا بعد 15 أَيار، وأَخصامَ اليوم قد يَغدُون حلفاء حين تضمُّهم جميعًا قبَّةُ الپرلمان، ويجيْءُ وقتُ التحالفات والكُتَل النيابية والتكتُّلات و”الاكـتـتـالات”، فيتعانقُون داخل المجلس على حساب مَن تَخاصمُوا خارجَ المجلس بسببهم، ويُضطرُّ المتخانقون أَن يتعانقوا على صورة زعمائهم الحرباويين.

وبين العناق والخناق سيذهب الناخبون في 15 أَيار فئَتين: أَغنامًا مسيَّرين صاغرين يجرُّهم زعماؤُهم، وأَحرارًا ذوي كرامةٍ لا ينساقون ولا يستزلِمون.

وهكذا يتقرَّر مصير لبنان الطالع من صناديق الاقتراع: بين عميان الأَغنام الببَّغاويين، وقرار الأَحرار أَبناء الكرامة.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى