كيف تحوّلت البحرين إلى أهمِّ مركزٍ للتكنولوجيا المالية والابتكار في الشرق الأوسط

تتميّز مملكة البحرين بأحد أعرق قطاعات الخدمات الماليّة وأفضلها في المنطقة، وهي تدرك جيداً مدى أهمية تمكين سُبُل الابتكار في ظل منظومة رقابيّة قوية ومرنة يُعتمد عليها.

محمد سليم*

تتزايد أهمية التكنولوجيا المالية في مشهد الخدمات المالية في البحرين وجميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ونظراً إلى أن مصرف البحرين المركزي يوفّر بيئة تنظيمية قوية ومستقرة، فقد استطاعت المنامة أن تصبح رائدة في النمو الإقليمي في هذا المجال. وتتمتع المملكة الصغيرة بقطاعِ خدماتٍ مالية يُعتبَر الأكثر رسوخاً في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو يُسهّل الابتكار مُستنداً إلى معلومات وتقارير تؤكّد بأن المنطقة العربية لديها القدرة لكي تصبح سوقاً بمليارات الدولارات للتكنولوجيا المالية.

في العام 2017، أطلق مصرف البحرين المركزي إطار عمل البيئة الرقابية التجريبية للتكنولوجيا المالية الذي يتيح للشركات إمكانية اختبار حلولها التقنية لما يصل إلى عام كامل تحت إشراف الجهات المعنية. وتمثل البيئة الرقابيّة التجريبيّة المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة، وتقدم لشركات التكنولوجيا الماليّة فرصة قيّمة للتوسّع والازدهار في منطقة الخليج. وللتأهّل للانضمام لهذه البيئة، ينبغي أن تكون الحلول المقترحة مُبتَكرة ومُفيدة للعملاء ومُختبرة تقنياً، وأن تكون لدى الشركات نية نشر الخدمة وتطبيقها في مملكة البحرين عقب انتهاء الفترة التجريبيّة.

ومنذ إطلاقها، ساهمت البيئة الرقابيّة التجريبيّة في رعاية العديد من شركات التكنولوجيا الماليّة المبتكرة. وأصبحت بوابةَ ترابطِ أول شركة تُنهي مرحلة البيئة الرقابيّة التجريبيّة بنجاح، وهي تتعاون حالياً مع مجموعة واسعة من المؤسسات الماليّة في المنطقة في طرح تقنيات مصرفيّة مفتوحة. كما توفّر المبادرة للشركات الصغيرة بيئة آمنة ومُتحرّرة جزئياً من القيود التنظيميّة، وذلك مع تعزيز مكانة البحرين كمركزٍ رائدٍ للخدمات الماليّة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي للشركات من جميع الأحجام في الوقت ذاته.

من ناحية أخرى، إعترفت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء، وهي مؤسسة فكرية تابعة للبنك الدولي، بالبحرين كنموذجٍ للتميّز العالمي. وقد عملت مع مصرف البحرين المركزي لإنشاء دليلٍ تقني للمُنظّمين الماليين الآخرين الذين يسعون إلى إنشاء إطُرٍ لبيئة رقابية. إلى جانب إبراز دور البحرين في دعم اللاعبين في سوق التكنولوجيا المالية، يشجع مصرف البحرين المركزي أيضاً المنافسة الفعّالة ويُعزّز الشمول المالي في جميع أنحاء المنطقة.

يتم تشجيع الابتكار بشكل أكبر حيث يسعى اللاعبون التقليديون إلى إقامة شراكات مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية. يشتمل النظام البيئي في البحرين على أول وأكبر مركز للتكنولوجيا المالية في المنطقة، والذي يرتبط من خلال كونسورتيوم بآسيا والولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن صندوق الصناديق الحكومي البحريني “الواحة”، الذي يبلغ رأسماله 100 مليون دولار، يستثمر في جذب الأفكار والتقنيات الجديدة إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

تدعم مجموعة كبيرة من المواهب المتنوعة هذه المبادرات: شكّلت النساء أكثر من 60٪ من طلاب علوم الكمبيوتر في جامعة البحرين في 2018، على سبيل المثال، بينما توجد مبادرات (مثل مبادرة البحرين للنساء في التكنولوجيا المالية) لتعزيز المساواة. ومن جهته، كان مصرف البحرين المركزي مرناً في المجال التنظيمي. في العام 2019، أصبح أول جهة تنظيمية في الشرق الأوسط تضع قواعد لترخيص خدمات أصول العملة المُشفّرة. تقديراً لهذه المبادرات، تم الاعتراف بمصرف البحرين المركزي بنيله جائزة غلاكسي للتكنولوجيا المالية “FinX” لعام 2019، باعتباره “المنظم الأكثر ابتكاراً في مجال التكنولوجيا المالية”.

لإطلاق التحوّل الرقمي عبر قطاع الخدمات المالية، أنشأ مصرف البحرين المركزي وحدة مُتخصّصة في التكنولوجيا المالية والابتكار، والتي تضمن حصول العملاء على أفضل الخدمات عبر إطار تنظيمي رشيق. وتشمل مبادرات مصرف البحرين المركزي الأخرى مطالبة شركات التكنولوجيا المالية والمرخص لها بتقديم حلول مالية مبتكرة وصياغة لوائح للتمويل الجماعي للخدمات التقليدية والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

تقع على عاتق الوحدة المتخصصة في مصرف البحرين المركزي مسؤوليات أخرى: الموافقة على المشاركة في بيئة الرقابة التنظيمية، والإشراف على تقدم الشركات بموجب المخطط، ومراقبة التطورات التقنية والتنظيمية الدولية في مجال التكنولوجيا المالية، والريادة في مبادرات التكنولوجيا المالية الاستراتيجية، والعمل عن كثب مع أصحاب المصلحة في النظام البيئي للتكنولوجيا المالية في البحرين.

تشجع أول منصة ابتكار رقمي عبر الحدود في المنطقة “فِنهَاب 973” (FinHub 973) التابعة لمصرف البحرين المركزي، التعاون بين المؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا المالية الناشئة تحت إشراف مصرف البحرين المركزي. وقد تمّ تصميمها لتعزيز مكانة المملكة كمركزٍ مالي في المنطقة، وتوفير دعمٍ قوي للبنية التحتية للخدمات المالية المحلية ودفع الابتكار عبر الحدود.

تُمكّن منصّة “FinHub 973” شركات التكنولوجيا المالية من التواصل مع المؤسسات المالية المحلية لاختبار بيئة رقابة رقمية مركزية ودمج التحقّق من صحة الحلول الرقمية مع الإطار التنظيمي لمصرف البحرين المركزي. تعرض المنصة أيضاً شركات التكنولوجيا المالية في مجال المشتريات والشراكات والاستثمار، والتواصل مع المُنظّمين لتمكين الاختبار التنظيمي الأسرع والأسهل ودعم قابلية التوسع في الأعمال.

في العام 2019، أطلقت مجموعة من المنظّمين الماليين ومنظمات ذات الصلة، بما فيها “هيئة السلوك المالي” (Financial Conduct Authority) في المملكة المتحدة، شبكة الابتكار المالي العالمية، والتي بُنيت على اقتراح هيئة السلوك المالي البريطانية لإنشاء إطار بيئة رقابية عالمي. تتألف شبكة الإبتكار المالي العالمية من 28 منظمة ملتزمة بدعم الابتكار المالي لصالح المستهلكين، وتهدف إلى توفير طريقة أكثر فعالية للشركات المبتكرة للتفاعل مع المنظّمين، ومساعدتها على التنقل بين الولايات القضائية أثناء سعيها لفُرَصِ توسيع نطاق الأفكار الجديدة. وتتمثّل مهمتها في إنشاء إطار عمل جديد للتعاون بين المنظمّين الماليين في الموضوعات المتعلقة بالابتكار، ومشاركة خبراتها، وإصدارٌ تجريبي للشركات التي ترغب في اختبار المنتجات أو الخدمات أو نماذج الأعمال المبتكرة عبر الولايات القضائية.

للمشاركة في المرحلة التجريبية، يجب على الشركات تلبية متطلبات التطبيق لكل ولاية قضائية ترغب في الاختبار فيها. الشركة التي ترغب في الاختبار في المملكة المتحدة وسنغافورة وهونغ كونغ، على سبيل المثال، يجب أن تفي بجميع معايير الأهلية ذات الصلة ومعايير الهيئات التنظيمية الأخرى في تلك الولايات القضائية.

يجب على المنظمين الفرديين بعد ذلك أن يقرروا ما إذا كان الاختبار المقترح يفي بمعايير الفرز الخاصة بهم وقدرتهم على دعم النشاط المقترح. كما سيضمنون وجود الضمانات المناسبة. للحفاظ على معايير عالية لحماية المستهلك ونزاهة السوق في ولاياتها القضائية، يتحمّل كل منظم المسؤولية عن الاختبارات ويأخذ في الاعتبار أي مخاطر مرتبطة بها.

• محمد سليم هو صحافي في هيئة تحرير “أسواق العرب”.