“شُو… كارلوس أَحسن مني”؟

وسام صليبا وعبدالرحيم العَوجي

هنري زغيب*

تُواصِل جوزيان بولس تَحَدِّيها صعوباتِ الوضع اللبناني اقتصاديًّا وماليًّا وأَمنيًّا، بإِدارتها “مسرح مونُّو” (الأَشرفية-بيروت)، وجعْلِ مواعيده ممتلئةً بأَعمال مسرحية معاصرة حتى أَسابيعَ مقْبلةٍ كثيرةٍ من 2026، ما يجعلُه أَكثر المسارح انشغالًا في لبنان، ويجعلُ جوزيان بولس (تمثيلًا وإِنتاجًا وإِدارةَ إِنتاج وكتابةً وإِخراجًا) ذاتَ فضلٍ عالٍ على الحركة المسرحية المعاصرة في لبنان.

جديدُها هذا الأُسبوع وما بعده: مسرحية ” شو كارلوس أَحسن مني؟”. هنا لَمحة عنها.

“نيكيتا” البيلاروسية

الرهان على 1000 دولار

إِنه زمن الميلاد. والشاب رجا (وسام صليبا) فالنتينو رفاقه، حزينٌ لفراق صديقته، يَرفض نصائح صديقه جوني (عبدالرحيم العَوجي) بتهدئة أَعصابه وبأَنه سينساها فورَ يلتقي صبيةً سواها. وتأْكيدًا على حزنه، يراهن أَن لا يعودَ إِلى عشْق النساء والنزَق معهنَّ، على الأَقل حتى آخر السنة، وأَن يدفع لصديقه جوني 1000 دولار إِذا تقرَّب بصبية أُخرى في هذه الفترة. ولأَن جوني يعرفه، ويعرف ضعفه أَمام النساء، “اخترع” سيناريو إِرسال الصبية البيلاروسية نيكيتا (جينيفر يمّين) على أَنها موظفة في وكالة إِعلامية تُفاجئُ رجا في شقَّته. وما هي حتى يضعف رجا أَمامها، ويتقرَّب منها مُعلنًا تعلُّقه بها. وإِذ فاجأُهما جوني ودخَل عليهما في مشهد عاطفي حميم، يَخسر رجا الرهان، ويتمُّ ما اتَفق عليه جوني ونيكيتا بتَقاسُم الأَلف دولار سواسيةً بينهما.

“جوني” المتخفِّي

الرهان على النجاح

الخيطُ الروائيُّ بسيط، شفاف، سلس، نسجَه الدكتور وليد اليازجي فكرةً ونصًّا (وإِنتاجًا)، في سياقٍ عصريٍّ بكوميديا رومنسية لذيذة من جوِّ الميلاد تُظهرُ، في خفَّة وظَرف ودُعابات، الصراعَ الرائج دومًا بين الشهوة التي تُضْعِفُ صاحبَها، والمنطق الذي ينهار أَمام الشهوة.

أَركان المسرحية على خبرة وُثقى: الاقتباسُ مشاهدَ وحوارًا من جوزيان بولس الخبيرة مسرحًا، وعبدالرحيم العَوجي تأْليفًا، ولينا أَبيض العريقة إِخراجًا خلَّاقًا طيلة ثلث قرن. فالكاتب جامعيٌّ ودكتور في إِدارة الموارد البشرية ومؤَلف مسرحي. ولينا أَبيض أُستاذة جامعية (الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU) خرَّجت أَجيالًا من أَهل المسرح في أَعمال جريئة فتحَت أَكثرَ من نافذة للحوار والتعبير. ووسام صليبا متمرِّس باكرًا بالتمثيل منذ محترف عمشيت (إِدارة إِيلي لحود) حتى اختصاصه الجامعي في لوس أَنجلس وتَمَرُّسه بمسلسلات تلفزيونية ناجحة (منها “أَحمد وكريستينا”). وعبدالرحيم العَوجي خريج لندن تأْليفًا وممارسة في التمثيل والكتابة. وجينيفر يمين خريجة LAU في الفنون الأَدائية، وأَدَّت أَعمالًا مسرحية في لبنان والولايات المتحدة والإِمارات العربية وفرنسا.

“رجا” الـ”دون جوان”

الرهان في الميزان

إِذا نجاح العمل المسرحي، بَداهةً، في أَداء أَركانه، فمسرحية “شو كارلوس أَحسن مني؟” أَمَّنَتْهُ. ورمْز “كارلوس” في العنوان يعود إِلى رجل الأَعمال اللبناني كارلوس غصن الذي تسلَّل إِلى صندوقة الآلات الموسيقية لفرقةٍ خارجةٍ من اليابان كي يخرُج من البلاد ويأْتي ناجيًا سليمًا إِلى لبنان. هكذا عمدَت نيكيتا، وبعدها جوني، إِلى التسلُّل داخلَ البرَّاد اختباءً للدخول إِلى شقة رجا.

السينوغرافيا الدقيقة (إِضاءَةً وملابسَ وديكورًا) خدمَت لينا أَبيض بتحريك الممثلين والخشبة بهم، في إِخراجٍ متوازنِ الإِيقاع مشهديًّا وحواريًّا، مفاجئٍ حينًا وجريْءٍ حينًا آخر، ما يضيف إِلى نجاح أَعمالها السابقة نجاحًا جديدًا يجعلُها ضمانةَ نجاحٍ مُسْبَقةً لأَيِّ عملٍ مقْبل.

وسام صليبا، بأَدائه الحواري الدقيقِ الإِيقاع، تَوَجُّهًا بالكلام أَو إِجاباتٍ فورية، وبِلُغةِ جسده المطواعة، خلَقَ من شخصية رجا “دون جوان” الشُلَّة في سياقٍ ممتعٍ للمشاهدين، ولخبراء مسرحيين يدرسون كلَّ حركة وتحرُّك للممثل في أَدائه. وهو ما تفاعل معه جمهور “مونُّو” بشكل واضح.

عبدالرحيم العَوجي ما كنتُ أَعرفه من قبل. فاجأَني أَداؤُه المشيق في تحرُّكٍ سائغٍ خفيفٍ بعكس قامته، فخضَّعَ قامتَه للدور (جوني) في انغماسٍ كلِّيٍّ مُقْنعٍ وممتاز، زاد عليه اشتغالُه الفريقيُّ (مع جوزيان بولس والمؤَلف) في صياغةِ حوار المسرحية. وجاءَت إِطلالات عبدالرحيم في مفاصل متتالية من المسرحية تكريسًا حضورَه ثابتًا بين أَعلام المسرحيين اللبنانيين.

جينيفر يمين أَدَّت بأَمانة. قد لا تكون زادَت لُمحًا عن تنفيذها الناجح تحريكَ لينا أَبيض إِياها في المشاهد المزدوجة (شخصية الصبية البيلاروسية والصبية اللبنانية)، لكنها مقْنعةٌ تحرُّكًا وحوارًا، ما يفتح لها دربًا وُثْقى إِلى أَعمالٍ مقْبلة ناجحة.

يبقى أَن المسرحية نقطةٌ مضيئةٌ جديدةٌ في مغامرةِ جوزيان بولس الفنية والإِدارية، ومُثابرتِها على إِيمانها بالمسرح رُكنًا رئيسًا في نهضة لبنان الإِبداعية.

Exit mobile version