دماء جديدة في عروق “فتح” و”حماس”: ماذا يعني ترفيع العالول والسنوار للسياسة الفلسطينية؟
في أواسط شباط (فبراير) الفائت إنتخبت اللجنة التنفيذية لحركة “فتح” لأول مرة في تاريخها، محمود العالول، نائباً لرئيس الحركة محمود عباس، فيما إنتخبت حركة “حماس” القائد العسكري يحيى السنوار ليكون زعيم الحركة الإسلامية المقبل في غزة حيث سيحل محل إسماعيل هنية. فماذا يعني هذان الترفيعان ؟ وما هي تداعياتهما على المستقبل الفلسطيني؟
رام الله – سمير حنضل
يميل السياسيون الفلسطينيون للنظر إلى حدود فترة الحكم كإقتراحات عرضية طارئة. وهذا ينطبق بشكل خاص على حالة أكبر منظمتين فلسطينيتين: حركة “فتح” العلمانية إسمياً، التي تُدير المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية، والحركة الإسلامية “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة. ولكن إزدراء هذين الطرفين الذي يُبديانه عادةً إزاء التحوّلات السياسية السَلِسة السهلة بدا أنه في طريقه الى الزوال في شباط (فبراير) الماضي، عندما إنتخبت “حماس” قائداً عسكرياً، يحيى السنوار، ليكون الزعيم المقبل في غزة، وإختارت اللجنة المركزية لحركة “فتح” القيادي محمود العالول ليصبح أول نائبٍ للرئيس في تاريخ المنظمة. إن ترفيع كلٍّ من هذين الرجلين قد يشير الى تحوّل نحو التشدّد في السياسة الفلسطينية.
المنافس الجديد في حركة “فتح”
بالنسبة إلى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة “فتح”، فإن إنتخاب العالول كنائب لرئيس الحركة كان فكرة تكتيكية ذكية. منذ سنوات وحلفاء عباس ومنافسوه يطاردونه ويطالبونه بضرورة تعيين نائب له وبدء التخطيط لإنتقال مستقر للسلطة، ولكن عباس، الذي بلغ 81 سنة ويخاف من تشجيع منافسيه، رفض منذ فترة طويلة القيام بهذه االخطوة. بدلاً من ذلك، فقد أمضى الرئيس الفلسطيني الكثير من وقته ساهراً على تعزيز قبضته على السلطة ومُهمِّشاً منافسيه، حيث عمل بجهد على إبقائهم ضعفاء جداً وعدم حصولهم على شعبية لتهديده. وعندما سرت شائعات بأن “فتح” تواجه إنشقاقاً قبل مؤتمر المنظمة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على سبيل المثال، فقد منع عباس المنشقّين من حضور الإجتماع، وإستخدم الإنتخابات الداخلية للحركة لتطهير منافسيه.
من خلال تسمية العالول، البالغ من العمر 66 عاماً في منصب نائب رئيس لحركة “فتح”، فقد رفع عباس رجلاً لديه المؤهلات لرئاسة المنظمة ولكنه لا يزال يفتقر إلى التأثير على تحدي قيادته مباشرة. والعالول هو عضو في حركة “فتح” منذ فترة طويلة ومخضرم في الجناح العسكري للحركة، وكان المسؤول عن القبض على ستة جنود إسرائيليين في لبنان في العام 1983. في تسعينات القرن الفائت، شغل منصب محافظ نابلس في الضفة الغربية، وهو الآن رئيس التعبئة في حركة “فتح” — وهو دور يدير من خلاله أنشطة القاعدة الشعبية للحركة – وكثيراً ما نظّم إحتجاجات ضد إسرائيل. وبحسب ما ورد في المعلومات فهو وثيق الصلة بعباس، ولكن إلى حد كبير على عكس الرئيس، فقد أشاد أحياناً ب”المقاومة” المسلحة.
إن صعود العالول يعني أنه لا يمكن إهماله أو إسقاطه في السباق لخلافة عباس. وقد أثار هذا الأمر نفور إثنين من المرشحين البارزين لهذا المنصب، مروان البرغوثي وجبريل الرجوب. من جهته يقضي البرغوثي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي بتهمة تدبير هجمات إرهابية خلال الإنتفاضة الثانية (على الرغم من ذلك فقد بقي ناشطاً سياسياً في أثناء وجوده في السجن)، والرجوب هو الرجل المخضرم في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وكلاهما من أعضاء أعلى هيئة صنع القرار لحركة “فتح”، اللجنة المركزية. بعد تعيين العالول، إنتقدت زوجة البرغوثي علناً قادة “فتح” لعدم تسمية زوجها نائياً لعباس. وكان الرجوب أكثر ميلاً للمصالحة، حيث قام بسرعة بتنظيم فرصة لأخذ صورة مع العالول لإثبات موافقته. ولكن بمجرد أن يترك عباس منصبه، فإن المنافسة بين الرجال الثلاثة – وآخرين من الطامحين- يُحتمل أن تتحوّل إلى أعمال عنف.
منطقة مجهولة
المكيدة الأخيرة داخل حركة “فتح” قابلتها إنتخابات داخلية سرية لمنافستها في غزة، صدرت نتائجها الجزئية في منتصف شباط (فبراير). وإذا كان هناك زعيم يستطيع أخذ “حماس” إلى مكان أكثر راديكالية، فهو السنوار. فهذا الرجل البالغ من العمر 55 عاماً هو من مخضرمي الجناح العسكري لحركة “حماس”، “كتائب عز الدين القسام”، وقضى أكثر من 20 عاماً في السجن لتنسيقه أنشطة إرهابية. وقد أُطلق سراحه في العام 2011 كواحد من بين أكثر من ألف أسير فلسطيني الذين بادلتهم إسرائيل بجلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي الذي كانت أسرته “حماس”. في الأشهر التي أعقبت الإفراج عنه، رُفّع السنوار بسرعة داخل “حماس”، ضامناً ومُؤمِّناً منصباً في العام 2012 كممثل للجناح العسكري للحركة في المكتب السياسي. وكمتشدّد، فإنه إحتجّ على شروط صفقة تبادل الاسرى التي أدت إلى حريته لأنها كانت تصالحية جداً، ويُقال أنه قتل أكثر من عشرة نشطاء في “حماس” لتعاونهم مع إسرائيل. وسوف يحل محل إسماعيل هنية زعيماً ل”حماس” في غزة. ومن المرجح أن يحلّ هنية محل خالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي للمجموعة.
لسنوات، تم تقسيم “حماس” إلى مراكز متعددة للسلطة. وفاقم الإنقسام بين الأجنحة السياسية والعسكرية للحركة الإسلامية وجود ثغرات بين قادتها في غزة والذين يعيشون في المنفى. من جهته تمتّع الجناح السياسي لحركة “حماس” عادة بالأولوية، ولكن في السنوات الأخيرة، عملت “كتائب عز الدين القسام” العسكرية على نحو متزايد من دون الرجوع إلى، أو موافقة، الجناح السياسي. عندما خطف الجناح العسكري في الحركة في الضفة الغربية ثلاثة مراهقين إسرائيليين في العام 2014، على سبيل المثال، نفى مشعل في البداية تورط “حماس” قبل ان يعترف في ما بعد بأنه ببساطة لم يُعلَم بعملية الإختطاف مُقدَّماً. إن ترفيع السنوار قد يكون إشارة إلى أن الكسوف الكامل للجناح السياسي على أيدي الجناح العسكري جارٍ على قدم وساق.
الواقع أن إنتخاب السنوار من المحتمل أن يزيد من إحتمال وقوع إشتباك آخر بين “حماس” وإسرائيل. ويقدّر مسؤولون عسكريون إسرائيليون ان سكان غزة ليست لديهم الرغبة في جولة جديدة من العنف، ولكن هذا لا يعني أن “حماس” لا تفكر في صراع آخر. لقد جدّدت المجموعة ترسانتها إلى المستويات التي كانت عليها قبل الحرب في 2014 مع إسرائيل، وتسيطر الآن على 15 نفقاً على الأقل تصل إلى الدولة العبرية. وبإعتباره الممثل السابق للجناح العسكري في المكتب السياسي — أي ما يعادل وزير الدفاع للحركة -فإن السنوار كان مسؤولاً عن هذه المواضيع.
لقد جاء صعود وترفيع العالول والسنوار في فترة يُحتمل أن تكون قابلة للإشتعال. إن كلّاً من “فتح” و”حماس” هي في منطقة مجهولة، وذلك بفضل وصول إدارة جديدة في الولايات المتحدة والآفاق المتشائمة بالنسبة إلى مفاوضات سلام مثمرة. إن عباس في مأزق شديد وضيّق للغاية. لقد أصبحت حكومته المؤيدة للديبلوماسية أكثر عرضة لانتقادات عملية السلام من أعضاء “فتح” الحاقدين ومسؤولي “حماس” مثل محمود الزهار، الذي قال أخيراً عن عباس بأنه “خائن” وإتهمه ب”نضييع وقتنا ومساعدة الإسرائيليين على توسيع المستوطنات”. ومن دون أفق سياسي في الضفة الغربية أو تحسينات إنسانية في غزة فإن “فتح” و”حماس” لا يملكان شيئاً للبيع إلى شعبهما. لذا ليس من المستبعد أن يبدأ أعضاؤهما الأكثر عنفاً تقديم بدائل خاصة بهم.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.