لماذا حَربُ غزّة تَجعَلُ إيران نوويةً أكثر احتِمالًا

لا شكَّ أنَّ الحربَ التي شنّتها إسرائيل ضد غزّة أدّت إلى تمكين طهران، لكنها، كما يبدو لبعض الخبراء، غذّت أيضًا شعورها بالضعف.

المرشد الأعلى علي خامنئي: أكّدَ مرارًا بأنَّ إيران تريد استخدام الذرة للأمور السلمية، ولكن…

علي فايز*

مُنذُ بدايةِ الحَربِ في قطاع غزّة، بدت الحكومة الإيرانية مُتفائلة، بل وحتى مُنتَصِرة. قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في خطاب ألقاه الشهر الفائت، في إشارةٍ إلى النكسات الإسرائيلية في ساحة المعركة، إنَّ “هزيمةَ النظام الصهيوني في هذا الحدث ليست مُجرّد هزيمة للنظام الصهيوني، إنها أيضًا هزيمة للولايات المتحدة”. وفي بداية كانون الثاني (يناير)، تفاخَرَ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأنَّ أعداءَ بلاده “يستطيعون رؤية قوّة إيران، والعالم كله يعرف الآن قوّتها ونفوذها وقدراتها”. وبعد بضعة أيام، أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أنَّ ما يُسَمَّى ب”محور المقاومة” -شبكة الشركاء والوكلاء الذين تدعمهم إيران في جميع أنحاء المنطقة- أصبح أكثر “تماسُكًا ومرونة واتِّحادًا من أيِّ وقتٍ مضى”.

من السهل أن نرى لماذا تبدو طهران مسرورة. لقد وَرَّطَت عدوّتها الإقليمية الرئيسة، إسرائيل، في صراعٍ طويلِ الأمد والذي ربما لا يمكنها الإنتصارَ فيه. وأجبرت الولايات المتّحدة، الخصم العالمي الرئيس لإيران، على التركيز على منع تصاعد هذا الصراع، حتى في الوقت الذي تتصدى لتهديدات الميليشيات المُتحالفة مع إيران.

مع ذلك، بالنسبة إلى طهران، قد لا ينتهي الصراع المستمر بأيِّ شيءٍ مثل النصر الواضح الذي أعلنته أصلًا. إنَّ إيران تُريدُ أن تُصبِحَ القوّة المُهَيمنة في الشرق الأوسط، لكنها لم تكن على استعدادٍ للاستفادة من الحرب في غزّة من خلال جعل “محور المقاومة” يفتح جبهاتٍ رئيسة جديدة ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة. أطلقَ “حزب الله” –الحليف الأقوى لطهران– صواريخ على إسرائيل، لكنه لم يُشعِل حربًا شاملة على الحدود الشمالية للبلاد. وقد هدّدَ المسلحون الحوثيون الذين تدعمهم إيران في اليمن مرارًا وتكرارًا الشحن الدولي واستهدفوا إسرائيل بصواريخهم وطائراتهم المُسيَّرة، لكن هذه الهجمات لم تفعل الكثير لسحب إسرائيل من غزّة. والرسالة الشاملة واضحة: يمكن لإيران أن تُسَبِّبَ الفوضى، لكنها ليست قوية بما يكفي لشنِّ هجومٍ حقيقي. فهي لا تزال بحاجة إلى حلفائها الإقليميين في المقام الأول للدفاع عن أراضيها. ولذلك قد تستنتجُ طهران أن هذا الصراع جعلها تبدو أضعف وليس أقوى. وبناءً على ذلك، قد تشعر بأنها أكثر عُرضةً للخطر.

إذا كانَ الأمرُ كذلك، فقد تقوم طهران بمحاولةٍ أخيرة للحصول على الردع النهائي: الأسلحة النووية. إنَّ القيامَ بذلك ينطوي على مخاطر، ولكنه قد يُوَفّرُ لإيران ذلك النوع من الحصانة التي تتمتّع بها كوريا الشمالية وروسيا في مواجهة الغرب. ومن المُمكن أيضًا أن تكون إيران المُسلَّحة نوويًا أكثر جرأةً في إطلاق العنان لشركائها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، مُعتَقِدةً أنَّ ردة الفعل العنيفة سوف تكون محدودة بينما يعمل أعداؤها على تجنّبِ الكارثة الكبرى.

وإذا قرّرت طهران أن تُصبحَ نووية، فسيكون من الصعب إيقافها. فالبرنامج النووي للحكومة مُتقدِّمٌ للغاية بالفعل، ويخضع الآن لرقابةٍ دولية محدودة. يمكن للولايات المتحدة أن تأمرَ بتوجيهِ ضربةٍ عسكرية، ولكن حتّى لو نجحت، فإنَّ هذه الضربة، في أفضل الأحوال، ستُؤخِّرُ توجّه إيران نحو التسلّح النووي. ومع ذلك فإنَّ العواقبَ التي قد تترتّب على تحوّلِ إيران إلى قوّةٍ نووية تظلُّ محفوفةً بالمخاطر إلى الحَدِّ الذي يجعل من منعها أمرًا يستحق العناء، وهو ما يعني محاولة استئناف الجهود الديبلوماسية.

حقيبةٌ مُتَنَوِّعة

كان الهجومُ غير المسبوق الذي شنّته حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ضد إسرائيل، والذي قتلت فيه مئات المدنيين الإسرائيليين، سببًا في كسر هالة الدولة العسكرية التي لا تُقهَر. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عقود التي ينجح فيها مقاتلون خارجيون في غزو الأراضي الإسرائيلية، والذي ترك العديد من سكان البلاد يشعرون بالضعف وعدم الأمان. لقد أظهر الهجومَ أنَّ أجهزة المخابرات الإسرائيلية، التي طالما نشرت الذعر والخوف لدى خصوم البلاد، لم تكن على القدر نفسه من القدرة كما بدا.

بالنسبة إلى إيران، كان هذا الهجوم  العنيف والدموي بمثابة انتصار. كانت طهران منذ فترة طويلة هدفًا لعملياتٍ إسرائيلية سرّية، بما في ذلك اغتيال كبار العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين، كما قامت إسرائيل بتخريب المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية. وهكذا تمكنت إيران من رؤية خصمها الرئيس يُعاني بشكلٍ كبير. وعندما شنت إسرائيل حملتها على غزة، تمكّنت طهران من تصوير نفسها على أنها حاملة راية القضية الفلسطينية التي تمَّ إحياؤها حديثًا، ما عزّزَ سمعة إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعلى النقيض من ذلك، تدهورت سمعة إسرائيل بعد أن حوَّلت الحرب غزة إلى كارثة إنسانية. كما تأثرت صورة رعاة إسرائيل الغربيين أيضًا. في نظر الناس في مختلف أنحاء العالم، تبدو الانتقادات الغربية لجرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا الآن وكأنها تعكسُ معايير مزدوجة منافقة.

من ناحية أخرى، ساعدت الحرب إيران بطُرُقٍ أخرى أيضًا. أدّى الصراع، على أقل تقدير، إلى تأخير تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما كانَ من الممكن أن يُعيدَ عَزلَ إيران في أعقاب الانفراج الإيراني-السعودي الذي توسّطت فيه الصين في آذار (مارس) الفائت. لقد استخدم “محور المقاومة” الصراعَ لصقل قدراته ونطاق انتشاره. بالإضافة إلى الهجمات التي شنَّها “حزب الله” والحوثيون، شنّت الجماعات شبه العسكرية العراقية والسورية ما يزيد عن 150 هجومًا على المنشآت العسكرية والديبلوماسية الأميركية في العراق وسوريا.

لكن تحتَ هذا المظهر الخارجي المُتفائل، أظهرت طهران علاماتَ ضُعفٍ استراتيجي. وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، تُشيرُ تقييمات المخابرات الأميركية إلى أنَّ إيران فوجئت بهجومِ “حماس”، الذي اعتبرته سابق لأوانه. ولم تفعل طهران إلّا أقل القليل لمساعدة حليفتها المُفتَرَضة، حتى على الرغم من أنَّ “حماس” ألحقت بإسرائيل أعظم هزيمة منذ أكثر من نصف قرن. وذكرت الصحيفة الأميركية أيضًا أنَّ خامنئي أمر قادته العسكريين بممارسة “الصبر الاستراتيجي” لتجنّبِ المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. كان السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، من الناحية النظرية، لحظةَ تألُّقٍ لإيران – وهي اللحظة التي أتاحت لها الفرصة لبذل قصارى جهدها وتغيير النظام السياسي في الشرق الأوسط، واستعراض قوّتها الصارمة عبر الوكلاء. ولكن، بدلًا من ذلك، كانت تصرّفاتها مُتَهَوِّرة ومكافآتها بعيدة كل البُعد من أن تكون مضمونة.

إلى حدٍّ ما، فإنَّ الإِحجامَ عن الدخول في المعركة بكامل قوّتها أمرٌ منطقي. بموجب الاستراتيجية الإيرانية، يهدف “محور المقاومة” في المقامِ الأوّل إلى ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن مهاجمة إيران نفسها، وهو أمرٌ لم يحدث بعد. ولكن على الرُغم من أنَّ الوطن الإيراني لم يتعرَّض لهجومٍ من أيٍّ من البلدين (تعرّضَ للهجوم من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، ثم باكستان في عملية انتقامية أخيرًا)، فقد تعرَّضَ القادة الإيرانيون وحلفاؤهم لضرباتٍ أميركية وإسرائيلية. ووفقًا لتقريرٍ لوكالة “رويترز”، على سبيل المثال، قتلت إسرائيل أحد كبار القادة الإيرانيين في سوريا. واغتالت أربعة ضباط استخبارات من الحرس الثوري في دمشق بعد بضعة أسابيع. كما قتلت إسرائيل أحد قادة “حماس المتمركز في بيروت وقائدًا كبيرًا في “حزب الله” في جنوب لبنان. وفي الوقت نفسه، استهدفت الولايات المتحدة زعيم ميليشيا شيعية في بغداد، وقصفت الحوثيين في اليمن ردًا على هجماتهم في البحر الأحمر. وحتى لو لم تقم إسرائيل والولايات المتحدة بأيِّ ضربات، فإنَّ ضبطَ النفس الذي اتبعته إيران ردًّا على الغزو الإسرائيلي لغزة -نسبةً، على الأقل، إلى قدرة طهران الكاملة- سيكون جديرًا بالملاحظة.

إن الردعَ هو جُزئيًا لُعبةٌ ذهنية حيث يجب على الخصوم أن يخافوا ليس فقط من قدرات الدولة ولكن أيضًا من استعداد الدولة لاستخدامها. وبالتالي فإن إِحجامَ إيران عن التضحية بأعضاءِ شبكتها من أجل إنقاذ “حماس” هو علامةٌ على أنَّ البلاد ليست العقل المدبر أو العملاق الذي يزعزع استقرار المنطقة. بدلًا من ذلك، فهي بلادٌ متحفّظة ومتردّدة وحذرة.

اللعب بالنار

بعد أن تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في العام 2021، بدأت إيران والولايات المتحدة إجراء مفاوضات غير مباشرة على أملِ الحَدِّ من التوترات الإقليمية، وتخفيف العقوبات الأميركية، والأهم من ذلك، تقييد برنامج إيران النووي. لم تنجح المحادثات في استعادة الاتفاق النووي لعام 2015، ولكن بحلول صيف العام 2023، بَدَوَا أنهما قد توصّلا إلى تفاهمٍ مؤقت لخفض التصعيد. أوقفَ وكلاءُ إيران الهجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، وأبطأت إيران عمليات التخصيب عالية المستوى للمرة الأولى منذ العام 2021. وفي المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن بعض الأموال الإيرانية المُجمَّدة. وتبادل الجانبان بعض السجناء في أيلول (سبتمبر) 2023. وبناءً على هذا التقدّم، كان من المُفتَرَضِ أن تعود إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات في 18 تشرين الأول (أكتوبر) في سلطنة عُمان، حيث ستبدأان محادثات أكثر توسّعية. لكن هذه الفرصة الصغيرة أُغلقت في اللحظة التي هبط فيها مقاتلو “حماس” بالمظلات إلى الأراضي الإسرائيلية. ومع دخول الولايات المتحدة عام الانتخابات الرئاسية وتواطؤ النظام الإيراني الآن في حربين ضد حليفتَي الولايات المتحدة ــإسرائيل وأوكرانياــ لا يوجد احتمالٌ حقيقي لمشاركةٍ ديبلوماسية جادة.

يأتي هذا الانهيارُ مع اقترابِ إيران أكثر من أي وقت مضى من القدرة على إنتاج أسلحة نووية. واليوم، سيستغرق الأمر حوالي شهر حتى تتمكّن البلاد من إنتاج ما يكفي من المواد النووية المُخَصَّبة لبناء ترسانة من أربعة إلى خمسة رؤوس حربية نووية. ويمكنها تصنيع قنبلة قابلة للتسليم ربما بعد بضعة أشهر فقط. ومن الصعب التنبؤ بالتوقيت الدقيق، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى أنَّ هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة لا تستطيع مراقبة برنامج طهران النووي بشكلٍ كامل. ولم تعد إيران تلتزمُ بتدابير الشفافية المنصوص عليها في الاتفاق النووي البائد الآن، والتي سمحت للمفتّشين مراقبة محطات إنتاج أجهزة الطرد المركزي والمنشآت النووية غير المُعلَنة. ونتيجةً لذلك، يُمكِنُ لطهران الآن أن تُحَوِّلَ إنتاجها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى منشآتٍ سرّية.

لا تزال لدى طهران أسبابٌ وجيهة لعدم صنع سلاح نووي أو حتى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صنع الأسلحة ومنع مفتِّشي الأمم المتحدة من القيام بذلك بشكلٍ كامل. فمجرد تجاوز هذه العتبات، على سبيل المثال، يُمكِنُ أن يدفعَ إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى توجيه ضربةٍ وقائية. وإذا تمكّنت إيران من صنع سلاح من دون أن يتمَّ اكتشافه، فإنها تُخاطِرُ بإثارةِ سباقِ تسلّحٍ نووي إقليمي مع منافسيها في الخليج، مثل المملكة العربية السعودية. وإذا أصبحت إيران دولة نووية، فمن المرجح أن يثير ذلك غضب الصين، وهي أهم مستهلك للنفط الإيراني وشريك ديبلوماسي لا يُقدَّر بثمن.

مع ذلك، قد تقرّرُ طهران أنَّ فوائدَ امتلاك أسلحة نووية تفوق المخاطر. لقد دفعت إيران بالفعل الثمن الاقتصادي للأسلحة النووية بعد أن عانت لسنواتٍ من العقوبات. ولم تعد تعتقد أنَّ الغرب سيكون راغبًا وقادرًا على تقديمِ تخفيفٍ فعّال ومُستدام للعقوبات، حتى ولو تراجعت عن برنامجها النووي. ومن المؤسف أنَّ الأحداثَ التي أعقبت السابع من تشرين الأول (أكتوبر) تزيد احتمالات التسلّح النووي. وقد كشفَ ردُّ فعل طهران الحذر عن ضعفها، الأمر الذي أضعف مصداقية ردعها الإقليمي. وربما يرى القادة الإيرانيون في الحصول على أسلحة نووية وسيلةً للحصول على ضماناتٍ جديدة بأنها لن تتعرَّضَ لهجومٍ من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة، مما يُحرّرُ “محور المقاومة” لمتابعة إحداث المزيد من الفوضى والتخريب. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ المسؤولين الإيرانيين الذين يريدون أن تحصل البلاد على سلاحٍ نووي (من المرجح أن طهران نفسها مُنقسمة حول ما إذا كانت تريد أن تصبح نووية) يمكن أن ينظروا إلى هذه اللحظة على أنها لحظة فرصة عظيمة. ذلك أنَّ خصومَ إيران منشغلون بحَربَي غزة وأوكرانيا، والمنافسة مع الصين، والانتخابات.

حتى لو تمكّنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من ضبط إيران وهي تحاول امتلاك أسلحة نووية، فلن تكون لديهم طريقة جيدة لوقف ذلك. قد يحاولون القضاء على بعض المرافق أو الخبرة من خلال الضربات العسكرية والاغتيالات. لكن إيران وحلفاءها سوف يردّون بهجماتٍ على الأصول الأميركية، وتمتلك إيران الآن ما يكفي من المعرفة والموهبة التي تجعل الضربات وحدها لن تؤدي إلى تأخير التحوّل النووي الإيراني. إذا قامت طهران بتوزيع اليورانيوم عالي التخصيب إلى منشآتٍ سرّية لمزيدٍ من التخصيب وتصنيع الأسلحة، فسيتعيَّن على واشنطن إمّا قصف البلد بأكمله بالقنابل أو محاولة تغيير النظام، إمّا من طريق الغزو أو الثورة الداخلية. ولا يبدو أيٌّ من هذه الخيارات معقولًا وممكن التحقيق حاليًا. يبلغ عدد سكان إيران ضعف عدد سكان العراق تقريبًا، ومساحة اليابسة أكبر بحوالي أربعة أضعاف، وجيشها أقوى بكثير. سوف تكافح الولايات المتحدة بقوة لمهاجمة البلاد أو الاستيلاء عليها والاحتفاظ بها. إن العواقب الإنسانية لحملة القصف الموسَّعة أو الغزو ستكون مروعة. وكما أظهرت حملات القمع التي شنّها النظام الإيراني ضد الاحتجاجات المتكررة، تحتفظ طهران بقبضةٍ فعّالة ووحشية على السلطة.

وهذا لا يترك للولايات المتحدة سوى خيارٍ حقيقيٍّ واحد: الديبلوماسية. فهي الشيء الوحيد الذي أدى إلى تقليص برنامج إيران النووي في الماضي، وهي الشيء الوحيد الذي لديه فرصة للقيام بذلك اليوم. “الديبلوماسية، الديبلوماسية، الديبلوماسية، هذا ما نحتاج إليه”، هذا ما أعلنه “قيصر” الأمم المتحدة النووي، رافائيل غروسي، أثناء حديثه عن إيران في كانون الثاني (يناير): “نحن بحاجة إلى منع تدهور الوضع إلى درجةٍ يصبح من المستحيل فعل ذلك”. ولكن لتجنّبِ مثل هذا التدهور، تحتاج الدول إلى سياسةٍ تتجاوزُ مجرّد رَدعِ طهران عن مواصلة تصعيد برنامجها النووي. ومن شأن هذه السياسة، حتى في أفضل الأحوال، أن تتركَ إيران في وَضعٍ مُتقدِّمٍ مُثيرٍ للقلق. وبدلًا من التركيز فقط على عدم عبور الهاوية، ينبغي لصنّاع السياسات أن يهدفوا إلى الابتعاد عنها.

إنَّ استئنافَ المحادثات لن يكون شعبيًا أو سهلًا في العواصم الغربية الرئيسة، حيث أصبحت إيران أكثر تعرّضًا للإهانة والكراهية مما كانت عليه منذ عقود. وقد يكون من الصعب أيضًا تسويقها في طهران، حيث أصبح صنّاع السياسة هناك عدائيين بشكلٍ متزايد. لكن إيران النووية يمكن أن تجعل المنطقة المضطربة أصلًا أكثر قابليةً للانفجار، وحتى لو كانت الاحتمالات طويلة، يجب على الغرب أن يستمرَّ في دفع طهران لاستخدام برنامجها النووي كورقةِ ضغطٍ على طاولة المفاوضات – وليس كرادعٍ في ساحة المعركة. وكما قال الشِعارُ المُناهِضُ للطاقة النووية في سبعينيات القرن الفائت: النشاطُ النووي اليوم أفضل من النشاطِ الإشعاعي غدًا.

  • علي فايز هو مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية. يمكن متابعته عبر تويتر (X) على: @AliVaez

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى