هل سيُسمَح للمرأة السعودية أخيراً قيادة السيارة؟

تأمل النساء السعوديات أن يكون الترفيع الأخير للمرأة في الوظائف الرفيعة المستوى في القطاع المالي نذيراً لرفع الحظر عن قيادتهن للسيارة ومنحهن حريات شخصية أكثر. إن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تُحظّر على النساء قيادة السيارة. وهناك دلائل على أن المزاج العام بدأ يتحوّل لصالحهن بمساعدة حملة حكومية جديدة تفتح المجتمع السعودي على التسلية والترفيه للمرة الأولى، وذلك في تحدٍّ لرجال الدين الوهابيين المحافظين في المملكة الذين ينتقدون علناً وبصراحة هذه الإصلاحات ويقفون ضدها.

لينا المعينا: ناشطة على الصعيد الرياضي

جدة – ديفيد أوتاواي*

هل سيُسمَح للمرأة السعودية أخيراً أن تقود السيارة؟ في الآونة الأخيرة، عُيِّنت ثلاث سيداتٍ في منصب رئيسة تنفيذية لمصرفين ولسوق الأوراق المالية (البورصة) الوطنية، مما ولّد توقعات متزايدة عن قرب حصول إختراق آخر في البلد الأخير في العالم الذي يُحظّر على المرأة قيادة السيارة.
قالت سمر فتاني، وهي إذاعية معروفة، وكاتبة عمود، ومؤلفة كتب، وناشطة: “هناك الكثير من العلامات التي صار المجتمع مستعداً ومُتحضّراً لها”. وتوقّعت حتى أنه سيتم رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة خلال الاشهر القليلة المقبلة. لكن نساء سعوديات أخريات أعلنَّ عن شكوكهن في هذا المجال.
لم تُثر أي قضية للمملكة العربية السعودية سخرية في الخارج أو قوّضت المزيد من جهودها للإثبات بأنها دولة حديثة أكثر من حظر قيادة السيارة على المرأة، الذي يتفق معظم السعوديين بأنه مسألة تقاليد إجتماعية بدلاً من أي آية قرآنية. وقد إستُخدم ذلك منذ فترة طويلة بمثابة مَثَلٍ عن التخلف السعودي المتصوَّر، الذي يروّج له العديد من المنتقدين في الغرب.
القضية هي جزء من صراع أكبر يأتي إلى العلن الآن بين الليبراليين ورجال الدين الوهّابيين المحافظين حول كلٍّ من وضع المرأة وتعزيز الترفيه في مملكة خالية من المسارح، وسينما المنازل، والأوركسترا، والحفلات الموسيقية، ناهيك عن النساء السائقات. والأسوأ من الحظر على قيادة السيارة بالنسبة إلى العديد من النساء المتعلمات هو نظام وصاية الرجل الذي يفرض على المرأة الحصول على إذنٍ من الزوج أو الأخ أو الإبن من أجل العمل أو الحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج.
من جهته قرر ولي ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان مواجهة المؤسسة الدينية بشكل غير مباشر من خلال إنشاء هيئة عامة للترفيه وبناء مدينة ملاهي بقيمة 8 مليارات دولار بمساعدة الشركة الأميركية “سيكس فلاغ” (Six Flags) خارج الرياض، وهي المدينة الأكثر محافظة في المملكة وعاصمتها. وفي الوقت عينه، يتم تشجيع النساء والفنانين والممثلين والمخرجين وعشاق الرياضة الإناث على التحرّك لتحقيق الإصلاحات التي طال إنتظارها من تحت (من الأسفل).
وتقول الشائعات المتداولة في صفوف السعوديين “المُثَرثرين” على مواقع الإتصال الإجتماعي أن الملك سلمان الذي يبلغ من العمر 82 عاماً، والد الأمير محمد (31 عاماً)، لا يزال يقف إلى جانب رجال الدين الوهابيين في المملكة الذين أقام معهم علاقة وثيقة جداً خلال 48 عاماً كنائب لحاكم الرياض أو حاكمها.
مع ذلك، فإن علامات التغيير تبدو في كل مكان. في شباط (فبراير)، أُقيم أول مهرجان كوميدي، مهرجان الزي المجنون، في جدة؛ وفي آذار (مارس)، أقيم مهرجان للسينما في الظهران؛ وفي نيسان (إبريل)، إستضافت الرياض تحدي بطولة “الكيك بوكسينغ” العالمية وأوركسترا السيمفونية اليابانية. وقد قررت الحكومة إنشاء 450 نادياً في جميع أنحاء المملكة لتنظيم فعاليات ثقافية. ويجري تصميم مراكز تسويق (مولات) جديدة حيث ستُترك مساحة لسينما المنازل.
إن الزعماء الدينيين في المملكة لم يقبعوا صامتين. فهم يشجبون كل هذه التغييرات، ولا سيما منح المزيد من الحريات للمرأة. وقد ندّد المفتي العام عبد العزيز الشيخ بالحفلات الموسيقية ودور السينما ووصفهما بأنهما “إنحراف وفساد” من شأنهما أن يفضيان بالتأكيد إلى إختلاط الجنسين الذي ما زال مُحظَّراً الآن في الأماكن العامة ما عدا بالنسبة إلى الزوجين والأسر. كما عارض علناً قيادة النساء للسيارة لأن ذلك “سيعرضهن للشيطان”، وأعلن أن لعبة الشطرنج محظورة على أساس آية قرآنية تحظّر “القمار”، وأنها تشكل “مضيعة للوقت والمال” وتُثير “الكراهية والعداوة بين اللاعبين”.
الواعظون الوهابيون المعروفون مثل الشيخ محمد العريفي، الذي يضم حسابه على “تويتر” 15 مليون متابع، أعلن صراحة أنه ضد تمكين المرأة إن كان من طريق السماح لها بقيادة السيارة أو العمل. بل إنه تغاضى عن ضرب الرجل لزوجته، إذا كان خفيفاً ولا يمكن رؤيته في الأماكن العامة.
لكن أحد العلماء الوهابيين، الشيخ عبد الله المانع، عضو مجلس كبار العلماء، كان له رأي مخالف عن أقرانه. “عندما تكون المرأة في سن النضج، لا تُفرَض عليها ولاية”، قال خلال مناقشة عامة في الخريف الفائت حول هذه المسألة. “كل حق شرعي يتمتع به كل رجل، تتمتّع المرأة به أيضاً” بإستثناء شيء واحد: “فقط الوصي على المرأة أو الوالد يمكن أن يعطي يدها في الزواج”، على حد قوله.
بصفة عامة، يبدو أن المدّ يتحوّل لصالح النساء السعوديات، اللواتي يمثّلن 52 في المئة من خريجي الجامعات داخل المملكة، و35 ألفاً من أصل 125 ألفاً من الطلبة السعوديين الذين يدرسون في الخارج. وقد ناقش مجلس الشورى الإستشاري، الذي يضم 30 إمرأة في هيئته التي تضم 150 مقعداً، إقتراحاً في وقت سابق من هذا العام لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة. ولم يجرِ أي تصويت، ولكن كان هناك عضو واحد فقط في المجلس تكلّم ضده.
وجاءت علامة أخرى على تغيير المواقف في 26 نيسان (إبريل) الفائت عندما إقترع المجلس بغالبية واضحة على إقتراح بإنشاء كلية رياضية للمرأة، وهو مشروع جريء في بلد لا يسمح بعد بتعليم التربية البدنية للنساء في مدارسه العامة. والتصويت الذي سجّل 73 مؤيداً مقابل 57 معارضاً، نقصته ثلاثة أصوات ليحصل على الغالبية المطلقة المطلوبة والتي تبلغ 76 صوتاً، إلّا أن الإقتراب من الموافقة على المشروع كان خبراً كبيراً هنا.
من بين مقدمي مشروع القرار لينا المعينا، التي عيّنها الملك سلمان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في مجلس الشورى مع العديد من الناشطات. وكانت في طليعة حملة عمرها 14 عاماً تُطالب بالسماح للمرأة بالمشاركة في الألعاب الرياضية، ولا سيما كرة السلة، بإعتبارها من مؤسسي “جدة يونايتد” للرياضة، وهي مؤسسة أسستها مع زوجها مُخَصَّصة لتدريس الفتيات السعوديات لعبتي كرة السلة وكرة القدم في ميدان مفتوح في الهواء الطلق في شارع التحلية بوسط جدة. كما تدير فريقاً نسائياً جاءت فتياته من المدارس الخاصة في جدة.
وقالت: “إني أرى نقلة نوعية في طريقة تعامل الرجال مع النساء”، مشيرةً إلى أن واحداً فقط من أعضاء مجلس الشورى أعرب عن معارضته لقيادة النساء للسيارة. ورأت المعينا عقبة واحدة متبقية حتى لو تم رفع الحظر: كيفية الحفاظ على التضييق الوهابي بعدم تعامل الرجال والنساء الذين لا صلة قربى بينهم مع بعضهم البعض في حركة المرور. وأضافت بأن المملكة ستحتاج أولاً الى إنشاء قوة شرطة منفصلة وكذلك مدارس لتعليم قيادة السيارات.
ويشير المُشكِّكون ب”التحوّل النموذجي” الذي تحدثت عنه “المعينا” إلى نتيجة حملة أُقيمت في الخريف الماضي لإقناع الملك سلمان بإلغاء نظام الوصاية على النساء. وقد وقّع عدد كبير من النساء عريضة أو أرسلن برقيات إلى الملك يطالبن بإنهاء النظام بعد أن أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريراً جريئاً في تموز (يوليو) بشأن الوصاية بعنوان “محفوظة في علبة” (Boxed In). ولم يعترف الملك حتى الآن بأنه تسلم العريضة.
ويشير المُشكِّكون أيضاً إلى الأهداف المحدودة للنهوض بالمرأة الواردة في المخطط الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة على مدى السنوات ال 13 المقبلة – “رؤية 2030”. تؤيد هذه الرؤية تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في الإقتصاد، ولكن بعد ذلك تحدّد فقط كهدف زيادة نسبة الإناث في القوى العاملة من 22 إلى 30 في المئة. وتشكّل النساء حالياً 80 في المئة من 917 ألفاً من العاطلين من العمل المُسجَّلين رسمياً في المملكة. وبقيت الخطة أيضاً صامتة بالنسبة إلى مسألتي الوصاية وقيادة المرأة للسيارة.
مع ذلك، هناك ناشطات في مجلس الشورى، مثل مودى الخلف، التي تجادل بأن قيود الوصاية يتم التخلص منها “شيئاً فشيئاً”. إن السماح للذكور بالعمل ليس “قضية” في الأسر السعودية المتعلمة، والنساء يمكنهن الآن الحصول على بطاقات هوية خاصة بهن. فقط هناك “أقلية” من النساء، ولا سيما من “الأسر الأكثر محافظة”، عرضة لسوء المعاملة الآن، كما تدّعي. وقد لاحظت أن هناك إنسحاباً للشرطة الدينية، المطاوعة، التي كان رجالها يفرضون إرادتهم المتقلبة على النساء في الأماكن العامة منذ أن جرّدهم الملك من سلطة إلقاء القبض قبل عام.
بدلاً من قيادة السيارة أو إلغاء الوصاية، فقد وضعت الخلف إدراج المرأة في وظائف عليا في القطاعين الخاص والعام كأولوية قصوى لها. (تم إقالة أول نائبة لوزير والوحيدة في التعديل الحكومي في نيسان (إبريل) 2015). وقد إبتهجت برؤية ثلاث سعوديات يرتفعن إلى منصب الرئيس التنفيذي في العالم المالي. وقالت: “إن الحكومة بطيئة، لذا علينا ان نكافح من اجل ذلك”.
هذه هي. الخلف وسيدتان أخريان من أعضاء مجلس الشورى إقترحت في منتصف آذار (مارس) الفائت تعيين امرأة نائبة لوزير العمل والشؤون الاجتماعية. وجاء رد الحكومة على طلبهن في آخر تعديل للحكومة في أواخر نيسان (إبريل): لم يتم تعيين أي إمرأة في أي منصب وزاري.

• خبير وزميل في قسم الشرق الأوسط في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن، ومراسل سابق لـ”واشنطن بوست”.
• كُتِب المقال بالإنكليزية، وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى