كَهرباءُ الشَرق وكَهرباءُ الغرب

بقلم البروفسور بيار الخوري*

دَخَلَ لبنان نَفَقاً مُظلِماً، وللمرّةِ الاولى لا نستطيع ان نضع السلبيات والإيجابيات في الميزان، لأن الأخير بات مُثقَلاً بسلبياته في مقابل تعطّل الآفاق الإيجابية. لبنان أمام تحدّي تحويل أزمته الى مخاطرة إيجابية تُعيدُ رسم اقتصاده، في العقل أوّلاً، على أُسُسٍ مُستدامة تسمح باستيعابِ الأزمات الإجتماعية من خلال زيادة فُرص العمل، وتَخفيضِ مُعدّلات الفقر والجوع، وتحسينِ كلّ المؤشرات التي تتفق وتتواءم مع أهداف منظمة الأمم المتحدة.

يأتي في هذا الإطار التجاذب السياسي حول الموضوع الذي سُمّي اصطلاحاً التوجّه شرقاً، والذي سرعان ما تحوّل الى تصنيفه تبعاً لانتماء كلّ طرفٍ على قاعدة “شرق-غرب”، والتخويف من مسألة التعاون مع الشركات الصينية تحديداً وما يدعوه الاميركيون بفخ الدَين.

إن مُقاربةَ موضوع دخول الشركات الصينية الى لبنان يكتسبُ أبعاداً محلية اكثر مما هي جيو-استراتيجية تتصل بالنزاع الصيني-الاميركي. فهل يمنع فعلاً التجاذب الجيوسياسي التعاون مع الصين او الشركات الصينية؟

لقد اخترتُ مجموعةً من البلدان العربية والإقليمية المحسوبة بشكل لا يقبل الجدل على الجيوسياسة الأميركية في محاولةٍ لإظهار حجمِ الخبث في ربط التعاون مع الصين بجيوسياسة خاصة في موضوع الطاقة:

  • أنجزت أخيراً شركة صينية بناء ثلاث محطات للطاقة الشمسية بإنتاج 186 ميغاواط كجزءٍ من مشروع بنبان العملاق للطاقة الشمسية قيد الإنشاء في محافظة أسوان جنوب مصر.كما تقوم شركتان صينيتان ببناء محطة للطاقة الشمسية في منطقة الحمراوين على ساحل البحر الأحمر بطاقةٍ إجمالية تبلغ ستة آلاف ميغاواط.
  • تتدفّق الإستثمارات من الصين لقطاع الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية ضمن إطار “رؤية 2030”. كما أعلنت أخيراً شركة صينية عملاقة، تستثمر في دولة الامارات العربية المتحدة، أنها ستقوم ببناء حديقة أغشية رقيقة للطاقة بقيمة 3.7 مليارات ريال سعودي (حوالي مليار دولار) في المملكة.
  • تعاقدت إمارة دبي مع الشركات الصينية على تنفيذ مشروع حسيان للطاقة ضمن خطة 2050 للطاقة النظيفة، والمشروع مُجَهَّز بأربع وحدات فوق حرجة بسعة مُركّبة إجمالية تبلغ 2400 ميغاواط، ولديها القدرة على حرق الفحم أو الغاز الطبيعي بالكامل كوقودٍ احتياطي. سيتم وضع جميع الوحدات الأربع في التشغيل التجاري في العام 2023، والمشروع مُموَّل من صندوق طريق الحرير للشرق الأوسط.
  • شركة عطارات للطاقة الأردنية إقترضت 1.6 مليار دولار من البنوك الصينية لتمويل 500 ميغاواط من الطاقة بتقنية إحراق الزيت الصخري بضمانة شركة تأمين الصادرات الصينية.
  • أكبر مشروع للطاقة المُركَّزة في المملكة المغربية تُنفذه شركات صينية في الصحراء الغربية.
  • شركة صينية مُتحالفة مع شركةٍ إماراتية فازت بمُناقصة بناء محطةٍ للطاقة في تونس ضمن مشروع إنشاء قاعدة لإنتاج 500 ميغاواط إضافية.
  • شركة صينية تتعهّد مشروع إعادة تأهيل قطاع الطاقة في جوبا، عاصمة جنوب السودان. وفي السودان ستقوم الصين ببناء أول محطة للطاقة النووية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
  • شركة فرعية صينية تابعة لشركة عملاقة بدأت تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع الدر المُستقل للمياه والطاقة، قادر على تأمين 25% من حاجات مملكة البحرين.
  • شركة صينية تبني محطة بطاقة 800 ميغاواط بالمشاركة مع عملاقين ياباني وفرنسي في قطر ضمن مشروع “رؤية قطر 2030”.

سأعطي تجربتين جزئيتين، ولكنهما مُعبّرتان، من دولَتي اسرائيل وتركيا:

  • فازت شركة صينية بالشراكة مع شركتين إسرائيليتين بمناقصة لشراء محطة “ألون تافور” للطاقة ضمن مشروع إصلاح قطاع الطاقة في الدولة العبرية.
  • شركة هندسة الطاقة الصينية تبني مخزن ضخ رئيسي لمحطة توليد الكهرباء التركية.

كل حلفاء أميركا المُخلصين في المنطقة يختارون ىشركاءهم بناءً لحسابات الكفاءة والكلفة والمردود، وحده لبنان الغارق بالفساد والدين واللاكفاءة لا يرغب بالإنزلاق الى فخّ الدَّين الصيني.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي وخبير اقتصادي لبناني. وهو نائب رئيس الجمعية العربية-الصينية للتعاون والتنمية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى