سِجِلُّ حقوقِ الإنسان في مصر يُلقي بظلالِهِ على مؤتمرِ تَغَيُّرِ المناخ “كوب 27”

رُغمَ أهمية مؤتمر الأطراف لتغيُّرِ المناخ المُنعقد في شرم الشيخ للإنسانية جمعاء، فإن قضايا حقوق الإنسان السيئة السمعة في مصر أفسدت أجواءه.

الرئيس عبد الفتاح السيسي: هل يصدر عفوًا رئاسيًّا بحق علاء عبد الفتاح؟

لينا الخطيب*

دَخَلَ مؤتمر الأطراف لتغيّر المناخ “كوب 27” الذي ترعاه الأمم المتحدة أسبوعه الثاني والأخير. لكن جدول الأعمال للفترة المُتَبَقِّية من المؤتمر، والذي يتضمّن مفاوضاتٍ رسمية لتوجيه العالم نحو خفض انبعاثات الكربون وزيادة التمويل للبلدان النامية والفقيرة التي دمّرها تغيّر المناخ، يُهدّد بأن تطغى عليه المخاوف بشأن سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان.

في الفترة التي سبقت الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، أثارت القيود التي فرضتها السلطات المصرية على مشاركة منظمات المجتمع المدني في القمة اهتمامًا دوليًا وانتقدها الكثيرون باعتبارها عقابية بلا داعٍ. كان بعض القيود رسميًا، بما في ذلك التأخير في معالجة التأشيرات ومُتَطلّبات الأعمال الورقية الواسعة، فضلًا عن طلبات السلطات المحلّية للحصول على البيانات الشخصية من المشاركين في المجتمع المدني الذين يسعون إلى الحصول على الاعتماد. كما طلبت السلطات المصرية من جميع مستخدمي التطبيق الرسمي “كوب 27” (COP27) تقديم بياناتهم الشخصية وتمكين تتبع الموقع، الأمر الذي أثار مخاوف بين المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان من أن الدولة المصرية تستخدم التطبيق للمراقبة.

وعززت قوات الأمن المصرية أيضًا الإجراءات الأمنية في شرم الشيخ، حيث تُعقَدُ القمة، وكذلك في القاهرة، فيما مَنَعَت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد خلال المؤتمر. كما أنشأت منطقة مُخَصَّصة في شرم الشيخ للمتظاهرين، على الرغم من أن الموقعَ بعيدٌ من مكان انعقاد المؤتمر والوصول إليه يتطلب التسجيل المُسبَق لدى السلطات المصرية.

كانت القيود الأخرى غير رسمية، مثل السعر الباهظ للإقامة في منطقة البحر الأحمر، والذي تجاوز ما يمكن لمنظمات المجتمع المدني المصرية تحمّله بشكلٍ عام. قبل القمة، أعلنت السلطات المصرية إلغاء فعاليات الجناح التي كان من المقرر عقدها في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) –اليوم الأول من قمة قادة المؤتمر—إلّا إذا شارك فيها رؤساء دول أجنبية. وقد أدى هذا بشكلٍ فعّال إلى اقتصار فعاليات يوم الافتتاح البارزة على تلك التي تُنظّمها الحكومات الأجنبية، بدلًا من المنظّمات غير الحكومية.

مُدَّعيةً وجود مخاطر أمنية غير مُحَدَّدة، قامت السلطات المصرية في القاهرة بإيقاف السكان علنًا للتحقق من محتوى هواتفهم المحمولة، بينما كان ضباطُ إنفاذ القانون في منطقة البحر الأحمر يقومون بإجراءِ عملياتِ تفتيشٍ عشوائية في المتاجر لفحص وثائق الهوية الرسمية للعمال. نظرًا إلى أنَّ العديد من العمال في منطقة البحر الأحمر يعملون في القطاع غير الرسمي أو لم يُكَلِّفوا أنفسهم عناء ترتيب أوراقهم، فليست لديهم تصاريح عمل تسمح لهم الحصول على بطاقة هوية رسمية. ونتيجة لذلك، أُجبِرَ الكثيرون على البقاء بعيدًا من منطقة البحر الأحمر ولن يتمكّنوا من العودة إلّا بعد انتهاء مؤتمر تغّير المناخ، ما يعني أنهم سيخسرون دخلهم طوال مدة المؤتمر.

وقد ردَّ البرلمان الأوروبي على هذه التقارير بإصدار قرارٍ في 20 تشرين الأول (أكتوبر) بأنه “أخذَ علمًا من عددٍ من منظمات المجتمع المدني التي أثارت مخاوف بشأن تهميش المجتمع المدني في مؤتمر الأطراف في مصر والعوائق التي تحول دون الاحتجاجات ومشاركة المجتمع المدني”.  ومضى القرار ليؤكد على أهمية مشاركة ممثلي المجتمع المدني في “كوب 27”.

في اليوم التالي لإصدار البرلمان الأوروبي قراره، أبلغ إيان فراي، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “إننا نرى العديد من المدافعين عن حقوق المناخ يتعرّضون للاضطهاد من قبل الحكومات والمنظمات الأمنية”.

لكن على الرغم من ردود الفعل هذه من المنظمات الدولية، فقد رفضت السلطات المصرية الدعوات لتخفيف القيود المفروضة على المجتمع المدني. في اليوم الأول من مؤتمر “كوب 27″، اكتشف المندوبون أن شبكة الإنترنت في المكان مُنِعَت من الوصول إلى العديد من مواقع جمعيات حقوق الإنسان والأخبار. منذ ذلك الحين، تم تنظيم احتجاج سياسي صغير واحد فقط في مكان انعقاد المؤتمر، في 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما حمل بعض النشطاء لافتات كُتِبَ عليها “لا عدالة مناخية بدون حقوق الإنسان”.

لم تكن اللافتات مجرد إشارة إلى معاملة القاهرة لنشطاء المناخ، ولكن أيضًا إلى حملتها على المعارضين والنشطاء السياسيين. وقد لاقى تدهور أوضاع صحة علاء عبد الفتاح على وجه الخصوص اهتمامًا عالميًا وانتقادات واسعة النطاق. وعبد الفتاح، وهو ناشط سياسي بارز منذ ما قبل الانتفاضات العربية 2011، حُكم عليه العام الماضي بالسجن خمس سنوات بسبب تغريدة في 2019 أشار فيها إلى وفاة سجينٍ سياسي كان مُحتَجزًا في ذلك الوقت في سجن طرّة بسبب التعذيب، وهو أمرٌ زعمت السلطات المصرية أنه خبر كاذب.

قبل بدء الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف بقليل، أعلن عبد الفتاح أنه سيُصَعِّد إضرابه عن الطعام منذ أشهر عدة إلى إضراب عن الماء. كانت عائلته تأمل في أن هذه الخطوة الدراماتيكية، التي تزامنت مع وصول رؤساء الدول الأجنبية إلى “كوب 27″، ستَجذُب تعاطفًا عالميًا وتُوَلِّد احتجاجًا عامًا من شأنه أن يضمن إطلاق سراحه. تحدث العديد من السياسيين الغربيين، بمن فيهم مسؤولون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، دفاعًا عنه. لكن على الرغم من حصوله أخيرًا على الجنسية البريطانية المزدوجة، فقد مُنع عبد الفتاح من زيارةٍ قُنصليّة، حيث تدعي السلطات المصرية أن الإجراءات الرسمية لتجنيسه البريطاني لم تنتهِ بعد.

كما دعت ألمانيا شقيقة عبد الفتاح، سناء سيف، للتحدث إلى جانب مدافعين مصريين ودوليين عن حقوق الإنسان في جناح “كوب 27” في البلاد يوم 8 تشرين الثاني (نوفمبر). وقد توقف هذا الحدث لفترة وجيزة عندما قام النائب المصري عمرو درويش بمضايقة سيف، وبعد ذلك قام حراس أمنيون تابعون للأمم المتحدة بإخراج درويش من الجناح. بعد ذلك اندلع احتجاج صغير وتلقائي مزعوم لدعم درويش. لكن عندما أجرى مراسلو التلفزيون المصري مقابلة مع أحد المتظاهرين، لم يَبدُ أنه يعرف اسم درويش، ما دفع بعض جماعات المجتمع المدني إلى اتهام الدولة المصرية بالتظاهر.

مع مغادرة رؤساء الدول الكبرى الآن شرم الشيخ، تلاشت إلى حدٍّ كبير الآمال في أن تضغط القمة على مصر لاتخاذ خطوات لتحسين نهجها في مجال حقوق الإنسان. الأمل الوحيد المتبقي لعائلة عبد الفتاح هو أن يحصل الآن على عفوٍ رئاسي.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى