من أَجمل مكتبات العالَم (2)

مكتبة قصر شانْتِيِّي – فرنسا

هنري زغيب*

في السائد عادةً أَنَّ المكتبة العامة مكانٌ للقراءة. لكنه في الواقع فضاءٌ مُؤَاتٍ للفسحة الذهنية والتفكير الهادئ الهانئ بين رفوف المكتبة، ومَنْظر الكتب، وصمْت القراء على مقاعدهم. صحيح أَن الوسائط الإِلكترونية اليوم خفَّفَت، إِلى حد كبير، من ارتياد المكتبات العامة، وبات سهلًا وعمليًّا على الباحثين تناوُلُ حاجاتهم القِرَائية من شاشة الهاتف المحمول، أَو اللوح الذكي، أَو الكومبيوتر، لكنَّ هذا لا يُلْغي الحاجة، بل المتعة، في ارتياد مكتبةٍ عامةٍ تفرض هيبتها على شغَف الاطَّلاع.

هنا، في لمحةٍ وجيزةٍ، عرضٌ لبعض أَجمل المكتبات في العالم، تتهادى بجمالها الهندسي، أَو بموقعها (قصر تاريخي قديم، بناء فخم مُهدًى إِلى الحكومة أَو البلدية، …)، وتكون الرحلةُ في كُتُبها صفحاتٍ من لقاء الثقافات وأَهمية تُراثها. وفي أُوروبا مكتبات كانت أَصلًا قُصُورًا من العصور الوسطى.

في الحلقة الأُولى من هذا المقال، عرضتُ لأَربع مكتبات جميلة.

في هذه الحلقة أَعرض لخمسٍ أُخرى.

مكتبة كليمانْتينُوم – تشيكيا
  1. مكتبة “المياه العالية” البندقية إِيطاليا

في اللغة الإيطالية، عبارة “Libreria Acqua Alta” تعني “مكتبة المياه العالية”. ومبرِّر هذه التسمية الغريبة أَنَّ مدينة البندقية، حين فاضت فيها كميات المجاري المائية، خشِيَ المعنيون أَن تغرق المكتبة في فيضان المياه. صحيح أَنها مكتبةٌ لبيع الكتب لا لقراءتها داخلًا كما في المكتبات العامة، لكنها تضمُّ مجموعةً غنيةً من الكتُب تستحقُّ زيارتها.  وهذا ما تنبَّه له أَصحابها، فابتكروا طريقةً لتَجَنُّبِ غَرَقها: عوَضَ أَن ينتقلوا إِلى مكانٍ جافٍّ غيرِ مُعرَّضٍ للغَرَق، رتَّبوا الكُتُب للبيع في زوايا الغرف الجانبية، في المراكب المائية، وفي الزوارق السياحية. وأَكثر: جعلوا من بعض مجموعات الكتُب أَدراجًا إِلى الرفوف العليا.

  1. مكتبة قصر شانتيِّي – فرنسا

كان قصرُ شانتيِّي (منطقة في شمال فرنسا، وهو أَحد أَجمل قُصور فرنسا) ذاتَ فترةٍ منزلَ الأَمير هنري أُوجين فيليب لويس دورليان (1822-1897)، المعروف بـ”دوق أُومال” (“أُومال” منطقة في النورماندي). كان هذا الدوق مولعًا بالكتُب والأَدب والفنون، وأَمضى ردحًا كبيرًا من حياته يجمع التُحف اليدوية وروائع الكتُب الأَدبية. وهذه المكتبة تَضُمُّ نحو 200 أَلف كتاب، وعددًا كبيرًا جدًّا من المخطوطات. وفي المعلومات العلمية أَنها تضم عناوين نادرةً جدًّا ليست موجودةً إلَّا فيها، يعود قسم كبير منها إِلى القرون الوُسطى.

  1. مكتبة كْليمانْتينُوم براغ تشيكيا

يُجْمِع العارفون أَنْ ليس في براغ مكانٌ غيرُ جميل. هكذا، بين أَجمل الأَماكن، إِحدى أَكبر وأَضخم المكتبات في أُوروبا: مكتبة “كْليمانْتينُوم” (على اسم القديس كليمَنْدوس). وهي في بناءٍ مَهيبٍ وجميلٍ وسْطَ بْراغ قرب جسر تشارلز الشهير. يقصِدها سنويًّا آلاف الزوَّار والسيَّاح. بدأَ بناؤُها في القرن الرابع عشر، وراح يتطوَّر ويزداد خلال القرنَيْن التاليَين. من هنا اختلافٌ واضحٌ في أَشكالها الهندسية بين جناحٍ فيها وآخَر. لذا من الأَفضل زيارتُها برفْقة دليلٍ يشرح تلك التفاصيل، وخصوصًا المبنى الذي فيه برجٌ عالٍ عليه مرصد الكواكب.

مكتبة النمسا الوطنية
  1. مكتبة النمسا الوطنية – فيينَّا

هي ليست فقط من أَكبر المكتبات باحتوائها إِحدى أَوسع مجموعات الكُتُب في العالَم، بل هي التي تحوي أَكبر مجموعةٍ من الكتُب الباروكية في أُوروبا، يعيش فيها مرتادوها زمن تلك الحقبة الباروكية (النصف الأول من القرن الثامن عشر).

يعود بناؤُها إِلى أَوائل القرن الثامن عشر. كانت أَصلًا جناحًا خاصًّا للأَمبراطور كارل السادس (1685-1740). في سقف ردهتها الكبرى قُبَّةٌ مزركشةٌ بجدارياتٍ منقوشٌ عليها نحو200 أَلف عنوان. والمكتبة تضمُّ اليوم نحو 12 مليون من الكتُب والأَعمال اليدوية، وبينها ما هو نادرٌ لا يوجَدُ إِلَّا فيها. بين الأَندر من تلك الكنوز: مخطوطة لـمارتن لوثر كنغ (1829-1968) تعود إِلى فترة ثورته الإِصلاحية، وكُرَتَان معدنيَّتان من الفترة الباروكية في البندقية، إِحداهما لكوكب الأَرض والأُخرى للفضاء والكواكب.

مكتبة ستارفيلد – كوريا
  1. مكتبة ستارفيلد سِيْوُول كوريا

ليست بقِدَم سائر المكتبات في هذا المقال، لكنَّ لها شكلًا هندسيًّا فريدًا من نوعه يستحقُّ التنويه به بين المكتبات الأَجمل.

موقعها داخل السوق الكبير الممتدّ على مساحة كبيرة من منطقة غانْغْنام (40 كلم مربع) في سِيْوُول. وهي من طبقتَيْن، تعلو رُفُوفُ الكتب فيها نحو 13 مترًا عُلُوًّا. وشكلُها الفريد جَعَلَها في المدينة مَقْصد آلاف السُيَّاح والمصوِّرين والأُدباء والمثقَّفين، ومن يَنْشُدُون الراحة والهُدوء بعيدًا عن ضوضاء المدينة.

Exit mobile version