لماذا دافَعَت أميركا عن إسرائيل ولم تُدافِع عن كردستان؟

عندما أسقطت صواريخ باتريوت الأميركية صاروخًا إيرانيًا باليستيًا فوق أربيل في 15 نيسان (أبريل)، تساءلَ الأكراد عن سببِ عدمِ تفعيلِ هذه الدفاعات عندما تعرّضوا هُم للهجوم.

محمد شيّاع السوداني مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن: الأول طلب من الثاني ضمان أمن مواقع عدة في العراق بما فيها كردستان من الصواريخ والمسيرات.

فلاديمير فان فيلغنبيرغ*

في وقتٍ مُتأخّرٍ من ليلة 13 نيسان (أبريل)، اهتَزّت مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، على صوتِ بطارية صواريخ باتريوت وهي تُسقِطُ صاروخًا باليستيًا إيرانيًا كانَ يُحلّقُ باتجاهِ إسرائيل. وقد أكّدَ الناطقُ باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الميجور جنرال بات رايدر في مؤتمرٍ صحافي أنَّ “أحد تلك الصواريخ كان صاروخًا باليستيًا تم إسقاطه بالقرب من أربيل وكان في طريقه نحو إسرائيل”.

وقد أثارَ ذلك تساؤلاتٍ بين العديد من الأكراد العراقيين حول سبب عدم قيام الولايات المتحدة بمَنعِ الهجومِ الصاروخي الإيراني على أربيل في 15 كانون الثاني (يناير) الفائت، والذي أدّى إلى مقتلِ أربعة مدنيين في “فيلّا”، بحجّةٍ كاذبة أنها كانت قاعدة ل”الموساد” الإسرائيلي. وكان من بين الضحايا رجل الأعمال بشراو دزاي وابنته زينة البالغة من العمر 11 عامًا، وتساءَلَ البعضُ عمّا إذا كان الأكراد أصبحوا حلفاءً يُمكنُ الاستغناء عنهم بالنسبة إلى الأميركيين.

أخبرني محمد صالح، وهو زميل بارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أنَّ الدفاعَ الأميركي عن إسرائيل أثارَ تساؤلاتٍ بين العديد من الأكراد حول “لماذا لم يستخدم الجيش الأميركي حتى الآن أنظمة الدفاع الجوي المُتقدِّمة هذه للدفاع عن كردستان، حتى عندما تتعرّض المنطقة الكردية للهجوم بسبب وجود القوات الأميركية هناك… سيُراقب الكثيرون في كردستان والمنطقة الأوسع لمعرفة ما إذا كان الجيش الأميركي سيستخدم نظام الدفاع الجوي نفسه في المرة المقبلة عندما تقوم إيران أو وكلاؤها بشنِّ هجومٍ على كردستان العراق”.

هاجمت إيران إقليم كردستان مرّاتٍ عدة سابقًا، بما في ذلك هجوم في 8 أيلول (سبتمبر) 2018، ضد حزبَين كرديَين إيرانيَين معارِضَين، وآخر، في 13 آذار (مارس) 2022، ضد منزل رجل الأعمال الشيخ باز كريم برزنجي. ومع ذلك، في العامين 2018 و2022، لم تكن هناك أنظمة دفاع جوي “باتريوت” منتشرة في أربيل. علاوةً على ذلك، بين تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وكانون الثاني (يناير) 2024، خلال حرب غزة المستمرّة، استهدفت الفصائل العراقية المدعومة من إيران القواعد الأميركية في إقليم كردستان، بما في ذلك القاعدة في مطار أربيل الدولي وواحدة في “الحرير”، بطائراتٍ انتحارية مُسَيَّرة وضربات صاروخية. وأخلت الولايات المتحدة قاعدة “الحرير” بعد تزايد الهجمات. ومنذُ 4 شباط (فبراير)، توقفت الفصائل المدعومة من إيران عن ضرب القوات العسكرية الأميركية، باستثناء هجوم واحد في 21 نيسان (أبريل) ضد القوات الأميركية في سوريا.

في شباط (فبراير)، قال رئيس وزراء إقليم كردستان، مسرور بارزاني، لشبكة “أن بي سي نيوز” الأميركية إنَّ الأكرادَ العراقيين ليست لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم ضد هجمات الطائرات المُسَيَّرة والصواريخ، وطلب المزيد من المساعدة من الولايات المتحدة. في 15 نيسان (أبريل)، ناقش وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني ضمان أمن المواقع في العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، من التهديدات الجوية. ويتضمّنُ قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي لعام 2024، الذي وقّعه الرئيس جو بايدن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بندًا لتزويد القوات العسكرية العراقية والكردية بأنظمةِ دفاعٍ جوي. وفي آذار (مارس)، قال البنتاغون إنه ينتظر إقرار موازنة 2024 من قبل الكونغرس الأميركي لتنفيذ القرار. ومع ذلك، فإنَّ اعتراضَ الصاروخ الإيراني الذي أُطلِقَ على إسرائيل يُظهِرُ أن الولايات المتحدة يمكنها حماية أربيل بدون تزويد الأكراد بالدفاعات الجوية. ومن غير المرجح أيضًا أن توافِقَ بغداد على منح أنظمة الدفاع الجوي الأميركية المُتقدِّمة للأكراد، في وقتٍ تسعى إلى الحدِّ من الحُكم الذاتي الكردي.

أصبحت بطارية صواريخ باتريوت جاهزة للعمل في أربيل في نيسان (أبريل) 2020، بعد أشهرٍ قليلة على اغتيال الولايات المتحدة للقائد الإيراني قاسم سليماني في غارةٍ بطائرةٍ مُسَيَّرة  في بغداد. ومع ذلك، تمت إزالة النظام لاحقًا، على الأرجح في حزيران (يونيو) 2021، عندما سحبت إدارة بايدن بطاريات “باتريوت” من الشرق الأوسط، بما في ذلك من العراق. ولكن، أُعيدَت صواريخ “باتريوت” إلى أربيل بعد اندلاع حرب غزة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما أرسلت إدارة بايدن أنظمة باتريوت إضافية إلى الشرق الأوسط تحسّبًا لهجماتٍ ضدّ القوات الأميركية.

أخبرني آرون شتاين، رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية، أنه إذا “تلقّت الولايات المتحدة تحذيرًا واتّخذت قرارًا بنشر بطارية صاروخية، نعم، كان من الممكن [منع الهجوم على أربيل]… تُعد بطارية “باتريوت” من الأصول ذات الطلب المرتفع والكثافة المنخفضة، وبالتالي فإنَّ نقلها حول العالم ليس بهذه السهولة. فهو يتطلّبُ تخطيطًا وووجودَ تهديدٍ مُحَدَّد. إنه يعتمد حقًا على الكثير من الأشياء. لذلك، من الصعب التعليق”. وبحسب ما ورد تبلغ تكلفة كل بطارية 1.1 مليار دولار.

في أعقابِ الهجوم على أربيل في كانون الثاني (يناير) الماضي، صرح الميجور جنرال بات رايدر من البنتاغون، ردًّا على استفساراتٍ عن سبب عدم اعتراض القوات الأميركية لبعض الصواريخ التي تستهدف المناطق المدنية في أربيل، أنَّ “أيًا من هذه الضربات لم تستهدف أفرادًا أميركيين أو منشآتٍ أميركية”.

ويبدو أن العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي مايلز كاغينز، المتحدّث السابق باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، والزميل البارز في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة، يتّفقُ مع هذا الرأي. قال لي: “إنَّ أولوية الجيش الأميركي هي حماية المواقع العسكرية لمُهِمّةِ مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” وغيرها من المواقع التي تُعتَبَرُ حاسمة لأهدافِ الأمن القومي. ولسوء الحظ، لم يكن منزل رجل الأعمال الكردي يُمثّل أولوية”.

وقال مايكل ديمينو، زميل في مؤسسة أولويات الدفاع والمُحلّل العسكري السابق لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، إنه كان من الصعب مُقارنة الصواريخ الإيرانية من كانون الثاني (يناير) ونيسان (أبريل): “من ناحية، أنت تتحدث عن مساراتٍ وأوقاتِ استجابةٍ مختلفة لهجومٍ صاروخي باليستي من إيران على إسرائيل، مقارنةً بهجومٍ من إيران على شمال العراق. هناكَ عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار أيضًا، مثل الفترة التي سبقت كليهما. من وجهة نظري، كان هناكَ قدرٌ أكبر بكثير من الاتصالات الهاتفية والقنوات الديبلوماسية الخلفية قبل هجوم إيران على إسرائيل في نيسان (أبريل) مُقارنةً بما كان عليه الأمر قبل هجومها على أربيل في كانون الثاني (يناير)”.

في الواقع، أوضحت إيران بعد مقتل كبار ضباط فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي في دمشق، أنها ستنتقم. وقال الإيرانيون أيضًا إنهم حذّروا الولايات المتحدة قبل الرَدِّ على إسرائيل. ولم يكن هناك مثل هذا التحذير المُسبَق بشأنِ هجوم كانون الثاني (يناير)، ولا في ما يتعلق بهجومٍ صاروخي إيراني ضد الجماعات المسلحة البلوشية داخل باكستان في اليوم التالي.

مع ذلك، إذا كانت بطاريات “باتريوت” تُدافِعُ عن القوات الأميركية فقط في الشرق الأوسط، فلماذا تمَّ استخدامها لمَنعِ هجومٍ ضدّ إسرائيل؟ أخبرني مصدرٌ في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أنه “من الناحية التقنية، الطريقة التي يعمل بها نظام “باتريوت” هي أنه يُحدّدُ الجسم الذي يدخل منطقته، وذلك عندما يطلق النار. في ليلة الهجوم الإيراني على إسرائيل، كان أحد الصواريخ يقترب من منطقة قاعدة أربيل الجوية، مما دفع النظام للرد، لكن الصاروخ الثاني سقط خارج المنطقة. ومع ذلك، خلال الهجوم الأخير الذي قُتل فيه السيد بيشرو، اتبعت جميع الصواريخ مسارًا مختلفًا”.

ووتقول دانا سترول، النائبة السابقة لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط: “إذا كان هناك صاروخٌ في مساره لاستهداف القوات الأميركية أو البنية التحتية الأميركية، فيمكن استخدام بطارية “باتريوت” لاعتراض الهجوم. إذا كان الهجوم الصاروخي يستهدف مناطق أخرى ليست قريبة من القواعد الأميركية، فإنَّ بطارية “باتريوت” لن تتعاملَ مع التهديد”.

قد تكونُ هذه التفسيرات صحيحة، لكنها تطرح السؤال: كانت إسرائيل محمية بشبكةٍ إقليمية من الدفاعات الجوية من طراز “باتريوت” ووسائل أخرى في 15 نيسان (أبريل)، فهل كانت البطارية الموجودة في كردستان العراق جُزءًا من تلك الشبكة، أم كان إسقاطها لصاروخٍ إيراني مجرّد مصادفة، لأنَّ الصاروخ دخل منطقة عمل أميركية؟ قد يشكُ البعض في كردستان في أنَّ الأمر هو الأول، وربما يعتقد أنه إذا كان جميع حلفاء الولايات المتحدة متساوين، فقد يكون بعضهم أكثر مساواةً من غيره.

  • فلاديمير فان ويلغنبيرغ هو صحافي هولندي يركز على شؤون الأكراد في الشرق الأوسط. يمكن متابعته عبر تويتر (X) على: @vvanwilgenburg
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى