البُوسَة بـ”خَمسمِيّة” و”الحسّابة بتحسب”؟

بقلم عرفان نظام الدين*

لم يتأكد بَعد خبر فرض رسم بقيمة ٥٠٠ ليرة سورية على كل قبلة يتبادلها العشّاق في الحدائق والأماكن العامة في سوريا، لكن وسائل التواصل الإجتماعي اشتعلت بنشر الخبر والتعليق عليه من دون أن تتضح الرؤية بعد. فإذا صحّ هذا الخبر، فإن على العشّاق السوريين الإستعداد لحمل النقود الكافية، أو التخفيف من القُبَل، ووضع موازنة خاصة للحب ومشتقاته. وقد سمعنا من قَبل عن ضرائب ورسوم تُثير الضجة والإستغراب مثل إقدام الحكومة اللبنانية على فرض ضريبة ألف ليرة على كل نرجيلة (أركيلة أو شيشة) يستهلكها المواطن المسكين الغارق في الديون. وانتشرت أخيراً في سوريا وخارجها مجموعة من النكات والطرائف مثل اقتراح دفع ثمن قبلتين والحصول على واحدة مجانية (بلاش)، ورواج مهنة تجميع عملات من فئة الخمسمئة لتقديمها لمن يحتاجها عند الحشرة لقاء رسمٍ مُعَيَّن.

وحديث القُبَل يُثير فينا الشجون نحن معشر العرب، فقد كانوا ملوك القبلات، فهي عندهم أشكالٌ وألوان وغايات ومعانٍ كثيرة، لكنهم في هذا الزمن لم يبرعوا في شيء إلّا بتبويس اللحى والضحك على الذقون.

أما أنواع القبلات فلن أتحدّث إلّا عن الُمباح منها والمُعلَن وأولها قبلات النساء الشهيرة، كل واحدة تُدير خدّها للأخرى، ثم تُدير وجهها باتجاه الهواء الطلق للتنفس وإفساح المجال أمام الشفتين لإطلاق ما تيسر من كلمات مُبهَمة تطال فيها صديقتها اللدود وتلحقها بالدعوات والشتائم وهي تخبرها كم تحبها وتشتاق اليها. وللرجال العرب فنون في العناق حسب المناطق والتقسيمات الجغرافية التي وضعتها إتفاقية “سايكس بيكو”، ففي بلاد الشام قبلات بالجملة على اليمين والشمال بلا حساب حسب الأشواق. وهناك أيضاً في الخليج قبلة الخشم التي تُعبّر عن الندّية، وقبلة الجبين، وقبلة الرأس التي تُعبّر عن الإحترام أو الإعتذار عن خطأ، وقبلة الكتف التي درجت اخيراً وهي تُعبّر عن الولاء والمحبة في آن واحد، كما تُريح صاحب الشان من عذاب مُحتّم، والقبلة السعودية أشدّ حرارة من غيرها وتحتاج في بعض الأحيان الى آلة حاسبة أو حاسوب (كمبيوتر) لإحصاء عدد القبلات واحدة على اليسار، ثم حسب “التساهيل” على اليمين من واحد الى عشرة وربما الى مئة.

ولعل القبلة السودانية هي الأسلم، والأخف وطأة، والأرحم، والأوقى من الأمراض وأسهلها الزكام، ف”الزول” السوداني يُمسك رفيقه من كتفيه، ويُربّت عليهما ويقترب قليلاً ثم يبعده، وكأن لسان حاله يقول ل”حد هون وبس”، أي من بعيد لبعيد حبيتك وكفى الله الناس شرّ القُبل.

وأختم هنا حديث القبلات مع إشعار عن قبلات لم تَحدُث، أي أنها بقيت في عالم التمنّي والأحلام، مثل قول الشاعر:
واحسد كاساً تُقبّل ثغرها إذا وضعتها موضع اللثم في الفم

وأيضاً:

سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها واستخبروا الراح هل لامست ثناياها

وأيضاً:

إني أغار من الكؤوس فجنبي كاس المرام ان تُقبّل فاك

ولا تخلو الأغاني العربية من تلميح أو إشارة على حياء إلى القُبل والعناق باستثناء الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي حدّثنا كيف غرق في جحيم من القبل ثم حذّر من القبلة على العينين قائلاً:

بلاش تبوسني في عينيّ دي البوسة في العين تفرّق…

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: facebook.com/arfan.nezameddin  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى