الجواب

بقلم راشد فايد*

85 في المئة من اللبنانيين لم يقتنعوا بمقررات مجلس الوزراء، حسب إحصاء بث خلاصته تلفزيون محلي، ليس لأن مضمونها غير مقنع، بل لأنها لا تكفي لتلبية ما يطالبون به، أي أن الرسالة وصلت من بعبدا متأخرة، وبدت كإعلان نوايا. ترجمتها تستلزم وقتاً، والحشود المُنتشرة من شمال لبنان إلى جنوبه، لم تعد تملك رفاهية انتظار التغيير في نمط العمل الوزاري، الذي لا يُشجّع ماضيه على التفاؤل.

لا يُلغي ذلك كون الرئيس سعد الحريري مرّر سلّة قوانين تحمي الليرة و تمنع إنهيار البلاد، وتوجه رسالة إلى المجتمع الدولي عن جدية لبنان في إحداث إصلاحات إقتصادية نقدية. لكن اللبنانيين ينتظرون إجراءات تُعيد ثقتهم بالدولة، بتغيير عقلية الحكم عبر انتخابات تشريعية جديدة بقانون جديد عادل يُسقط فرص الإستبداد السياسي والمحادل.

في انتظار استكمال نصر الشعب، حملت الأيام الخمسة الفائتة أكثر من دلالة:

  • أكد انفراد العلم الللبناني بقيادة المُحتشدين في كل المناطق، وإسقاط الهويات الصغرى من أحاديثهم، أن محاولات السياسيين (لا سيما أحدهم) إحياء النزعات الطائفية، بحجة “الحقوق”، لا تعنيهم، خصوصاً أن التأطير الطائفي لم يكن سوى ستارة تحجب المحاصصات السياسية الشخصية.
  • أسقطت الهتافات والتصريحات الشعبية، هالة القداسة التي فرضها السياسيون لأنفسهم على العامة من الناس، و”أنزلتهم” من عليائهم المزعومة. وهذه حال الأحزاب أيضاً.
  • لم يترك شباب الإنتفاضة الشعبية لأيٍّ من الاحزاب، كل الأحزاب، أن يتلطّى خلف شعاراتهم، أو أن يُمسِك بطرف يافطة، لأن “كلهم…يعني كلهم” ولأن هؤلاء الشباب على وعيٍ كافٍ بأن مَن هو في المعارضة اليوم، كان له، في يوم سابق، باعٌ طويلة في تشييد مدماك الفساد في البلاد، فعبور نهر الفساد المُتدفّق، لا يجف بلله بمجرد الوصول إلى الضفة المقابلة، ضفة حديثي النعمة، فكيف حين يتحوّل النهب إلى رياضة وطنية لدى غالبية الطبقة السياسية.
  • تُشير مشاركة الشباب الكاسحة إلى تغيير جذري في المشهد النيابي المُقبل، فاعمار غالبيتهم تتفاوت بين أقل من 18 و28 سنة.

إلى ذلك، أثبتت الوقائع أن ما سُمِّي ديموقراطية توافقية هو قناع للمحاصصة بمعناها الواسع، وأن وحدة اللبنانيين هي منجاتهم من اللعب السياسي بمصائرهم، تحت حجج حقوق الطوائف، وأن “آلهة” السياسة المزعومين، اللآت والمناة والعزة، وكبيرهم هبل، ليسوا كذلك، والثورة على سطوتهم ممكنة، بدليل أن الثنائي الشيعي أُجبِر على الإنكفاء، بعدما حاولت ميليشياته فرض وهرتها، لا سيما في صور.

يبقى أن الحشود، في كل لبنان، حملت عناوين واحدة، برغم غياب قيادة موحدة، ما يؤكد أن المرارة واحدة لدى كل اللبنانيين ولا تُفرّق بينهم أيّ من الهويات الدنيا، على الأقل حالياً. ولعل قوة هذا الحراك الوطني الرئيسة في أنه بلا قيادة مُحدَّدة، وإن كان لا بدّ ممن يُوجّه، ما يصعب إحتمال تمرير أي مساومة.

  • راشد فايد صحافي ومُحلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى