عندما قال المسؤول الكبير “ما كُلّهم بيِكذبوا”؟

عرفان نظام الدين*

يبدو أنَّ حَبلَ الكذب ما زال يَطبُقُ على رِقابِ العِبادِ ويُثير شكاوى الناس من تزايد آفته وآلامه هذه الايام فأصبح حبلًا كبيرًا وطويلًا جداً بعد تفشّيه في مجتمعاتنا وحياتنا العامة والخاصة.
فقد فتحتُ شهيّة القراء والقارئات الأعزاء كردّة فعلٍ على ما كتبته في مقالٍ سابق عن الكذب، وتواصلوا معي لبثّ شكاواهم عن الجراح التي أنتجها الكذابون والتي ولّدت لهم عذابات مختلفة والتسبّب بمشكلة انعدام الثقة.
وكنتُ أشرتُ إلى أشكال الكذب وأنواعه في السياسة والفن والأدب عبر العالم كله، وأن إسرائيل هي أكبر كذبة في تاريخنا الحديث، وانطلت علينا قبل غيرنا. وأعود اليوم لاستكمال الوصف بناءً على طلبات الأصدقاء والصديقات على أن أعود في مقالٍ آخر للتحدث عن كذب النساء وفنون الكذب وتاريخه في التراث.
وحتى نكون مُنصفين فإننا يجب أن نعترف بأن الكذبَ ليس محصورًا بالصهاينة وبإسرائيل والقادة الأميركيين فقط، فنحن لم نُقصّر يومًا في هذا المجال… وتعالوا نتحدث بصراحة، فحياتُنا كلّها كذب في كذب. الكبيرُ يكذب على الصغير، والمراة على الرجل، والعكس بالعكس، والمسؤولون يكذبون على المواطنين ويُخدّرونهم بالوعود الكاذبة، والمواطن يكذب على المسؤولين والسلطة ويفهمها بأنه موالٍ لها، وما أن تحين الفرصة حتى يقلب الصورة ويهتف للواقف … والمدير يضحك على الموظّفين ويكذب عليهم يوميًا، والموظّفون يضحكون على المدير، ويغرقونه بالأكاذيب والنفاق والزعم بأنه بدر البدور وأمل المستقبل، وما أن يُغادر كرسيه حتى يُقذَف بأقسى الاتهامات، وتُكسَرُ جرّة كبيرة وراءه ليُستأنَف الكذب على موجات الآتي الجدبد.
أدمنَت الشعوب الكذب بعد أن شربت من خمره وسمومه سنوات وسنوات.
حتى الهزائم التي لحقت بها خدعوها وقالوا إنها اتتصارات، أو نكسة، أو “وكسة”. وما زال بعضهم يُصدّق رُغم اكتشافه إنها أكاذيب، وأنّ الإعلام الأسود، الذي كان يُدير برنامج أكاذيب تكشفها الحقائق، كان يجب ان ينقلب ليصبح الحقائق التى تكشفها الأكاذيب.
هكذا يُمكن القول، بلا كذب ولا خداع، أننا كلّنا يكذب على كلّنا، لهذا على إخواني العرب أن يُعيدوا قراءة هذا المقال من بدايته ليتأكّدوا من اكتشاف الدراسة العلمية بأن الكذب يقصف العمر على الرُغم من أن أكثر الكذّابين في بلادنا عمّروا و طالت أعمارهم كثيرًا.
وأذكر مرة أن أحد كبار المسؤولين العرب، وهو صديق شخصي، روى لي قصة لم أستطع هضمها أو تصديقها مهما حاولت، فقلت له لا تؤاخذني سأكون صريحًا معك حرصًا عليك فهذه القصة مكشوفة ولن يُصدّقها احد… وفوجئت بأنه بدلًا من أن يغضب، رُغم أنني لم أقل له أنه كذب بشكل مباشر، ضحك وردّ قائلًا: بسيطة ما كلهم بيكذبوا؟؟!
نصيحتي للقراء الكرام ان يتّعظوا بالدراسة التي يبدو أنهم تحصّنوا ضد مفاعليها وتمسحوا واكتسبوا مناعة…. ومع هذا أقول للجميع لاتكذبوا حتى تطول أعماركم.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى