دولةٌ للذكرى

راشد فايد*

طريفٌ أن يقول وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بو حبيب، وهو متمرس في الديبلوماسية، إن الموفد الأميركي إلى بيروت لرعاية التفاوض اللبناني – الإسرائيلي في ترسيم الحدود البحرية “كان مُرتاحاً لتقارب مواقف الرؤساء الثلاثة من الملف”.

أمران غير طبيعيين أشار إليهما الوزير من دون تمحيص: أوّلهما عدم استغراب وحدة مواقف الثلاثة، وثانيهما أن في الدول – الدول يقود رئيس السلطة التنفيذية، أي رئيس الحكومة، أي مفاوضات، وفي الدستور اللبناني لا يشارك فيها رئيس الجمهورية، ولا يعني ذلك إغفال دوره الدستوري في بلورتها والتوقيع على المعاهدة الناجمة عنها، بينما لرئيس مجلس النواب سلطة نقاشها حين تُحال على المؤسسة التشريعية لإقرارها، أو رفضها وليس المشاركة في مفاوضاتها. وهو كان سبق له أن قاد هذه المفاوضات في مرحلة سابقة بنفسه، وكاد يُقال يومها إنّ مَن يمثل من بيئة لا يأتمن غيره على نصيب لبنان من نفطه البحري.

لن يناقش أحدٌ من أهل التشريع هذا الأمر ولا شك في أن هناك من “تبرّع”، من هذه الجهة أو تلك، لاستخراج أسانيد دستورية لتبرير تدخل 3 رؤوس في آن واحد، ولن يكون بين النصوص تناقض، لأن الجهات الثلاث مُتّفقة على أن لبنان ليس “دولة قانون”، واستطراداً، ليس دستوره في موقع قداسة وطنية تزكيه عن الخضوع لمصالح فردية وطائفية، وتبعده عن التجارة السياسية المستشرية.

والدستور في لبنان كما القضاء وجهة نظر. يكفي أن يُحمِّل طرفٌ رئيس “القوات اللبنانية”، الدكتور سمير جعجع، مسؤولية الخميس الأسود في عين الرمانة فيُستدعى إلى التحقيق لدى النيابة العامة العسكرية، فيما لا يسأل أحدٌ أمين عام “حزب الله”، السيد حسن نصرالله، عن الـ 100 ألف مقاتل الذين أعلن عن خضوعهم لإصبعه، فيما ظروف الخطاب ومضمونه لا تشي بأن هذه “البشارة” هي لمواجهة اسرائيل، التي  يبدو أنها لم تعد أولويته، بل تهديد للداخل اللبناني، الذي منّنه بعد إخلاء الإسرائيلي الجنوب المحتل، في العام 2000 بأنه لن يوجّه السلاح إلى الداخل، إلّا إذا اعتبر الـ 100 ألف كشافة ًهمّهم التحريج والتربية على الأخلاق الحميدة، ومحبة الآخر.

لا يحتاج اللبنانيون من يدلّهم إلى الرابط بين فقرات هذا النص، وهو غياب دولة الدستور والقانون، فكيف لمن ينام ويصحو على تسعيرة الدولار، وتقلّب أسعار المازوت والبنزين، وعدم توفر الكهرباء من المولّد أو من وزارة الطاقة، كيف له أن يُفكّر أبعد من أنفه، أو في يومه التالي؟

كان لبنان، برغم علل زمنه السابق، على موعد لا ينتهي مع ما يشهده العالم، بشرقه وغربه، في السياسة والإقتصاد والإجتماع، من تقدّمٍ، ويتفاعل مع كل جديد، ولا تغيب عنه ثورات الشعوب، ولا الأفكار، فيما يغرق اليوم في همّ قارورة الغاز وتدبير شؤون العيش اليومي، واستجداء الطبابة واشتهاء الهجرة إلى أيِّ رقعة من العالم، ولو كانت حدود بيلاروسيا الباردة حتى الزمهرير.

ناقش الإتحاد الأوروبي (الخميس الفائت) بدوله الـ 27 مسألة إشكالية: من يعلو على الآخر قانون الدولة أم قانون الإتحاد؟ نحمد الله أن لبنان مرتاح في هذا الشأن. ليس عضواً في أيِّ اتحاد، وليس فيه دولة، وقوانينه، كدستوره، للذكرى لا للتطبيق.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى