هل تستطيع إيران الصمود في وجه عاصفة دونالد ترامب؟

يئن الإقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات الأميركية المفروضة على الجمهورية الإسلامية، وتظهر تداعيات تلك العقوبات على كل مناحي الحياة داخل إيران، بداية من انهيار سعر العملة بصورة غير مسبوقة وحتى تداعيات ذلك على القطاعات كافة… وأمام ذلك المشهد لا يجد النظام بداً من محاولات الالتفاف على تلك العقوبات، ولكن هل تستطيع طهران الصمود؟

النفط الإيراني: توريده سيكون صعباً جداً

بقلم جواد صالحي – أصفهاني*

أعاد تشديد العقوبات النفطية أخيراً على إيران التكهنات بشأن عواقبها الوخيمة على إقتصاد الجمهورية الإسلامية.
إن نهاية الإعفاءات عن ثماني دول سمحت لها العقوبات الأميركية إستيراد النفط من إيران، والتي أُعلنت الأسبوع الفائت، من المؤكد أنها ستُفاقم الوضع الإقتصادي القاتم أصلاً في إيران، لكن توقعات الإنهيار الإقتصادي مُبالغٌ فيها إلى حد كبير.
إذا كانت توقعات صندوق النقد الدولي المُعدَّلة، تُصدَّق، عن أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لإيران سيبلغ -6 في المئة، فإن تأثير العقوبات الأميركية سيكون معتدلاً نسبياً، على الرغم من التقارير المثيرة للقلق.
سيكون هذا انخفاضاً أقلّ من الذي شهدته البلدان الأوروبية مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008. في هذه الحالة، يُعد ذلك ركوداً عميقاً وليس إنهياراً إقتصادياً، وهو وصفٌ أكثر دقة لما تواجهه إيران في العام أو العامين المقبلين.
يعتمد الإقتصاد الإيراني بشكل كبير على النفط. وعلى الرغم من أن النفط يُمثل أقل من 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، إلّا أنه بسبب عدم وجود خطة لإعادة هيكلة الإقتصاد بعيداً من النفط، فقد يكون فقدانه أكثر خطورة مما يشير نصيبه من إجمالي الناتج المحلي.
يُمثل النفط حوالي نصف إجمالي الصادرات و40 في المئة من عائدات الحكومة. في السنين العشر الفائتة، بلغ متوسط صادرات النفط حوالي 67 مليار دولار. في العام الماضي، انخفض بنسبة الثلثين، ومن المتوقع أن ينخفض أقل من 30 مليار دولار هذا العام.
هناك أسباب للإعتقاد أنه، من خلال سياسات مناسبة، يُمكن للبلد أن يتعايش مع هذا المستوى من صادرات النفط، وإن كان بمستوى معيشي منخفض، وحتى يمكن لهذا الأمر أن يفعل بعض الخير في المدى الطويل من خلال تقليل الإعتماد على النفط.
أولاً، إيران كانت في هذا الوضع من قبل. في العام 2012، عندما صعّد الرئيس باراك أوباما العقوبات الأميركية ضد إيران، انخفضت صادرات النفط بنسبة 27.5 في المئة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.2 في المئة. في العام 2015، أدّت العقوبات وانهيار أسعار النفط إلى انخفاض صادرات النفط إلى 32 مليار دولار، وهو أدنى مستوى بلغته الصادرات النفطية منذ عقد، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6 في المئة.
إن التأثير المنخفض على النمو هو أن قطاعات كبيرة من الإقتصاد، مثل الخدمات والزراعة، والتي تُمثّل مُجتمعة ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، هي أقل اعتماداً على التجارة الخارجية وبالتالي فهي أكثر حصانة من العقوبات.
في الواقع، في العام 2012، عندما انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 3.6 في المئة، توسّعت الخدمات فعلياً (بنسبة 1 في المئة). من المُحتمَل أنه نظراً إلى أن تخفيض قيمة العملة جعل البضائع المستوردة أكثر تكلفة، فقد أنفق المستهلكون أكثر على الخدمات.
ثانياً، ليس لدى إيران الكثير من الديون الخارجية، لذلك ليست لديها ضغوط من مُقرضين أجانب لمواجهتها. إن إعادة الهيكلة تكون أكثر صعوبة عندما يرى الجمهور أن إعادة الهيكلة تعود بالنفع على المُقرضين الأجانب.
هناك عاملٌ غير معروف إلى حد كبير هو أن الإقتصاد الإيراني متنوع نسبياً. إن إيران تُنتج وتُصدّر أكثر من مجرد النفط. لديها قاعدة إنتاج كبيرة من الصلب والسيارات إلى الصناعات الخفيفة التي، مع الحوافز المناسبة، يُمكن إعادة هيكلتها لتحويل الوظائف والإنتاج من القطاعات الكثيفة الإستيراد إلى القطاعات التي تعتمد على المدخلات المحلية.
ومع ذلك، فإن هذه المزايا لا تعني أن التكيّف مع الصدمة، حتى مع ال6 في المئة المتواضعة، سيكون سهلاً. ومن المفارقات، أنه بسبب عدم وجود صندوق النقد الدولي والمقرضين الأجانب في إيران والذين يفرضون عادة كيف ينبغي عليها إعادة هيكلة اقتصادها، فإن إيجاد الخطة الصحيحة والالتزام بها قد يكون أمراً صعباً.
وأهم هذه التحديات هو النظام السياسي الإيراني المنقسم والمتشقق للغاية. لقد كشفت إنتخابات بعد أخرى عن فجوة واسعة بين الطبقة الوسطى الحديثة المتعلمة والناخبين التقليديين الذين يدعمون رجال الدين المتشددين.
في الجولة الأخيرة، في العام 2016، صوّتت غالبية كبيرة (57 في المئة) لإعادة انتخاب المعتدل حسن روحاني لوعوده بتحرير الاقتصاد وتقليل العزلة الدولية لإيران من خلال التوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن الأزمة النووية.
بمجرد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن إنسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية وإعادة فرض العقوبات، بعيداً من طموحات روحاني، إغتنم المتشددون الفرصة لعرقلة جدول أعماله الإقتصادي والسياسي برمته.
إن الخلاف الموجود داخل قيادة الجمهورية الإسلامية هو السبب الرئيس وراء الجمود الذي يحول دون تصديق “مجموعة العمل المالي” (FATF)، وهو أمر ضروري للبنوك الإيرانية للتعامل مع النظام المصرفي العالمي.
التحدّي الثاني هو إعادة الهيكلة مع الحفاظ على العدالة. في هذا العام، حقق المستوردون الذين لديهم إمكانية الوصول إلى العملات الأجنبية المدعومة للغاية أو الذين لديهم سلع للتصدير مكاسب كبيرة، في حين يبدو أن ثلاثة أضعاف مدفوعات الرعاية الاجتماعية إلى ما يقرب من 10 ملايين من الفقراء على جدول رواتب وكالات الدولة قد حمت هذه المجموعة من الأسوأ من آثار العقوبات.
وكان الخاسرون الرئيسيون حتى الآن هم أفراد الطبقة الوسطى الذين يتقاضون الرواتب والعمال والموظفين المتقاعدين، الذين فشل دخلهم في مواكبة التضخم. في العام الفائت، لم تحصل القوى العاملة الحكومية القوية البالغ عددها 2.5 مليوني شخص على زيادة فيما الأسعار إرتفعت بشكل كبير.
هذا العام، مع توقع أن يصل التضخم إلى 40 في المئة، فقد حصلوا على زيادة بنسبة 20 في المئة، مما تسبب في انخفاض دخلهم الحقيقي بنسبة 20 في المئة. إذن، لم يكن من المفاجئ أن تنتشر الإحتجاجات والإضرابات التي قام بها أعضاء أكبر كتلة من موظفي الحكومة، أي 600,000 مدرس، في جميع أنحاء البلاد.
إذا كانت قيادة إيران تريد أن تقاوم بنجاح المطالب الأميركية، فعليها أن تفعل أكثر من إيجاد طرق للتهرب من العقوبات. إن الكثير يتعلق بقدرتها على تبنّي خطة تُقلّل من اعتماد الإقتصاد على النفط، بينما تقوم بتوزيع عبء إعادة الهيكلة بشكل عادل على الفئات الإجتماعية.

• جواد صالحي – أصفهاني أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، وزميل زائر في مبادرة شباب الشرق الأوسط في مركز ولفنسون للتنمية ومقره برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية بمعهد بروكينغز.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى