الحربُ في غزة تَجعلُ علاقات المغرب مع إسرائيل صعبة ومُحرِجة

بعد هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) والحرب الوحشية المستمرة التي أعلنتها إسرائيل على غزة ردًّا على ذلك، يشعر المغرب أنه بات في وضعٍ حرج وصعب قد يجبره على وقف التطبيع مع الدولة العبرية.

سعد الدين العثماني وجاريد كوشنر ومئير بن شبات بعد توقيعهم على إتفاق التطبيع

فرانسيسكو سيرانو*

منذ أن قام المغرب بتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل في أواخر العام 2020، اضطرّت حكومته إلى الانخراط في عملية توازنٍ غريبة. في الوقت الذي كانت تُعزّز علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، كان على السلطات أن تُصَوِّرَ الموقف الرسمي للرباط في الوقت نفسه على أنه ما زال مؤيّدًا للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.

إن موقفَ المغرب، مثل موقف الدول الأخرى التي وقعت على اتفاقيات أبراهام، كان سيُشَكّلُ دائمًا تحدّيًا. لسنوات، اتّسَمَ الصراعُ بين الفلسطينيين والإسرائيليين باشتباكاتٍ مُتفرّقة بين القوات الإسرائيلية والجماعات المسلحة في غزة، والتعدّي والتوسّع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وسط أعمال عنف في الضفة الغربية، وتضاؤل الأمل في التوصل إلى حلٍّ سياسي حقيقي.

لكن بعد الهجمات التي فامت بها “حماس” ضد المدنيين والعسكريين الإسرائيليين في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والحرب الوحشية والمتصاعدة التي شنّها الجيش الإسرائيلي على غزة ردًّا على ذلك، أصبح المغرب في وضعٍ صعب يتطلب موقفًا جديدًا.

التحدّي الأكبر الذي يواجه الحكومة، والأهم من ذلك، الديوان الملكي، هو أن غالبية سكان المغرب تدعم تقليديًا القضية الفلسطينية. وفي الواقع، لم يكن كثيرون يؤيدون التطبيع مع إسرائيل في المقام الأول.

لقد كان الملك نفسه هو من اختار المضي قدمًا في إقامة روابط في إطار اتفاقيات أبراهام التي توسّطت فيها إدارة دونالد ترامب في العام 2020. وفي المقابل، اعترفت واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما يُمثّل بالفعل انقلابًا كاملًا للسياسة الأميركية حتى تلك اللحظة وانتصارًا ديبلوماسيًا كبيرًا للمملكة.

بالنسبة إلى السلطات المغربية، كان الأمر بمثابة خطوة تستحق المخاطرة. لقد جعل الملك محمد السادس إضفاء الشرعية على سيطرة المغرب على الصحراء الغربية الهدف الرئيس لسياسة الرباط الخارجية. على مدى عقود، أصبحت مطالبات المملكة بالسيادة على المنطقة مُتأصّلة في رسائل الدولة لدرجة أنه لم يعد من الممكن التشكيك فيها في الخطاب السياسي والاجتماعي المحلي. لقد اعتاد الديبلوماسيون الأجانب على تلقّي توبيخ صارم من المسؤولين المغاربة في أيِّ وقتٍ يتبنّون فيه أدنى قدر من التحفّظ في ما يتعلق بما تسميه الرباط “سلامة أراضيها”.

وكما هو الحال مع قضية الصحراء الغربية، أصبحت علاقات المغرب الوثيقة بشكل متزايد مع إسرائيل حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر)، مسألة لا يمكن التشكيك فيها. في آذار (مارس) 2023، عندما داهم الجيش الإسرائيلي مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، اتَّهم عبد الإله بنكيران – رئيس الوزراء السابق والأمين العام ل”حزب العدالة والتنمية” الإسلامي المعتدل– وزير الخارجية ناصر بوريطة بأنه يبدو ك”مدافعٍ عن إسرائيل” في مناقشاته مع المسؤولين الأفارقة والأوروبيين.

وسرعان ما وبّخَ القصر الملكي بنكيران، حيث أعلن أن السياسة الخارجية تظل من صلاحيات الملك، وأنه لا ينبغي استخدام هذه القضية لتحقيق مكاسب سياسية.

إن حرمان زعيم حزب سياسي عضو في البرلمان ويخدم في الحكومة من الحق في التشكيك في السياسة الخارجية للبلاد ينبئ بالكثير عن كيفية رؤية السلطات المغربية لدور البرلمانيين.

لكن الملك محمد السادس كان يعلم دائمًا أنَّ مُصادقة إسرائيل ستُقابَل بالرفض المجتمعي. ولم يكن من قبيل المصادفة أنه عندما تم افتتاح العلاقات الديبلوماسية رسميًا، تم إجبار رئيس الوزراء آنذاك سعد الدين العثماني المنتمي ل”حزب العدالة والتنمية” على التوقيع على الصفقة بصفته ممثلًا للدولة المغربية.

وكانت لهذا الأمر ميزتان واضحتان لحكّام البلاد. أولًا، سمح للملك محمد السادس أن ينأى بنفسه عن قرارٍ كان غير مستساغ بشكل واضح بالنسبة إلى العديد من رعاياه، وربما حتى الأغلبية منهم. ثانيًا، سمح ذلك أيضًا للقصر بتوجيه ضربة خطيرة إلى تماسك “حزب العدالة والتنمية”، الذي وصل إلى الحكومة في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت “الربيع العربي” في العام 2011، كتنازلٍ للسخط الشعبي في ذلك الوقت. ومع معارضة قاعدة “حزب العدالة والتنمية” بشدة للاتفاق، فإن رؤية أحد قادة الحزب يوقّع عليه أثار حالةً من الفوضى.

قبل الحرب الحالية، نجح الملك وديوانه في جعل الروابط مع إسرائيل حقيقة جديدة لا تقبل الجدل. وتسارعت وتيرة المشاركة الديبلوماسية بعد العام 2020، حيث قام الوزراء ووفود الأعمال والقادة العسكريون من كلا البلدين برحلات مكوكية بين الرباط وتل أبيب. وفي تموز (يوليو)، اعترفت إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ما فتح الباب أمام زيارة مُحتملة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الرباط.

الآن، ونظرًا للأزمة الإنسانية الحالية في غزة، يبدو أن التطبيع بين البلدين سوف يتجمّد، إن لم يكن قد انعكس وتوقف تمامًا.

كانت القيادة المغربية متفائلة دائمًا بالاعتقاد بأن العلاقات مع إسرائيل سوف تفلت من التشكيك في كل مرة تشتعل فيها التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن الحجم الهائل لأعمال العنف الحالية يجعل موقف النظام المغربي غير قابل للدفاع عنه أمام شعبه.

في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، تظاهر عشرات الآلاف من المغاربة في مدن عدة دعمًا لفلسطين. وفي بعض الحالات، داس المتظاهرون على الأعلام الإسرائيلية والأميركية ورددوا شعارات ضد عملية التطبيع المغربية مع إسرائيل.

وإدراكًا لمدى الدعم العميق للفلسطينيين في المجتمع المغربي، سمحت السلطات تنظيم الاحتجاجات. وهنا تكمن المفارقة بالنسبة إلى حكام المغرب: فما كان ذات يوم غير مُستساغ أن يقوله أي سياسي علنًا أصبح الآن يصرخ به الآلاف من المواطنين المغاربة في الشوارع. وليس من المستغرب أن ينتقد بنكيران، الأمين العام ل”حزب العدالة والتنمية”، مرة أخرى خيارات السياسة الخارجية للمغرب، داعيًا الحكومة إلى قطع العلاقات مع إسرائيل تمامًا. فهل سيقوم الديوان الملكي بتوبيخه علانية مرة أخرى، مع العلم أن الكثيرين من المغاربة يتفقون معه؟

لم يعد أمام السلطات المغربية سوى خيارات قليلة للغاية، إلى جانب الأمل في أن ينتهي الصراع قريبًا. تحاول المملكة أن تضع نفسها كوسيطٍ في الأزمة في غزة. لكن من غير الواقعي الاعتقاد بأن الرباط يمكن أن يكون لها تأثير كبير على نتنياهو أو أن تكون العاصمة الديبلوماسية التي تستطيع إقناع إسرائيل بطريقة ما بتقليص هجماتها، أو اختيار وقف إطلاق النار أو الانسحاب من غزة تمامًا.

يبدو أن المغرب يُعوّلُ على أنَّ مسيرة نتنياهو السياسية من المرجح أن تنتهي مع الحرب. ومن المؤكد أن السلطات ستؤكد حقيقة أن الروابط التاريخية مع الجالية اليهودية المغربية الكبيرة في إسرائيل تُبرّرُ العلاقات بين دولة ودولة بطريقة تتجاوز سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية.

ولكن هذا أيضًا مُفرِطٌ في التفاؤل. تختلف سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية من حيث الحجم، ولكن ليس من حيث الجوهر عن سياسات سابقاتها: توسيع السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، في حين تحرم الفلسطينيين من الحقوق الأساسية وتقرير المصير. إنَّ أعمال العنف الحالية تجعل من الصعب على المغرب والحكومات العربية الأخرى أن تنكر أنَّ موقفها الأكثر ليونة تجاه إسرائيل قد ابتعد بشكل متزايد عن الرأي العام بين مواطنيها.

بالنسبة إلى الرباط، سيتوقف الكثير على المدة التي سيستمر فيها الهجوم الإسرائيلي على غزة. وبالقدر نفسه الذي دعت فيه الحكومة المغربية إسرائيل بصوت عالٍ إلى وقف حملتها العسكرية، فإن ذلك لا يكاد يمحو الصور العنيفة للقتلى المدنيين الفلسطينيين الذين يخرجون من غزة يوميًا، وهي الصور التي ستستمر في ترجيح الآراء في المغرب أكثر فأكثر ضد العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل.

كل ذلك سيُنسى ويختفي تدربجًا مع مرور الوقت، كما يقول محلل سياسي مقرب من الدوائر الحاكمة في المغرب، والذي طلب عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع. “لا أعتقد أن الأزمة الحالية ستُنهي التطبيع بين المغرب وإسرائيل. لكن هذا يصح إذا كانت الحرب قصيرة. أما إذا استمر الهجوم على غزة لمدة أربعة أو خمسة أشهر، مع ارتفاع أعداد الضحايا، فإن هذا بالطبع سيضع الدولة المغربية في موقف حرج قد يؤثر في التطبيع، بل ويؤدي إلى التراجع عنه”.

بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، كانت العلاقات بين المغرب وإسرائيل تشوبها دائمًا فترات من التقلب. وفي العام 2000، أدى اندلاع الانتفاضة الثانية إلى إغلاق مكتبَي الاتصال في الرباط وتل أبيب.

إن الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة سيترك أثرًا أعمق بكثير. في المدى القصير، سيؤدي ذلك إلى إضعاف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. لكنَّ الصراعَ الطويل في غزة والاستجابة الضعيفة من جانب الحكومة في الرباط قد يؤدّيان إلى تآكل الثقة بين الدولة المغربية ومواطنيها.

  • فرانسيسكو سيرانو صحافي وكاتب ومحلّ سياسي برتغالي متخصص في شؤون الشرق الأوسط.. كتابه الأخير بعنوان “As Ruínas da Década” حول الشرق الأوسط في العقد الذي أعقب الثورات الشعبية في العام 2011، نُشِرَ في العام 2022.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى