كرئيسة للجمهورية، كلينتون ستتبنّى سياسة خارجية أكثر حزماً
بقلم حسين إيبش*
مع أقل من ثلاثة أسابيع لإجراء الإنتخابات الرئاسية الأمبركية، يؤكد معظم المراقبين الموثوقين أن المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون سوف تفوز. لذا من المعقول أن نبدأ النظر في ما قد تعني إدارة كلينتون للعلاقات الدولية، وخصوصاً من وجهة نظر عربية.
كانت كلينتون وزيرة الخارجية لباراك أوباما خلال ولايته الأولى، وهناك تداخل قوي في مواقفهما السياسية. ولكن الإثنين يتصوّران العلاقات الدولية بطرق مختلفة لافتة.
لقد تأثّر أوباما بشدة بحرب العراق التي حدثت في العام 2003 ونتائجها. هذا الفشل الذريع، وما صاحبه من كارثة بناء الأمة في أفغانستان، أقنعاه والعديد من المُقرّبين له بأنه، في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص،إن التدخل المسلح هو أمر غير مثالي دائماً وعرضة لتوريط واشنطن في مستنقع.
من جهتها، مع ذلك، فقد عرفت كلينتون الديبلوماسية في نهاية الحرب الباردة. وعلى الرغم من أنها تُدرك جيداً أن الرأي العام الأميركي يُعارض بشدة أي إرتباطات عسكرية غير ضرورية في الشرق الأوسط، وتشارك في هذا الحذر، فإن لديها نظرة أكثر “صلابة” وصرامة من أوباما. إن إطارها المرجعي في هذا المجال يتضمن حملات عسكرية أميركية ناجحة نسبياً مثل تحرير الكويت والتدخل في كوسوفو. وهي تعتقد بأن القوة العسكرية الأميركية، إذا تم تطبيقها بشكل صحيح ومع أهداف محدودة، فإنها يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي في الحقائق الدولية من دون أن تُسفر عن إلتزامات لا نهاية لها وغير مُثمرة.
بينما بالتأكيد لن تكون هناك أية عودة إلى النزعة العسكرية غير العقلانية التي إتبعتها إدارة جورج دبليو بوش، فإن كلينتون ربما تُطوّر سياسات زوجها وسلفه، جورج بوش الأب. وهذا يستتبع بالضرورة التوازن بين الإعتراف والإستفادة من التأثير المُحتمَل للقوة الأميركية، مع الإعتراف بحدودها.
هذا التوجه يفسّر ويوضّح لماذا أرادت كلينتون من إدارة أوباما إعتماد نهج أكثر نشاطاً في سوريا، ودعمت إنشاء مناطق لحظر الطيران وبرامج أوسع بكثير لتسليح الجماعات المتمردة. وبالتالي من المحتمل جداً إعادة تقييم سياسة سوريا بشكل جدي بعد تنصيبها.
ولعل أشدّ خلاف محدّد بينهما هو على عدم تنفيذ أوباما تهديده عندما وضع “الخط الأحمر” بشأن إستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري. قالت كلينتون أنه عندما تتبنّى واشنطن مثل هذا الخط الأحمر، يجب أن تنفذه لتجنّب إلحاق أضرار جسيمة على مصداقية الولايات المتحدة. ويعارض أوباما ذلك بقوله أن القيام بعمل عسكري لإثبات الإستعداد للقيام بذلك هو “أسوأ حجة” لإستخدام القوة.
فرقٌ آخر واضحٌ بينهما هو موقفاهما المُختلفان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أوباما لديه القليل من الإحترام والإعتبار لبوتين، على عكس دونالد ترامب الذي يبدو أنه يُثني على “فتوة” وحكمة الكرملين. ولكن إدارة أوباما، على الرغم من ذلك، لم تبذل جهداً يُذكر لمواجهة المغامرات الروسية في أوكرانيا وسوريا.
كلينتون، على النقيض، يبدو أن لديها نفوراً عميقاً وشخصياً ضد بوتين وشعوراً أقوى بالتحدي الكبير الذي تشكله روسيا للولايات المتحدة دولياً. وما من شك أنها لن تسعى إلى صراع مفتوح مع موسكو. لكنها تريد أن تُعلِم بوتين بوضوح أنه يتعامل مع بيت أبيض أكثر حزماً.
أفضل فرصة للقيام بذلك بطريقة ذات مغزى ربما لن تكون في سوريا، ولكن في مكان أقرب إلى موسكو، في أوكرانيا والقرم أو دول البلطيق.
مع ذلك، إذا إعتُبِرَت هذه المبادرة إستفزازية جداً أو خطيرة، فمن الممكن أن المواجهة في سوريا يمكن أن تخدم الغرض عينه. وإن إعادة تأكيدٍ ناجح لدور دولي أميركي إستباقي في أوروبا الشرقية من شأنه، عاجلاً أم آجلاً، أن يكون له تأثير كبير في الوضع في سوريا من طريق تحويل إنتباه وإهتمام روسيا، معلنةً أن صبر واشنطن مع المغامرة الروسية قد إنتهى، وعلى الجميع تغيير حساباتهم.
روسيا وحلفاؤها الرئيسيون، لا سيما إيران، يبدو أنهم يدركون جيداً إمكانات موقف أكثر حزماً من الإدارة الأميركية الأتية.
إن الحملة الوحشية الصادمة لإحتلال حلب من قبل النظام السوري، بدعم قوي من طهران وموسكو، في حين أن أوباما لا يزال في البيت الأبيض، هي مثالٌ واضح. كما هي الاعتداءات المتكررة على السفن الحربية الأميركية من قبل المتمردين الحوثيين أو حلفائهم في اليمن، والتي تجعلها مُبرَّرة من المنظور الإيراني، لا سيما إذا ما سعت طهران إلى جعل نفسها على أنها عنوانٌ للمفاوضات التي يمكن فعلاً إنهاء الصراع المزعج.
ينبغي أن تكون دول الخليج متفائلة بحذر. لقد دعا هذا العام، كبير مستشاري هيلاري كلينتون في السياسة الخارجية، جيك سوليفان، إلى “إستراتيجية أميركية أكثر فعالية في الشرق الأوسط”، وتحديداً من طريق “رفع التكاليف على إيران لسلوكها المزعزع للاستقرار، و… رفع ثقة الشركاء السنة في أن الولايات المتحدة ستكون هناك”.
إن دول الخليج العربية لن تحصل على كل ما تريد من إدارتها، ولكن كل الدلائل تشير إلى تحسّن واضح خليجياً من البيت الأبيض في ظل هيلاري كلينتون.
• حسين إيبش هو كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربي في واشنطن