ليبيا: إلغاء قانون العزل خطوة في الإتجاه الصحيح

بنغازي – خالد الديب

في وقت سابق من هذا الشهر، صوّت البرلمان في ليبيا، المعترف به دولياً، على إلغاء قانون العزل السياسي المثير للجدل الذي أصدره قبل عامين المجلس التشريعي السابق. والمثال الكلاسيكي للتطهير والعزل، يمنع القانون أيّاً من المسؤولين الذي له صلات بنظام معمر القذافي من تولّي مناصب عامة. في الظاهر، تبدو مثل هذه الخطوة طبيعية بما فيه الكفاية: لماذا ينبغي أن تحدث ثورة على الإطلاق إذا كنت ستسمح لعملاء النظام القديم التسلل بخفية للعودة إلى وظائفهم؟ في الواقع، مع ذلك، فقد أنتج القانون المزيد من المشاكل بدلاً من إيجاد الحلول.
وقد صدر القانون الصارم تحت ضغوط من الميليشيات الاسلامية وجماعات مسلحة قوية من مدينة مصراتة، وهي إئتلاف يُعرَف الآن بإسم “تحالف فجر ليبيا”. رأى الإسلاميون القانون كأداة لإستبعاد منافسيهم من الحياة السياسية، وبالتالي ضمان هيمنتهم على مؤسسات الدولة. وباللعب بشكل كبير على موضوع أن على الثورة أن يتم حفظها من شخصيات النظام القديم، تمكنوا من كسب التأييد الحاسم من الميليشيات القوية في مصراتة، وبالتالي ضمان تمرير مشروع القانون.
جرف القانون وقائع سياسية مهمة. أولاً، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن الإنتفاضة ضد القذافي نجحت لأن العديد من المسؤولين المقرّبين من الديكتاتور (أو المسؤولين السابقين) تحوّل ضده وإنشق ليلتحق بقوى الثورة. وقد صار العديد من هؤلاء الناس لاعبين شعبياً ولهم تأثير في مرحلة ما بعد الثورة الفورية – مثل رئيس الوزراء المؤقت محمود جبريل (الذي حصل حزبه على أعلى مجاميع التصويت في إنتخابات 2012) ومصطفى عبد الجليل، رئيس الحكومة المؤقتة.
ثانياً، وربما الأهم، لقد طال القانون جميع المسؤولين في نظام القذافي بدلاً من إستهداف أولئك الذين قد شاركوا في السلوك الفاسد أو الجنائي. أي شخص شغل أي منصب في النظام القديم إستبعد تلقائياً من العمل في النظام الجديد. كان نطاق القانون واسعاً بحيث إستهدف حتى الوظائف الصغيرة والمحلية في قطاعات الأمن، والصحة، والتعليم، وحرمان البيروقراطية من حاجتها الملحّة إلى رأس المال البشري. تُرِكَت هذه المؤسسات من دون الموظفين الضروريين لتشغيلها. وكثيرة منها هي الآن على وشك الإنهيار.
ثالثاً، أثار القانون مشاعر الظلم والإقصاء والتهميش بين المدن والقبائل التي كانت مقرّبة من نظام القذافي، ما زاد في تأجيج الحرب الأهلية الدامية في ليبيا.
لهذه الأسباب جميعاً، إن معارضة قانون العزل السياسي ليست جديدة. فقد دعا أعضاء البرلمان في طبرق منذ فترة طويلة إلى إلغائها، ولم تنمُ هذه الدعوات علناً سوى في الأسابيع الأخيرة، فيما محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة إكتسبت زخماً. أرادت الشخصيات الرئيسية والفئات المستهدفة من هذا القانون ضمان أن أي إتفاق ينتج من هذا الحوار ينبغي أن يعالج مسألة التطهير بطريقة أكثر ملاءمة لهم. إن إسقاط القانون يضع هذه القضية على طاولة المفاوضات، والتي يأملون أن تؤدي إلى ترتيب جديد، أقل شدة وقسوة.
في ليبيا اليوم، على الرغم من أن لا شيء واضح ومباشر، وهناك أيضاً أولئك الذين هم غير راضين أبداً لإلغاء القانون- قبل كل شيء داخل إئتلاف فجر ليبيا الإسلامي. فإن إلغاء القانون قد يعزّز يد المتطرفين في الإئتلاف، الذين يدّعون أن الثورة تواجه تهديداً وجودياً، وأنه لا يمكن إنقاذها إلّا من خلال إنتصار عسكري حاسم. من ناحية أخرى، المعتدلون في “فجر ليبيا”، الذين كانوا إقتنعوا بالمشاركة في محادثات الأمم المتحدة، يشعرون بالحرج، وقد أضعف إلغاء القانون موقفهم. هذا الوضع خطير، لأنه يمكنه أن يهدد بشكل كبير نجاح الحوار.
ومن بين أولئك الذين رحّبوا بإلغاء القانون هم المتشددون من أنصار “عملية الكرامة”، الحملة العسكرية المناهضة للإسلاميين بقيادة اللواء خليفة حفتر. هناك الآن فرصة أمام اللواء لتولي دور القائد العام للقوات المسلحة في ليبيا، وهو إحتمال مستحيل في ظل القانون لأنه شارك في إنقلاب 1969 الذي ساعد القذافي على الوصول إلى السلطة. (وحقيقة أنه وقف ضد القذافي وعارضه في ثمانينات القرن الفائت، وقضى عشرات السنين في المنفى لا تعني شيئاً وفقاً للأحكام القاسية لقانون العزل السياسي). كما سيكون الأمر مثيراً لرئيس الوزراء السابق جبريل الذي صار من المحتمل عودته إلى الحياة السياسية.
آخرون رحّبوا بإلغاء قانون العزل السياسي على أساس أنه سوف يخفّف النقص الحاصل في الأشخاص المؤهلين للعمل في مؤسسات الدولة. في مقابلة صحافية، وصف وزير الداخلية عمر السنكي أخيراً القانون بأنه “خطأ فادح”. كما ذهب إلى القول أنه يرحّب بعودة مسؤولي عهد القذافي – “لا سيما [في] قطاع الأمن” – إلى وظائفهم القديمة.
الواقع أنه في حين أن إلغاء قانون العزل السياسي من دون شك مثير للجدل وليس من دون مخاطر، فمن المحتمل ان يكون خطوة في الإتجاه الصحيح. إن تكريس مبادئ الشمول، والمصالحة، والتعايش السلمي في أي إتفاق سلام محتمل قد يكون هذا الإلغاء خطوة إيجابية. وإذا كان هذا التحرك يساعد على عكس سياسات الإقصاء التي إبتليت بها الحياة السياسية في ليبيا على مدى السنوات القليلة الماضية من الإضطرابات والحروب، عندها قد تكون أمام الثورة فرصة للنجاح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى