هل يُعيد الدخل الأساسي الشامل كتابة مستقبل الكويت؟

بدأت نظرية الدخل الأساسي الشامل تأخذ مكانتها في دول الخليج العربي وخصوصاً في الكويت. فهل تستطيع هذه المبادرة، إذا نُفّذت، والتي ستحل محل الإعانات والدعم، في كتابة مستقبل إمارة آل الصباح؟

البرلمان الكويتي: مقبرة كل المبادرات التي تدعو إلى إلغاء الدعم

بقلم علي الشعلان*

تتزايد شعبية مبادرات الدخل الأساسي الشامل –حيث تُقدم الحكومات منحاً نقدية مُنتظمة وغير مشروطة لشرائح من المجتمع– في السنوات الأخيرة في بلدانٍ مثل كينيا والبرازيل وإيران وفنلندا. الإهتمام بهذه المخططات يتزايد الآن في منطقة الخليج العربي.

للوهلة الأولى، قد تبدو المنح النقدية غير المشروطة غريبة في سياق الدول الغنية بالنفط مثل الكويت. ومع ذلك، يتم الترويج بشكل متزايد لمبادرات الدخل الأساسي الشامل كأداةٍ لتحسين التوزيع غير المُتكافئ وغير الفعّال بشكل متزايد لإيرادات الدولة النفطية بين مواطني الخليج، مع ما يترتب على ذلك من آثارٍ إيجابية على الاقتصاد الكلّي والقطاع الخاص والبيئة.

تقول شانتا ديفاراجان، أستاذة التنمية الدولية في جامعة جورج تاون وكبيرة الاقتصاديين السابقة في البنك الدولي: “يتم توزيع عائدات النفط الكويتي على المواطنين الكويتيين بطريقتين غير فعّالتين للغاية. الأولى هي من خلال الوظائف ذات الأجور المرتفعة في القطاع العام، وهي وظائف ضخمة للغاية وليست مُنتجة للغاية وتُعيق نمو القطاع الخاص. والثانية هي من خلال دعم الوقود، وهي غير فعالة وتخلق حوافز للإفراط في استهلاك الوقود والكهرباء، ما يؤدي بدوره إلى التلوّث وانبعاثات الكربون الزائدة”.

تُمثّل أجور القطاع العام ودعم الطاقة والمرافق حوالي 70٪ من الإنفاق الحكومي السنوي في الكويت. وتُعتبر الرواتب الباهظة المدفوعة للموظفين الحكوميين –الذين يُشكّلون 80٪ من السكان المحليين في البلاد– عاملاً مُثبطاً قوياً للمواطنين الكويتيين لدخول القطاع الخاص، الذي يُهيمن عليه الأجانب من جنوب شرق آسيا إلى حدٍّ كبير.

إنكماش القطاع الخاص

في حين نما عدد المواطنين الكويتيين العاملين في القطاع العام بنسبة 4.5٪ سنوياً بين 2014 و2019، فإن عدد العاملين في القطاع الخاص قد تقلّص بنسبة 0.3٪ سنوياً خلال الفترة عينها.

قال علي السالم، مستثمر ومعلق كويتي، في ورقة بحثية حديثة: “إن جذب الكويتيين إلى القطاع العام يؤدّي أيضاً إلى هجرة الأدمغة المحلية، حيث يتم توجيه الشباب المتعلمين إلى وظائف غير مُنتِجة مُقارنةً بإمكاناتهم الحقيقية. بصرف النظر عن التأثير الاقتصادي، فإن لهذا أيضاً آثاراً كبيرة على الرفاهية والشؤون الإجتماعية للسكان”.

في حين أن الثروة النفطية الكبيرة للكويت وقلّة عدد سكانها نسبياً تعني أن الإصلاح المالي أقل إلحاحاً من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين، فإن تغيير أنماط استهلاك النفط العالمي جعل الإصلاح المالي أكثر إلحاحاً.

وقد قال السالم في تصريح صحافي: “العالم لن يقود سياراتٍ تعمل بمحركات الاحتراق لمدة 100 عام أخرى. هناك نافذة مثالية لإجراء مثل هذا الانتقال والتحوّل، وبمجرد إغلاق تلك النافذة ستبقى لديك خيارات ومسارات أقل بكثير للتحول، وأقل قدراً من الحماية في حالة حدوث أخطاء”.

تقليص فجوة الأجور

في حين أن صندوق النقد الدولي ووكالات التنمية الدولية الأخرى جادلت بخفض الدعم ورواتب القطاع العام لعقود من الزمان، فلم يتم إحرازُ تقدّمٍ كبير بسبب المواجهات المستمرة بين الحكومة والمخاوف بشأن تأثير هذه الإصلاحات على المواطنين الكويتيين. ونظراً إلى الحجم الهائل للفجوة في الأجور بين الكويتيين والمغتربين، فإن تقليص هذه الفوارق هو أمر محفوف بالمخاطر.

يقول ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في السياسة المقارنة في كلية لندن للإقتصاد: “لا يُمكن الدفاع سياسياً أو أخلاقياً عن تحويل الكويت إلى اقتصاد سوق حرة حيث لا يحصل المواطنون على أيِّ دعمٍ خاص، وجعلهم يتنافسون مع العمالة مُنخفضة التكلفة من جنوب الكرة الأرضية وأماكن أخرى. عليك تحقيق توازنٍ يُمكّن المواطنين من أن يصبحوا أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل مع تلقّي دخلٍ يُمكّنهم من الاستمتاع بنوعٍ من حياة الطبقة الوسطى”.

في أحدث مشاوراته بشأن المادة الرابعة مع الكويت في آذار (مارس) 2020، حثّ صندوق النقد الدولي الحكومة على التخلّص التدريجي من الإعانات العامة “لصالح خطط التعويض المُستَهدِفة”.

لقد أثار مفهوم مثل هذا المخطط بعض الاهتمام داخل الحكومة. فقد دعم مركز الكويت للسياسات العامة، وهو جزء من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، البحث في جدوى الدخل الأساسي الشامل في البلاد.

يقول هيرتوغ: “لقد تم استبعاد منطقة الخليج حتى الآن من المناقشات حول الدخل الأساسي الشامل عالمياً، على الرغم من أنها من نواحٍ كثيرة مُختبرٌ مثالي لتجربة مثل هذه السياسات. من ناحية، لديها ما يكفي من المال لتنفيذ الدخل الأساسي الشامل بطريقة سخية بشكل معقول، بينما من ناحية أخرى، فإن الاتجاهات المالية خطيرة للغاية لدرجة أنها بحاجة فعلاً إلى فعل شيء حيال الاستدامة المالية”.

يُشير النموذج الذي وضعه هيرتوغ إلى أن إلغاء الدعم عن استهلاك الطاقة المحلي يُمكن أن يُولّد منحةً نقدية شهرية قدرها 200 دولار لكل كويتي بالغ يعمل في القطاع العام، و700 دولار لمَن هم خارج القطاع العام، و230 دولاراً لكل طفل.

في حين أن المنحة البالغة 200 دولار لموظفي القطاع العام ستهتم بتكاليف المرافق المرتفعة مع إلغاء الدعم، فإن المنح الأكبر لمن هم خارج القطاع العام ستساعد على سد فجوات الأرباح بين العاملين في القطاعين العام والخاص، ما يُوفر حوافز أكبر للكويتيين لتأسيس شركات والبحث عن عمل خارج الحكومة.

يقول هيرتوغ: “إن فصل التوظيف الحكومي عن تقاسم الثروة من شأنه أن يمنح المواطنين حوافز أقوى للبحث عن مهارات ذات صلة بالقطاع الخاص. إن ضمان الدخل الأساسي الشامل يمنح المواطنين الاستقلال الذاتي في تحمّل مخاطر ريادة الأعمال والاستفادة القصوى من مواهبهم”.

الذهاب أبعد من ذلك

قد يؤدي التناقص الطوعي التدريجي للوظائف العامة الكويتية إلى زيادة المنح بشكل أكبر؛ يُمكن أن يؤدي التخفيض بنسبة 10٪ في كشوف المرتبات العامة إلى تمويل زيادة قدرها 650 دولاراً شهرياً في مدفوعات الدخل الأساسي الشامل للبالغين.

ويحثّ السالم الحكومة على المضي قدماً، من خلال خصخصة الصناعات الرئيسة مثل الطاقة والرعاية الصحّية والمرافق والتعليم. ومُقابل سحب الدعم في هذه القطاعات، سيتم توزيع الأسهم في الكيانات التي تمت خصخصتها حديثاً على أساس المصلحة العامة والتناسب على المواطنين الكويتيين.

ويقول: “إن توزيع الثروة هذا من شأنه أن يُهدئ المخاوف من أن يؤدي البيع من قبل الحكومة إلى عائدات مالية يمكن أن تسيء الدولة استخدامها”.

في حين أن ذلك يبدو منطقياً على الورق، فإن إقرار أي إصلاحات مالية مهمة يواجه تحديات من البرلمان في البلاد الذي عرقل منذ فترة طويلة الإصلاحات التي تؤثر في الدعم وحتى في إعادة الضبط المالي الأساسي. لم تتمكن البلاد من إصدار دين عام لسنوات عدة، حيث رفض البرلمان إصدار قانون دين جديد بعد انتهاء القانون السابق في العام 2017.

يقول هيرتوغ: “يجب شرح فكرة “الدخل الأساسي الشامل” بعناية شديدة، وبطريقة تُشير إلى أن جميع الأسر الكويتية تقريباً ستكون فائزة صافياً”.

ويضيف: “مع ذلك، يجب الحديث عن العملية بوضوح بأنها بديل من دعم الطاقة والتوظيف في القطاع العام، وليست شيئاً آخر زيادة على الدعم. يجب أن يتم ترسيخ العملية دستورياً، حتى لا يكون هناك إغراء للانخراط في سياسات المحسوبية الجديدة فوق ذلك”.

بصرف النظر عن التحديات التشريعية الخاصة بالكويت، فإن التوزيعات النقدية في الخليج بشكل عام ستُحدث تغييراً كبيراً في علاقات القوة بين الحكومات والمواطنين — وهو عاملٌ قد يؤدي إلى وقفة تأمل لدى الحكام.

تقول ديفاراجان: “تستخدم الحكومات في منطقة الخليج العربي التوظيف في القطاع العام كشكلٍ من أشكال المحسوبية والسيطرة. من خلال استبدال ذلك بالتحويلات النقدية الشاملة، فإن ذلك يخلق شكلاً مختلفًا من العلاقة. ولكن من نواحٍ عديدة، يمكن أن تزيد شرعية الحكومة في أعين المواطنين إذا كانت العملية تُحفّز التوظيف والنمو في البلاد”.

  • علي الشعلان هو مراسل “أسواق العرب” في الكويت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى