اليسار في أميركا اللاتينية يُكافِحُ للرَدِّ على الحرب بين إسرائيل و”حماس”

بالنسبة إلى الحكومات اليسارية التي تفتخر باهتمامها بشكلٍ خاص بحقوق الإنسان، فإن ذبح المدنيين على أيدي مجموعة تمثل السكان الذين تتعاطف معهم، كان سببًا في خلق معضلات سياسية وكشف نقاط أخلاقية عمياء.

الرئيس الأسبق لبوليفيا “إيفو موراليس” يحمل علم فلسطين: الوضع اليوم يختلف

فريدا غيتيس*

ليلة الأحد الفائت، عندما كان الآلاف من الإسرائيليين لا يزالون مُختبئين في منازلهم خوفًا من مُقاتلي حركة “حماس” الفلسطينية، قام الناخبون الأرجنتينيون بتشغيل أجهزة التلفزيون لمشاهدة مناظرات المرشحين الرئاسيين قبل الانتخابات المقررة في 22 تشرين الأول (أكتوبر) في البلاد. ولم يكن من المستغرب أن الأحداث الدامية الجارية في إسرائيل كانت موضوعًا ساخنًا خلال المناظرة. ففي الأرجنتين يوجد عدد كبير من السكان اليهود الذين كانوا هدفًا لأشد الهجمات الإرهابية دموية في تاريخ البلاد. وتأكد مقتل ما لا يقل عن سبعة مواطنين أرجنتينيين في هجوم “حماس”، وما زال 15 آخرون في عداد المفقودين.

أعرب جميع المرشحين الرئيسيين من مختلف الأطياف السياسية عن دعمهم القوي لإسرائيل. وفي الواقع، لقد اختلفوا حول مَن منهم يتّخذ الموقف الأقوى. الليبرالي المتمرد خافيير مايلي إنتقد سيرجيو ماسا من جبهة التجديد التي تنتمي إلى يسار الوسط، وسأله كيف سينفذ سياساته الخارجية واليسار يضم “أشخاصًا يدعمون الإرهابيين”. وردّ ماسا، الذي يشغل منصب وزير الاقتصاد في الحكومة البيرونية اليسارية الحالية، قائلًا إنه يسعى إلى تصنيف “حماس” كمنظمة إرهابية.

إن التحالفَ السياسي الواضح بين ماسا وإسرائيل خلال هذه الأزمة، كما تصادف، يشكل استثناءً بين معظم الحكومات اليسارية الأخرى الموجودة في السلطة في المنطقة.

عندما وردت أنباءٌ عن تورّط  مقاتلي “حماس” في أعمالِ عنفٍ مروّعة ضد المدنيين الإسرائيليين، كان ردّ الفعل من العواصم الغربية مؤيدًا بالإجماع تقريبًا لإسرائيل. أدانت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا ونيوزيلندا “حماس” بشدة وأعربت عن دعمها لإسرائيل. وقد رددت العديد من الدول الأخرى هذا الشعور، من أوروغواي ــالتي يحكمها يمين الوسط حاليًاــ إلى سنغافورة. وكلما اكتشف العالم المزيد عن الفظائع، كبرت القائمة.

مع ذلك، بالنسبة إلى الحكومات اليسارية في أميركا الجنوبية، أصبحت المواجهة الجارية بين “حماس”، التي ينظرُ إليها البعض على أنها حركة تحرير للمضطهدين، وإسرائيل، الدولة التي يعتبرها البعض الآخر قمعية للغاية، مصدرًا للتوترات الداخلية، مع وجود بعض القادة الذين من الواضح  أنهم يكافحون من أجل تعديل استجاباتهم ويبدو أن آخرين سعداء بالجدل.

في تشيلي، موطن مئات الآلاف من الفلسطينيين، قامت إدارة الرئيس اليساري الشاب غابرييل بوريتش بمحاولاتٍ عدّة للرد. وأعلن وزير الخارجية ألبرتو فان كلافيرين أن استخدام القوة ضد المدنيين أمرٌ غير مقبول على الإطلاق، مُشدّدًا على أنَّ هذا ينطبق على “حماس” وإسرائيل. وعندما تعرّضَ بيانه للهجوم لأنه لم يدِن الهجوم الوحشي الذي شنته “حماس” على وجه التحديد، اضطرت المتحدثة باسم الحكومة كاميلا فاليجو إلى تهدئة المنتقدين، قائلةً إن فان كلافيرين لم يسعَ إلى الإشارة إلى التكافؤ الأخلاقي بين “حماس… وحكومة إسرائيل”.

عندما نشرت كارمن هيرتز، عضو الكونغرس عن الحزب الشيوعي على موقع X، تويتر سابقًا، أنَّ دعمَ القضية الفلسطينية لا ينبغي أن يمنع أي شخص من الإدانة بشكلٍ لا لبس فيه للمذابح وعمليات الاختطاف والإعدام التي ترتكبها “حماس” بحق المدنيين الإسرائيليين، بدا أن بوريك وجد التوجيه الذي كان يبحث عنه. وأعاد نشر البيان، وعلق قائلًا: “أوافق 100%”.

يوم الاثنين، أصدر بوريتش أخيرًا بيانه المطوّل، الذي أدان فيه تصرفات “حماس” وأضاف انتقادات مطوّلة لإسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين، بينما دعا إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وإذا كان بوريتش ناضل من أجل إيجاد موطئ قدم له، فإن الرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بيترو، وهو عضو سابق في جماعة حرب عصابات مسلحة، لم يواجه مثل هذه المتاعب. لقد ذهب بكل قوته ضد إسرائيل، وأطلق العنان لسيلٍ من القدح ضد الدولة اليهودية، مما أثار الذعر العميق لدى الجالية اليهودية في كولومبيا. وبدا أن بيترو كان مسرورًا بالجدل، فصعّد بشكل مطرد خطابه المناهض لإسرائيل، وشبّهَ الجنود الإسرائيليين بالنازيين، ورفض إدانة تصرفات “حماس” بأيِّ شكلٍ من الأشكال.

أثار خطاب بيترو اللاذع غضبًا في الداخل، ما أدّى إلى ردة فعل غاضبة من العديد من الجهات. وقالت إنغريد بيتانكورت، المرشحة الرئاسية السابقة وزعيمة حزب الأوكسجين الأخضر، إن بترو “يشعر بأنه قريبٌ” من الإرهابيين.

وعندما قام المخربون بتشويه السفارة الإسرائيلية في بوغوتا، ربطت رابطة مكافحة التشهير ومقرها الولايات المتحدة الهجوم بمنشورات بترو، وأدانت “هوس الرئيس بمعاداة إسرائيل وكلماته البغيضة”، وقالت إنها “تشجع أعمال معاداة السامية الجريئة”.

وفي أماكن أخرى من المنطقة، عكست ردود الفعل على الأزمة في الشرق الأوسط الانقسامات بين القادة اليساريين. وفي بوليفيا، حيث طُرِدَ الرئيس لويس آرسي للتو من الحركة نحو الاشتراكية، أصدرت وزارة الخارجية بيانًا أعربت فيه عن “قلقها العميق” إزاء أعمال العنف ودعت إلى السلام وحماية الأرواح البشرية.

وكان ذلك ردَّ فعلٍ غير مقبول على الإطلاق في نظر الرئيس السابق إيفو موراليس، الزعيم اليساري المتشدد الذي أنشأ الحركة نحو الاشتراكية وهندسَ الإطاحة بآرسي من الحزب حتى يتمكن من تمثيله في الانتخابات الرئاسية في البلاد في العام 2025. وبدا أن موراليس يوافق على تصرفات “حماس” ووصف بيان وزارة الخارجية بأنه دليل على أن حكومة آرسي يمينية.

في البرازيل المجاورة، عاد الرئيس اليساري لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إلى منصبه في الأول من كانون الثاني (يناير) حاملًا أجندة تتضمن تعزيز مكانة بلاده ونفوذها على الساحة العالمية. وبدا أن الأزمة توفر الفرصة لتسليط الضوء على تلك الطموحات، وخصوصًا أن البرازيل تتولى حاليا رئاسة مجلس الأمن الدولي.

في وقتٍ مبكر، دعت البرازيل إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن. وأصدرت وزارة الخارجية بيانا أدانت فيه حركة “حماس” وأعربت عن “تضامنها مع الشعب الإسرائيلي”.

اتخذ لولا نفسه نهجًا مُختلفًا. لم يُقدّم تضامنًا أو دعمًا لإسرائيل. بدلًا من ذلك، في منشور على موقع X، قال إنه “صُدِمَ من الهجمات الإرهابية ضد المدنيين في إسرائيل”، وأعرب عن تعازيه للضحايا ثم سعى إلى إيجاد مكان للبرازيل لمعالجة الوضع. وكتب أن “البرازيل لن تدّخر جهدًا لمنع تصعيد الصراع”، ودعا إلى استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وواصلت الأزمة ترددها في السياسة البرازيلية الداخلية. أعلن وزير الصحة السابق جان غورينشتين، الذي اشتهر بإحاطاته الإعلامية خلال جائحة كوفيد-19، أنه سيسحب دعمه ل”غييرموس بولس” (اللبناني الأصل)، المرشح الرئيس لمنصب عمدة ساو باولو، أهم مدينة في البرازيل، بعد أن أصدر بولس بيانًا ملتبسًا حيث أدان الهجمات بدون ذكر “حماس”.

كما واجهت الحكومات اليسارية الأخرى في الديموقراطيات العاملة في أميركا اللاتينية احتكاكات تتعلق بردّ فعلها على الأزمة البعيدة. أثار الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، أو “أملو”، انتقادات لرفضه إدانة “حماس”، قائلًا “نحن لا نريد الحرب” وأوضح أنه يتفهم موقف إسرائيل، لكنه من دعاة السلام.

بالنسبة إلى الحكومات اليسارية التي تفتخر باهتمامها بشكلٍ خاص بحقوق الإنسان، فإن ذبح المدنيين على أيدي مجموعة تمثل السكان الذين تتعاطف معهم، كان سببًا في خلق معضلات سياسية وكشف نقاط أخلاقية عمياء. ولعلّ الأهم من ذلك كله هو أن أصداء الأحداث التي وقعت في أميركا اللاتينية على بعد آلاف الأميال تُظهِرُ مرة أخرى المدى غير العادي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

  • فريدا غيتيس هي صحافية ومُعلّقة في الشؤون العالمية وتساهم بشكل منتظم في “سي أن أن” و”واشنطن بوست”. يمكن متابعتها عبر (x) أو تويتر على: @fridaghitis.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى