هل تتحرّك الدولة لهدية البابا إِلى لبنان 2019؟
بقلم هنري زغيب*
كان ذلك سنة 2000، وأَحمد، دليلي السياحيُّ إِلى “المغطس”، يَشرح لي بلهفةٍ أَهميةَ الموقع مسيحيًّا، حتى إِذا سأَلْـتُه عن الفارق في عدد السيَّاح والحجَّاج بعد زيارة البابا يوحنا بولس الثاني (21 آذار/ مارس 2000) أَجابَني: “بنسبة 120%، منذ تكرَّسَ المغطسُ ﭬــاتيكانيًّا موقعَ حَجّ”. وإِذ سأَلتُهُ عن منبع نهر الأُردن الجاري أَمامنا، بِـمِياهه إعتمد المسيح، رمَقَني بِـــنِــظْرَةِ مَن عَــرَفَ أَني عارفٌ، ومع هذا أَجابني: “ينبع من عندِكُم يا أُستاذ، من ذَوْب ثُلوج حرَمون” (كرَّستْه منظمة اليونسكو سنة 2015 على لائحة التراث العالـمي).
تذكَّرتُ زيارتي تلك، قبل 18 سنة، حين قرأْتُ عن زيارةِ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي موقعَ “المغطس” وصلاتِه فيه مطلع هذا الأُسبوع. سوى أَني تمنيتُ أَن أَقرأَ أَيضًا في الخبر عن صدورِ قرار الكرسي الرسولي قبل أَيامٍ بِـــإِعادة لبنان على القائِمة الرسمية الـﭭـاتيكانية بين دُوَلٍ يُـمْكن الحجُّ إِليها سنة 2019.
ذكَرْتُ هذا الأَمرَ لأُؤكِّد أَهميةَ قرار الـﭭـاتيكان وأَثَــرَهُ على السياحة الدينية في لبنان، لا تَقَويًّا وحسْب، بل حتى تنمويًّا للمناطق اللبنانية والمجتمعات المحلية في مُدُنِنا وقُرانا والضِياع.
هذا يعني – ونحن على خمسة أَشهرٍ فقط من 2019 – أَنْ تبدأَ الدولةُ منذ البارحة إستعداداتِـها الإِداريةَ واللوجستيةَ والسياحيةَ وحملةَ تسويقٍ واسعةً عن مواقع العبادة في لبنان، تَـحفيزًا آلافَ الـحُجَّاج من العالَـمَين العربي والغربي كي يقصِدوا إِلى لبنان أَرضِ الإِيمان الأَبيض ولقاءِ الأَديان والثقافات والحضارات، فيَزوروا عنَّايا شربل، وجْرَبْــتَا رفقة، وكفيفان الحرديني، ويزوروا أَماكنَ التعبُّد في وادي قاديشا وحريصا ومغدوشة، وكنائسَ وأَديارًا عريقةً في بيروت وطرابلس وجبيل وميفوق وبزمَّار ودير القمر والهرمل والنورية، ومزاراتٍ مكرَّسةً في بكركي والديمان والبلمند ودير الـحَرف، وسواها مِـمّا لا يَـحصُره عَــدٌّ، ويزوروا أَيضًا أَماكنَ عبادةٍ إِسلاميةٍ عريقةً منذ دخَلَ الإِسلامُ لبنانَ على عهد الخليفتَين الراشِدِيَّـين عُمَر بن الخطَّاب وعثمان بن عفان، فانتشرَت فيه جوامعُ ومساجدُ ومدارسُ وتَكايا، وسْعَ الـمُدُن والثُغُور والحصون عبْـر كلّ لبنان ساحلًا وداخلًا، ويَقصِدوا خَلَواتِ عُــبَّادٍ وزُهَّادٍ ومتصوِّفينَ ونُسَّاكٍ في المغاور والكهوف والأَودية.
أَقول هذا، ولا أُشيحُ عن مَوَاقعَ لبنانيةٍ ذكَرَها الإِنجيلُ في تَــنَــقُّـلِ السيد المسيح بين مغدوشة وصيدا وصور وصْربتا (الصرفند اليوم). ولكنني أَيضًا أَرنو إِلى قانا، قانا الجليل الأَعلى، قانا التي صدَرَت عنها دراساتٌ موثَّقةٌ بالوقَائِع والخرائِط والصُوَر، ولا أَفهمُ كيف لم تَعْتَمِدْها بعدُ المراجعُ الدينيةُ الرسميةُ مَـحلِّــيًّـا ثم ﭬـاتيكانيًا، حتى يتمَّ الإعتراف الرسميُّ بِــ”قانا العرس في اليوم الثالث”، قانا الأُعجوبة الأُولى التي قال عنها يوحنا في إِنْـجيله (2: 1-11): “هذه بدايةُ الآيات، فَعَلَها يسوع في قانا الجليل، وأَظْهَر مَـجدَه، فَآمَنَ به تلاميذُه”.
بلى: يَوم يُطلق الـﭭـاتيكان إعترافَه الرسميَّ بِقَانا لبنان، يكونُ يسوعُ إعتمَدَ بِـمياه نَـهْرٍ آتيةٍ إِليه من لبنان، ويكونُ إجترحَ أُعجوبتَهُ الأُولى على أَرض لبنان، فَــتَــتَــكَــرَّسُ أَرضُ لبنان، مَـحَلِّــيًّا ودُوَلِــيًّا وتاريْـخِـيًّا، أَرضَ قداسةٍ يَــتَــمَـجَّد عليها الإِلهُ الواحدُ الرحمنُ الرحيم. آمين.
• هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib