إنتصرت إيران في معركة حلب فماذا سيفعل ترامب؟
الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب يريد العمل مع روسيا. كما يريد إحتواء إيران. ولكن في سوريا وغيرها فإن روسيا وإيران تعملان معاً في خندق واحد، فكيف يستطيع ترامب تحقيق هدفه؟
بقلم مايكل ويس*
في العام 2007، أقدمت ميليشيا شيعية مدعومة من إيران ومعروفة بإسم “عصائب أهل الحق” على خطف وقتل خمسة جنود أميركيين في كمين في مدينة كربلاء العراقية. في ذلك الوقت، كان نائب الأمين العام للجماعة هو الشيخ أكرم الكعبي، الرجل الذي قال علناً أنه سيكون مسروراً وسعيداً لإطاحة الحكومة العراقية إذا طلب منه ذلك المرشد الايراني الأعلى اية الله علي خامنئي.
اليوم، يترأس الكعبي فصيلاً منشقاً عن ميليشياته الأصلية ومعروف بإسم “حركة حزب الله النجباء”، وهو الآن يُعتبَر ذراعاً رسمية للمؤسسة الأمنية العراقية، ولكنه يقاتل في سوريا. وكانت الأمم المتحدة إتهمته أخيراً بأنه شارك في أسبوع 11 – 15 كانون الأول (ديسمبر) في مجزرة ذهب ضحيتها 82 مدنياً على الأقل في شرق حلب، بينهم 11 امرأة و13 طفلاً – وهي مجزرة إرتكبها بمشاركة وكلاء طائفيين شيعة آخرين تابعين لإيران وحزب البعث المدعوم من روسيا وطهران ونظام بشار الأسد.
الواقع أن الجيش السوري كقوة مقاتلة إلى حد ما قد أُنهك. من دون الدعم الجوي الروسي ومشاركة 6000 إلى 8000 مقاتل من القوات شبه العسكرية التاابعة لإيران التي يعتمد الأسد الآن عليها في شن حربه، فإن حلب لم يكن من الممكن إستعادتها.
والإيرانيون من جهتهم لا يخفون فخرهم وإعتزازهم في هذا الإنجاز.
“لقد تحرّرت حلب وذلك بفضل التحالف بين إيران وسوريا وروسيا وحزب الله في لبنان”، قال وزير الدفاع الإيراني، سيد يحيى رحيم صفوي، يوم الاربعاء (14/12/2016). مضيفاً أن “إيران هي إلى جانب هذا التحالف الذي يقترب من النصر، وهذا قد أظهر قوتنا. لذا ينبغي على الرئيس الأميركي الجديد أن يعي مدى قوة إيران”.
هذه الجملة الأخيرة لا ينبغي أن تُقرَأ على أنها مجرد تحذير روتيني للرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب. إنه بيان واقعي، وهو أمرٌ لم يَدُر بعد في ذهن ترامب أو رؤوس الذين يحيطون به. لقد أعلن ترامب بشكل واضح بأنه يريد أن ينضم الى الجانب الروسي في هذه الحرب، في حين انه يعارض بشدة الجانب الإيراني. ولكن في عالم الواقع الحقيقي فإن موسكو وطهران هما الجانب عينه.
كان الرئيس الأميركي المُنتخَب غير متناسق بشكل واسع بالنسبة إلى كثير من سياساته طيلة فترة الحملة الإنتخابية الرئاسية والفترة الإنتقالية، لكنه كان متّسقاً وثابتاً بإصرار بالنسبة إلى سياسة واحدة. لقد عارض بشكل مطلق وقاطع التساهل مع الجمهورية الإسلامية، الذي إستمر على مدى السنوات الثماني الأخيرة من رئاسة باراك أوباما، حسب رأيه، حيث أُعطيت إلى حد ما دعوة مفتوحة لغزو الشرق الأوسط، على حساب مُحرِج للمصالح الأميركية.
لم يشجب ترامب فقط صفقة أوباما مع إيران وإعتبرها بأنها “واحدة من أسوأ الصفقات التي يجريها أي بلد في التاريخ”، حيث تعهّد إما تمزيقها أو إعادة التفاوض عليها، لكنه إختار كل أعضاء الأمن القومي في حكومته بشكل ملحوظ من الصقور ضد إيران.
على سبيل المثال، “الكلب المسعور” الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، قائد المارينز السابق الذي يحظى بإحترام كبير وإختاره ترامب لمنصب وزير الدفاع، قال لمعهد أبحاث في واشنطن في نيسان (إبريل) الفائت “إن من بين التحديات الكثيرة التي تواجه الشرق الأوسط، أعتقد أن إيران هي في الواقع الأهم … إن النظام الإيراني، في رأيي، هو التهديد الوحيد المستمر أمام تحقيق الإستقرار والسلام في الشرق الأوسط”.
النائب الجمهوري مايك بومبيو، وهو من أشد منتقدي الصفقة مع إيران والذي إختاره ترامب لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إي)، كان دعا في وقت سابق الكونغرس إلى “التحرك الفوري لوقف جميع شحنات النفط من إيران، وإعادة فرض العقوبات الإقتصادية عليها والطلب من حلفائنا القيام بذلك أيضاً”. كما ربط بومبيو “الخطة الشاملة المشتركة للعمل”، كما يُعَرَّف الإتفاق رسمياً، بالتوسع الإيراني، مشيراً إلى أنه لا يوجد في البروتوكول أي شيء يقيّد طهران بالنسبة إلى “إستمرار تمويلها للأنشطة الإرهابية، من “حزب الله” إلى “حماس”، ومن الحوثيين في اليمن إلى الميليشيات الشيعية في العراق”.
السفير جون بولتون، مرشح ترامب المُتوقَّع لمنصب نائب وزير الخارجية، يتفق مع ماتيس بأن إيران هي اللاعب الأكثر تهديداً وتدميراً في الشرق الأوسط ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك: إن تغيير النظام، قال للموقع اليميني “بريتبارت” (Breitbart) الشهر الماضي، هو “الحل الوحيد في المدى الطويل”.
وأخيراً، عيّن ترامب مستشاره للأمن القومي، الجنرال مايكل فلين المثير للجدل، الذي هو أيضاً من دعاة تغيير النظام في “الجمهوريات الإسلامية” المعادية للمصالح الأميركية، وقد ركّز على إيران في كتابه الأخير، “ميدان القتال: كيف نستطيع الإنتصار في الحرب ضد الإسلام الراديكالي”، كأول بين متساوين.
وكان فلين طُرِد من قبل أوباما من منصبه كرئيس لوكالة إستخبارات الدفاع في العام 2014 بعد خلافه مع البيت الابيض حول تصوّره الوردي لحالة “الجهاد” العالمي، التي كانت في حينه نقطة الحديث الساخنة. الآن يلوم رب عمله السابق على الإنسحاب العسكري من العراق، الأمر الذي سمح لتنظيم “داعش” أن يأخذ أكثر من ثلث البلاد، والتخلّي عن البقية لفيلق القدس الإيراني، الذي يقوده قاسم سليماني النشيط والمنتشر بشكل مفرط في كل مكان. كما إتهم أوباما بالترحيب بالعدو الإقليمي لأميركا في “إحتضان ديبلوماسي وإستراتيجي” ويستشهد بأدلة حكومية أميركية عن علاقات ايران التشغيلية لمختلف الجماعات الجهادية السنية المسؤولة عن قتل أميركيين؛ ليس فقط أبو مصعب الزرقاوي مؤسس تنظيم “القاعدة” ووليده “داعش” في العراق، ولكن أيضاً حركة طالبان في أفغانستان.
لكن فلين هو ناشزٌ في هذا الفريق غير المتنافس في ناحية حاسمة: نظرته إلى التقرب من موسكو، الأمر الذي أثار دهشة الأوساط المحافظة. لقد جلس إلى جانب فلاديمير بوتين في حفل الذكرى العاشرة لقناة التلفزيون الحكومية الروسية “آر تي” في العام الماضي، ومصادر مُقرَّبة منه، تحدثت للصحيفة الإلكترونية “ديلي بيست”، شهدت على وجهة نظره التي تفيد بأن روسيا يجب أن تجلس على الطاولة الأميركية للمساعدة على هزيمة ما يسمى “الخلافة”. ولكن مع أنه يعترف في كتابه ما ذكره رحيم صفوي بشكل واضح؛ لجميع النوايا والأهداف، فإن “قوات القدس” و”حزب الله” والروس يحتضنون ديبلوماسية وإستراتيجية خاصتين بهم في العالم العربي.
وهنا يكمن تناقض التشغيل المركزي مثل خيط “أريادن” الذي يمتد في جميع أنحاء أهداف سياسة ترامب الخارجية القابلة للتمييز. لقد قال ترامب مراراً انه يريد العمل مع الأسد وبوتين، الذي أبدى إعجابه به، لهزيمة توابع “داعش” وأبو بكر البغدادي. (ناهيك عن أن الأسد وبوتين لا يمكنهما حتى إخراج قوات “الدولة الاسلامية” من المدينة القديمة تدمر، فهما مشغولان جداً في مقاتلة المعارضة غير الداعشية في المدن السورية الكثيفة السكان). كيف يريد ترامب أن يفعل ذلك وإحتواء وردع إيران في الوقت عينه؟
علاوة على ذلك، حتى انه لو بمعجزة إقتنع بوتين بمساعدة الولايات المتحدة للقضاء على الجهاديين السنّة ودحر التنظيمات الشيعية التي تسيطر عليها إيران، فهل سيكون رئيس روسيا قادراً على ذلك؟
لقد أثبتت ال24 ساعة الماضية بأنها مفيدة بالنسبة إلى مدى الفوضى التي يمكن أن تولّدها إستراتيجية متناقضة من الإسترضاء والعداء في التعامل مع تحالف الأسد.
أُعلن وقف إطلاق النار في حلب ليلة الثلاثاء (13/12/2016) وإنهار في وقت مبكر من صباح اليوم التالي لتتم إعادته مبدئياً ليل الاربعاء. لقد توسطت في هذا الإتفاق حصراً تركيا وروسيا وتم إنتهاكه، حسب معظم المعلومات، من قبل نظام الأسد والميليشيات التي تقودها إيران. وقد إستؤنف قصف الأحياء المدنية يوم الأربعاء، ورفضت الميليشيات التابعة لإيران السماح لقافلة إخلاء طبية الدخول إلى المدينة، مطالبة أولاً بإجلاء الجرحى من الفوعة وكفريا، وهما قريتان شيعيتان صغيرتان تم إستهدافهما ومحاصرتهما من قبل الثوار.
لم تكن دمشق ولا طهران طرفاً في المفاوضات التركية-الروسية، لذا فإنهما أعادتا كتابة بنود الإتفاق الناتج بالنار والحديد.
وجاءت أولى علامات إنهيار وقف إطلاق النار الأول فوراً بعد التوقيع على الإتفاق، وفقاً لفاروق أبو بكر، مسؤول المتمردين في المفاوضات وأحد الموقعين على إتفاق وقف إطلاق النار مع ممثلي روسيا والنظام. قال لتلفزيون المشرق الموالي للمعارضة أن المتمردين نقلوا بعض الجرحى إلى معبر في حلب، التي تسيطر عليها الحكومة، ولكن عناصر الميليشيات الشيعية منعتهم من الدخول عند نقطة تفتيش. وتكرر المشهد نفسه عند نقطة تفتيش ثانية كذلك.
ثمانون ألف أو أكثر من المدنيين لا يزالون عالقين في المنطقة المقصوفة مع عدم وجود غذاء تقريباً، ولا كهرباء ولا تدفئة، وهناك عدد هائل من الجرحى ينتظرون إجلاءهم – وغيرهم لا يزالون باقين تحت الأنقاض. وأعلن وقف إطلاق النار الثاني ليل الأربعاء – الخميس (14 – 15 / 12)، ولكن لم يكن هناك من يضمن أن هذا سوف يثبت أو يختلف عن سابقه. (لكن يبدو أن الدفعة الأولى من عملية الإجلاء، وفق الإتفاق الثاني، المؤلفة من 951 شخصاً، بينهم أكثر من 200 مسلح، و108 جرحى، بينهم أيضاً مسلحون، وصلت الى منطقة الراشدين الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حلب الغربي يوم الخميس، وإعتبرها المتابعون علامة جيدة لتطبيق الإتفاق بكامله).
من جهتها فإن حكومة ترامب المنتظرة ليست بالضرورة على خطأ في تقييمها لإيران وتطاولها وضررها في المنطقة، على الرغم من أنها، من الغريب، لم تستخدم الكارثة في سوريا لإثارة هذه النقطة في الآونة الأخيرة.
وأفاد مسؤولون في إدارة أوباما أخيراً بشكل واضح بأن سعيهم المنفرد إلى إتفاق نووي مع طهران كان سبباً رئيسياً لعدم رغبتهم في مزيد من المشاركة في الحرب الأهلية السورية إلى جانب المعارضة. إن سقوط حلب هو نتيجة مباشرة لهذا الخيار. إن إحترام “الأصول الإيرانية” في بلاد الشام، كما صاغها أوباما نفسه، كان جزءاً لا يتجزأ من التسوية السياسية البعيدة المنال التي طالما سعى طويلاً إليها للصراع الذي يبلغ من العمر خمس سنوات ونصف السنة، والتي تشمل، وليست إختياراً، معركة مع قاسم سليماني والموافقة على عدد من المحادثات بين جون كيري وسيرجي لافروف في سويسرا.
إن “الأصول الإيرانية” تطلق الرصاص على النساء والأطفال في شوارع حلب في حين تعمل القيادة المركزية الأميركية كما لو انها حليف واقع لها في الحرب الجارية ضد “داعش” في العراق.
السخرية قد تكون في سياسة ترامب الخارجية. رغم جميع تبجحاته كمرشح وإدانته لتواصل أوباما مع أعداء أميركا، الإيرانيين، فإن نهجه المرتبك والمضطرب بالنسبة إلى الجغرافيا السياسية قد ينتهي به إلى فعل بالضبط ما حاول سلفه فعله. ويفشل أيضاً.
• مايكل ويس هو محرر في الصحيفة الإلكترونية الأميركية “ديلي بيست” والمؤلف المشارك لكتاب: “تنظيم “الدولة الإسلامية”: داخل جيش الإرهاب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.