الخطأ الفادح لمجلس الإحتياطي الفيديرالي
واشنطن – محمد زين الدين
قد يُسجَّل القرار الذي إتخذه البنك المركزي الأميركي في 16 كانون الأول (ديسمبر) 2015 على أنه واحد من أخطاء السياسة المالية الأكثر ضخامة في التاريخ. كانت الأسواق المالية تتوقع بعصبية بأن يرفع مجلس الإحتياطي الفيديرالي في الولايات المتحدة أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عشر سنين – ولكن قلة كانت تدرك عدم كفاية البيانات التي قادت القرار.
لم يبادر بنك الإحتياطي الفيديرالي الأميركي أبداً إلى دورة تضييق عندما كان قطاع الصناعات التحويلية ينكمش. وعلاوة على ذلك، فقد بدأت الشركات المُقترضة الأميركية خفض ديونها، وفقا ل”مورغان ستانلي”. في الدورات السابقة، كان البنك المركزي يضيّق لكي يبرّد دورات الإئتمان.
بطبيعة الحال، فإن بنك الإحتياطي الفيديرالي ليس مُلزَماً بإتباع أي أهداف إقتصادية أكثر من ولايتيه الرسميتين: إستقرار الأسعار وزيادة التوظيف إلى أقصى حد. في أواخر العام 2012، عندما تم إطلاق جولة ثالثة من التيسير الكمي، كان معدل البطالة 7.8 في المئة. ولا بد من أن المراهنة بدت آمنة للإلتزام بوقف التخفيف (التيسير) عندما إنخفض المعدل إلى 6.5 في المئة. لقد كانت آمنة، إلّا أن الهدف قد تحقق في وقت أسرع حيث لم تكن فيه الأسواق مستعدة للتخلي عن حوافزها الخاصة.
لم يكن من قبيل المصادفة أنه في النصف الأول من العام 2014 كشف بنك الإحتياطي الفيديرالي النقاب عن مؤشر تتبع مهمته إلتقاط أفضل لصحة سوق العمل. يشتق مؤشر ظروف سوق العمل من مؤشرات تتضمن مقاييس غامضة مثل المعيار الصغير الذي تفضّله جانيت يلِن، رئيسة مجلس الإحتياطي الفيديرالي: نسبة العاملين الذين إستقالوا طوعاً في شهر معيَّن.
في آب (أغسطس) 2015، مع هبوط معدلات البطالة إلى 6 في المئة فقط، تحدثت يلِن في ندوة محافظي البنوك المركزية في جاكسون هول، في ولاية “وايومنغ”، وأوضحت أنه على الرغم من أن سوق العمل قد تحسّنت في العام الماضي، فإن المؤشر يقترح بأن “الإنخفاض في معدل البطالة خلال هذه الفترة بَالَغ إلى حد ما بالنسبة إلى التحسن الحاصل في الأوضاع العامة في سوق العمل”. بعبارة أخرى، إعطاء الحافز والتيسير الكمي المزيد من الوقت.
بعد فوات الأوان، عدد قليل جادل بأن بنك الاحتياطي الفيديرالي فوّت وأضاع فرصة لرفع أسعار الفائدة في العام 2014. ومما لا شك فيه، بأن تشديد السياسة في تلك المرحلة كان سيخلق آثاراً جانبية فوضوية خاصة. مع ذلك، فإن الفوائد كانت ستكون كبيرة.
أولاً، على سبيل المثال، قد لا تكون أسعار السلع الأساسية إرتفعت جداً أو سريعاً جداً من دون الأموال الرخيصة المتدفقة من الولايات المتحدة إلى الأسواق الناشئة. كما أن أسعار العقارات في جميع أنحاء العالم قد لا تكون مُزبدة ومُربحة لو أن المستثمرين لم يلجأوا إلى القطاع بعيداً من التقييمات المحفوفة بالمخاطر في أسواق الأسهم والسندات. و “هشة” لن تكون الآن الكلمة لوصف الأسواق المالية والإقتصادات في جميع أنحاء العالم. لقد توضّحت هذه الهشاشة جيداً في آب (أغسطس) الفائت بعد تخفيض بكين الضئيل لقيمة عملتها الذي كشف المخاطر النظامية التي تغلي تحت السطح في الأسواق العالمية المترابطة بشكل معقد.
وقد أثبت التاريخ مراراً وتكراراً أن بيانات سوق العمل هي المؤشرات الأكثر تخلفاً والأقل تنبؤاً. في الحالة الراهنة، إن بيانات تقرير الوظائف في كانون الأول (ديسمبر) 2015 في أميركا هي أيضاً مُضلّلة، نظراً إلى عدم وجود الدخل الذي يتم توليده لدفع الإستهلاك. إن النسبة الضئيلة 3 في المئة من فرص العمل في كانون الاول (ديسمبر) الفائت كانت من نصيب أولئك الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 55 سنة، مع ذهاب الباقي إلى الأفواج التي تميل للعمل بدوام جزئي مقابل أجر أقل.
لمؤشر أكثر إستشرافاً للمستقبل، يقوم جوناثان باسيلي من المجموعة الأميركية الدولية “إي آي جي” بدراسة إستقصائية لجامعة ميشيغان عن توقعات بطالة الأسر. وتشير أحدث بياناته بأن 29 في المئة يتوقعون إرتفاع المعدل في غضون عام – وهي أسوأ توقعات منذ أيلول (سبتمبر) 2014.
في الوقت عينه يبدو أن سوق السندات لا ترى ظلالاً رمادية في البيانات؛ فهي تتحوّل بسرعة من تسعير مرتفع واحد هذا العام نحو تسعير يأخذ في الإعتبار إمكانية التحرك المقبل لخفض الفائدة، وكل هذا يشكل سخرية من إصرار مجلس الإحتياط الفيديرالي بأن هناك أربعة إرتفاعات لأسعار الفائدة يريد تمريرها في العام 2016.
مع ذلك، أخذ مسؤولو مجلس الإحتياطي الفيديرالي بتليين لهجتهم على عدد المرات التي سيرفع فيها معدل الفائدة هذا العام. “لا تحارب مجلس الإحتياطي الفيديرالي” – فكرة أن الأسواق تستفيد في نهاية المطاف من قراراته – أصبحت كليشيهات. والحقيقة هي أن البنك الفيديرالي الأميركي لم يتجرأ أبداً على محاربة الأسواق.