مئوية “ملوك العرب” في اللبنانية الأَميركية

في سلسلة اللقاءات التي تُجريها الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) لمناسبة مئويتها هذا العام (1924-2024)، نظّم “مركز التراث اللبناني” فيها ندوة سداسية الأَصوات عن كتاب أَمين الريحاني “ملوك العرب” لمناسبة مرور 100 عام على صدوره (1924-2024).

رسالتان

افتتح الندوةَ مديرُ “المركز” الشاعر هنري زغيب فقرأَ رسالة من رئيسة “مؤَسسة أَمين الريحاني في الولايات المتحدة الأَميركية” السيدة مي الريحاني إِلى رئيس الجامعة الدكتور ميشال معوَض، جاء فيها: “نهنئُكم على العيد المئوي لجامعتكم العريقة التي باتت اليوم صرحًا علْميًّا عريقًا يفخر به لبنان والعالم العربي، وعلى احتفائكم بالذكرى المئوية لكتاب “ملوك العرب” الذي فيه أَول دور عربي كبير للبنان الكبير باتجاه العرب ووحدة كلمتهم ومستقبلهم. واحتفالكم اليوم لفتة بارزة من قلب لبنان إِلى قلوب العرب منذ مئة عام…”.  ثم قرأَ زغيب رسالة جوابية من رئيس الجامعة إلى السيدة الريحاني، وفيها: “شكرًا على رسالتك النبيلة، وأَودُّ التأْكيد على أَنَّ جامعتَنا التي تتفرَّد بين جميع جامعات لبنان بإِنشائها مركزًا خاصًا بإِحياء تراث لبنان، إِنما تؤْمن بأَن أَجيالنا الجديدة لن تجد بوصلة الوطن إِلَّا حين تَطَّلِعُ على ما فيه من عطايا حضارية، وعلى مَن فيه من أَعلام حملوا لبنان في قلوبهم وأَقلامهم وزرعوه أَرزًا مباركًا في أَرضه وأَينما حلوا في أَوطان العالَم”.

درباس: العرب قبل الملوك

المداخلة الأُولى كانت للوزير السابق رشيد درباس حول “العرب قبل الملوك”، وفيها: “ذهب أَمين الريحاني إِلى جزيرة العرب ليستطلع أَحوالها من ملوكها، فاكتشف أَن معظمهم لا يعرفون أَبعد من حدود مَشْيَخاتهم، وليس منهم من سرح في ربوع العرب كلها، وليس فيهم من يستطيع أَن يقول إِنه يعرف بلاد العرب وسكانها وحكامها وقبائلها وأَحوالها. ثم عاد من رحلاته، بل من مغامراته المتقشفة والخطرة، وعانى ما عاناه من تعب ومرض، بعد أَن طرح شباك الشغف في الخلجان والبدو والحضر، ليعود لنا بهذه الحصيلة الغنية التي يرجع له الفضل في صيدها لأَنه راح يستقصي ويصول ويجول في سبيل المعرفة الميدانية فكان أَمر العرب بالنسبة له، قبل الملوك لأن كثرتهم لم تكن تكترث لما يجري في جوارها”.

وختَم: “أَقترح على مركز التراث اللبناني وإِدارة الجامعة تجزئة فصول “ملوك العرب” إِلى كتب مستقلة ليسهل تناوُلُها أَمام قراء العربية تعميمًا لفائدة هذا الكتاب الفذ الذي حبَّره أَمين الريحاني، فجلا بالبصر والبصيرة والصبر والحكنة حالة جزيرة العرب، يدفعه إِلى ذلك حب العرب قبل ملوكهم، فلما قاربهم اكتملَت أَمامه هذه الصورة التي رسمها منذ مئة عام، والتي تستحقُّ أَن تُجَزَّأَ إِلى صوَر كثيرة تُخرجها من الهجوع في المكتبات إِلى التداول بين القراء”.

أَسمهان الياس: الرؤْية الإِصلاحية

المداخلة الثانية كانت للدكتورة أَسمهان عيد الياس حول “رؤْية الريحاني الإِصلاحية”، وفيها: “القومية هي الفكرة المركزية في كتاب “ملوك العرب”، وفي رؤْية الريحاني الإِصلاحية، وتقوم على محاربة الطائفيّة وتقديس العروبة. لذلك حارب الطائفيّة داعيًا إِلى الوحدة العربيّة وإِلى توحيد الصفوف. فالوحدة عنده مصدَر قوة العرب وعماد مستقبلهم ومحور نضالهم، فلا حياة للشعوب الصغيرة الا بالاتحاد والتعاون والتضامن. ويرى أَن الأُمة العربيّة تمتلك من هذه المقومات الرصيدَ الكبير، فهي تتقارب في اللغة الواحدة والآداب الواحدة والعادات والتقاليد الواحدة إِلى جانب الأَحوال السياسيّة الواحدة”.

وختمَت: “لا بد ختامًا من سؤال: ما الذي تحقق من مشروعات الريحاني الإِصلاحيّة النهضويّة؟ أَمام هول انتظار سايكس بيكو جديد للمنطقة، فالعرب يحتاجون إِلى شجاعة الريحاني وفكره الحر الإِصلاحي، فتكون لنا أَوطانٌ تُحتَرم حدودُها، ويشعر بالعزّ حكامها، ولا يُهاجر أَبناؤُها، ولا يُحتقر فقيرها، ولا يُقتل حرّها، ويكون الدِين فيها عامل بناء وحب لا عامل عنف وكراهية”.

درنيقة: الإِصلاح السياسي

الدكتورة إِيمان درنيقة تناولت من الكتاب المعاهدات الدولية والإِصلاح السياسي، ومما قالت: “أَدرك الريحاني أَهمية الأُمة العربية حضارة وتاريخًا، وأَراد أَن يعيد إِلى ذلك الوجه العربي المشرق صورتَه الحقيقية لتسطع من جديد على مسرح التاريخ، وكان هدفه الإِعلاء من عزّة العرب ووحدتهم، ودرء طمع الطامعين عن الأُمة ورتق التصدُّعات في العلاقات بين ملوك العرب ومحاربة الجهل والظلام، وكانت طائفته طائفة الوطن القومي”.

وختمَت: “اهتم الريحاني بالسياسة ومنَحها كل إِدراكه وتفكيره انطلاقًا من أَنه لا سبيل إِلى بعث النهضة العربية إِلَّا عن طريق توحيد كياناتها المتعددة. لذا تحولت  السياسة إِلى جزء من وجوده ، إِلى جزء من واقعه الذي لم يكن بالإِمكان أَن يتخلَّى عنه،  فكان هدفه الإِصلاح وجمْع الشمل وتوحيد ذات البَين. لذا أَكَّد الأَمين أَن الاستعمار بتقدُّمه العسكري والسياسي لا يقاوَم إِلَّا بامتلاكنا أَسباب القوة المادية والفكرية والسياسية. وعندئذ نستطيع أَن نقف في وجهه موقف الند للند لا موقف العاجز أَمام المستبد والمستكبر. فامتلاكنا لأَنفسنا ولمواردنا الاقتصادية يكفل لنا النصر ونستعيد حقوقنا المسلوبة ونحقق أَحلامنا للتضامن والوحدة”

درويش: المؤَسس عبدالعزيز.

الدكتورة زهيدة درويش جبور تناولت من الكتاب فصل مؤَسس المملكة عبد العزيز بن سعود، ومما قالت: “هوذا كتاب هادف ينبع عن رغبة لدى مؤَلفه في بلْورة الهوية العربية وتعزيز الانتماء العربي في مواجهة محاولات التغريب والتجهيل، وفي تعريف العرب بعضهم ببعض ملوكًا وشعوبًا، سعيًا إِلى المساهمة في التمهيد لوحدة عربية مرتجاة”. وأَضافت “كانت بين الرجلَين سمة مشتركة فكلاهما لا يأْخذ بالأَحكام المسْبَقة ويحرص على تكوين رأْيه الحر بناءً على الخبرة والتجربة. كما يدلّ موقف الملك عبد العزيز على ذكائه وثقته بنفسه وعلى متابعته لمجريات الأَحداث ولمواقف الريحاني منها، مما كان كافيًا لإِبعاد الشبهة عن هذا الأَخير وللترحيب به ضيفًا عزيزًا: “كيف نردّ من يبغي زيارتنا وهو من صميم العرب”.

وختمَت: “نعترف للريحاني بكبير الفضل في مساهمته الفعالة في التعريف بالجزيرة العربية عمومًا وبملوكها وأُمرائها خصوصًا، وما شهدَته من أَحداث وتطورات تاريخية في بداية القرن العشرين حين كان الاستعمار يرسم خرائط الدول، وذلك من خلال كتاب يجمع بين سلاسة الأُسلوب، ودقة الوصف، وجمال التعبير، وثراء المعلومات. هذا كتاب يظل يتمتع بالراهنية مهما طال عليه الزمن”.

غانم: لقاء الحقيقة والحرية

الدكتور غالب غانم تناول لقاء الحقيقة والحرية في الكتاب، ومما قال: “حذَّر الريحاني من تخبُّط بعض العرب في الحقيقة المشوَّهة أَو المطموسة أَو المجهولة، وحدَّث مضيفيه من الأَئمة والملوك عن أَنَّ الحقائق التاريخيّة تدلُّ على أَنَّ النهضات الخطيرة في الأُمم لا تنشأ بطفرةٍ أَو بقفزة، آملًا في أَن يوقِّعوا على معاهدة دبَّج نصّها بنفسه، وجعلها تُمتّن الأَواصر فيما بينهم، وتمهّد لعهودٍ من التفاهم والأُخوّة والوحدة المؤسّسةِ كلّها على “العلم والخبر اليقين” وعلى التحليل والتعليل، شأْنه في ذلك شأْنُ طلّاب اليقين وعلماء التاريخ”.

وختَم: “كان هذا الكتاب كشفًا عن حقيقة وحرّية قائمتين في واقع الجزيرة العربية، وبحثًا عن حقيقة وحرّية منشودتين في خاطر أَمين الريحاني. ثمّة وراء عدسة صاحبه ما هو أَبعد من التوصيف. عنيتُ الأَماني القابعة في باطنِ الأَسطر، أَو شريط الحلم الذي لم ينتهِ، أَو لم يبدأْ بعد”.

الريحاني: ملامح الوجوه والأرض

كلمة الختام كانت لأَمين أَلبرت الريحاني، ومما قال: “في الكتاب ملامح من الوجوهِ العربية، والأَخذُ بها، بدقةٍ فنية، وبَصَرٍ ثاقب، وبَصِيرةٍ متوهّجة، كثيرًا ما تنفُذُ من الشكلِ إِلى ما يوحيه الشكل، ومن الملمح إِلى الدلالة. والتوقُّفُ عند مشهديّاتِ الطبيعة وجمالاتِها، بوصفٍ حيّ، يِربطُنا مباشرة بمسأَلتين: العلائية الفلسفيّة الضامنة، والبيئة السياسية الحاضنة. والريحاني أَراد أَن يصحِّحَ ملامحَ الوجوه، ويُحَسِّنَها ويُجَمِّلَها، قبل أَن ينقٌلَها إِلى القارئ الغربي. هكذا شاء أَن يُلوِّنَ وجهَ الأرض، ويُوَشِيها ويُحييها، قبل أَن ينقلَ معالمَها وأَشكالَها وتضاريسَها إِلى قارئِهِ الأُوروبي والأَميركي”.

وختَم: “في سفْرِ ملوك العرب، تنيرُ الوجوه، وتُشرِقُ الأرض، لأَن قلمَ الريحاني مرّ من هنا، من قلب لبنان إِلى قلب العراق، وحلَّق قبل مئة عام فوق القممِ والشواطئ والمُدُنِ والصحارى العربيّة حتى المغربِ الأقصى، فتواصَلَت الواحاتُ الخضراء، وامتدَّت الرمالُ الذهبية على مَدادِ قَلَمِه، لينشرَ الريحاني مشروعَه النهضوي بين العرب أَجمعين، ولِنشهدَ اليومَ، بعد مئة عام، البدءَ بتنفيذِه معالمَ المدينةِ العظمى، والخطوطَ الرئيسة لمشروعِهِ، مشروعِ النهضةِ الفكريّة والحداثةِ الاجتماعيّة والقيامة الوطنيّة”.

أَيَّار الزجل

وتخلل الندوة عرضُ الأُغنية المصوَّرة “أَنا الشرق” لأَمين الريحاني من كتابه “هتاف الأَودية”، من لحن وجدي شيَّا وغناء لور عبس. وأَعلن مدير المركز هنري زغيب عن ندوة الشهر المقبل (13 أَيار) وهي سهرة زجل لإِعادة هذا الفن اللبناني إِلى الأَذهان بعدما وضعتْه منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالَمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى