آلة الأسد تجعل التغيير السلمي غير ممكن

دمشق – محمد الحلبي

بينما كان هناك الكثير من التكهنات حول النوايا الروسية تجاه بشار الأسد، فليس هناك الكثير من المعلومات عن الكيفية التي ينظر بها المسؤولون الإيرانيون إلى مستقبل الرئيس السوري. ومع ذلك، في مقابلة أُجريت أخيراً في جريدة “الأخبار” اللبنانية، المُتعاطفة مع “حزب الله”، قدّمت بعض المؤشرات.
أُجريت المقابلة مع المسؤول الإيراني النافذ، علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية السابق ومستشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حالياً. في المقابلة، قال ولايتي أن رحيل الأسد من منصبه كان “خطاً أحمر” بالنسبة إلى إيران، قبل أن يضيف بأن روسيا تحوم حول الرأي القائل بأنه لم يكن هناك “أي بديل” من الرئيس السوري.
كشفت الملاحظات أنه حتى إذا كانت روسيا مستعدة للذهاب مع محادثات جنيف التي تهدف إلى تنظيم عملية إنتقال بعيداً من الأسد كهدف نهائي، فإن إيران لديها موقفاً آخر. أما بالنسبة إلى إدّعاء ولايتي بأن روسيا تُدرك أن إيجاد بديل من الرئيس السوري غير ممكن، فإن القليل جداً من سلوك موسكو قد أثبت على أنه على خطأ.
إنه رأي وتَمنٍّ، لا سيما بين المسؤولين الغربيين الذين يتعاملون مع سوريا، حَسَبَ أن فلاديمير بوتين له مصلحة في تنفيذ إتفاق جنيف، لأنه يواجه عقوبات إقتصادية بسبب أوكرانيا وإنخفاض عائدات النفط. بوتين قد يدفع بإيران نحو قبول عزل الأسد، يضيف الرأي، لتحسين موقف روسيا دولياً.
لقد أثبت ولايتي بأن أولئك الذين يحملون هذا الرأي هم على خطأ. نظراً إلى أن إيران وليست روسيا، هي التي أكثر إنخراطاً على الأرض في دعم نظام الأسد، فإنه لا بدّ من إيلاء تصريحاته إهتماماً وإعتباراً. إن طهران وموسكو تنسّقان حول سوريا، ولكن هذا هو على وجه التحديد لماذا لا يريد أيٌّ منهما، وليستا على إستعداد، لتنفيذ إتفاق جنيف إذا كان سيؤدي إلى إنهيار مفاجئ للنظام الذي قضتا خمس سنوات تدافعان عنه.
وقد يكون ولايتي على حق في شيء آخر. حتى لو أن روسيا تودّ أن ترى رحيل الأسد وضمان ما بعده، ربما إستنتج بأنه لا توجد وسيلة للإستغناء عنه من دون إسقاط الصرح الأمني الذي تريد الاحتفاظ به في المكان.
يستفيد الأسد من نظام أسّسه والده حيث يجلس الرئيس في وسط دولة، في الواقع، قد غيّرها وأزاحها. كان إهتمام حافظ الأسد الأساسي عند إستيلائه على السلطة بإنقلاب في العام 1970 بأن يجعل نظامه قوياً وثابتاً ضد الإنقلابات. ولكن ما أنتجه حقاً كان جسماً قام فيه الرئيس بدور القلب والدماغ معاً.
وقد جعل هذا “الخلق الوحشي” التغيير السلمي في سوريا شبه مستحيل. هناك الكثير من الأشخاص الرئيسيين المرتبطين بالنظام الذين سوف يخسرون كثيراً من رحيل الأسد لقبولهم تحويل ولائهم عن طيب خاطر لشخص آخر. بدلاً من العمل مع إنتقال السلطة، فإنهم إما يسعون إلى منعه أو، إذا فشلوا، البحث عن وسيلة لإنقاذ جلودهم.
بعبارة أخرى إن الناس الذين سوف تعتمد عليهم روسيا وإيران لإقامة نظام ما بعد الأسد للدفاع عن حصصهما في سوريا ربما سوف يتخلون عن كل أمل إذا ضغطت موسكو وطهران على الرئيس السوري للتنحي. هذا يبدو واضحاً على نحو متزايد، ويفسّر لماذا كانت روسيا داعمة لجهود نظام الأسد لتقويض عملية جنيف ومتابعة التطورات العسكرية في الداخل.
في الواقع، لم يمارس الروس في أي نقطة في الأشهر الماضية ضغوطاً حقيقية على الأسد. يمكن أن يكون ذلك الإعلان عن سحب قواتهم العسكرية من سوريا محاولة لرفع الحرارة على النظام السوري. ولكن هذا ما لبث أن تناقض بعد فترة قصيرة بالحقيقة أن الجيش الروسي لا يزال ناشطاً في البلاد، حيث ساعد في الاستيلاء على تدمر، وهو النصر الذي عزز سمعة الأسد في الغرب.
لم يُظهِر الروس أي إستنكار من تنظيم الرئيس السوري لإنتخابات تشريعية أخيراً – في محاولة تهدف إلى التأكيد على أن أهداف جنيف ليست ذات صلة.
في الواقع، إن الفكرة التي تقول بأن بوتين يسعى إلى تنحية الأسد لا تستند على حقائق كثيرة، والكثير من الناس، سمح لنفسه أن ينخدع في هذا الشأن.
ومع ذلك، ما هو لافت حقاً هو السخرية التي لا مثيل لها من الراعي المزعوم الآخر لمؤتمر جنيف. لقد سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز وقف اطلاق النار في سوريا، بحجة أن هذا من شأنه إحياء محادثات جنيف.
ومع ذلك، فإن وزير الخارجية الأميركية جون كيري يستطيع أن يرى أن العملية لا معنى لها طالما ترفض روسيا إقناع الأسد بالتنحي.
ربما يفترض كيري أنه من الأفضل “العمل مع ما لدينا فعلياً” بدلاً من الإعتراف بالهزيمة والسماح لسوريا إلى الإنجراف إلى مزيد من العنف. على الأقل إن وقف إطلاق النار، أينما وحيث يطبّق، يمكن أن ينقذ حياة البعض. عندما تعمل مع رئيس يقول بأنه فخور بعدم التدخل في سوريا في العام 2013، والذي كان أيضاً سينقذ حياة كثيرين، فإن مثل هذا التفكير المتناقض يصبح مشترك في الكآبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى