لماذا يتحدّى الديمقراطيون في أميركا إسرائيل بشكلٍ متزايد؟

خلص استطلاعٌ لوكالة “غالوب” إلى أنه “بعد عقد أظهرَ فيه الديموقراطيون تقاربًا متزايدًا تجاه الفلسطينيين، فإن تعاطفهم … الآن يكمن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، 49 في المئة مقابل 38 في المئة”.

النائبة بيتي ماكولوم: قدمت قانون يمنع تقديم الأموال لتمويل خطة الضم الإسرائيلية

رمزي بارود*

على الرُغم من أنَّ الولايات المتحدة لا تزال داعمًا قويًا لإسرائيل، إلّا أنَّ هناكَ بعضَ المؤشّرات إلى أنَّ “العلاقة غير القابلة للكسر” المُفتَرَضة مع تل أبيب تتعثّر، رُغمَ أنها في اللغة والكلام أكثر منها في الأعمال.

في أعقاب “مسيرة العلم” الاستفزازية في 18 أيار (مايو)، والتي يُنفّذها متطرفون يهود إسرائيليون سنويًا في مدينة القدس الشرقية الفلسطينية المحتلة، انضمت الولايات المتحدة إلى دولٍ أخرى حول العالم في إدانة العنصرية التي ظهرت في هذا الحدث.

كانت اللغة المُستخدَمة من قبل وزارة الخارجية الأميركية حازمة، لكنها أيضًا حذرة. ولم يُدِن المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميللر المسيرة العنصرية والاستفزازية –التي شارك فيها مسؤولون إسرائيليون بارزون– ولكن اللغة المُستَخدَمة من قبل الحشود الكبيرة، ومعظمهم من المؤيدين الأقوياء لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.

وغرّدَ ميلر على موقع تويتر: “تُعارِضُ الولايات المتحدة بشكلٍ قاطع اللغة العنصرية بأيِّ شكلٍ من الأشكال”. وأضاف: “نُدينُ الهتافات البغيضة مثل”الموت للعرب” خلال مسيرات اليوم في القدس”.

تمَّ التعبيرُ عن موقف الولايات المتحدة بعناية بحيث لا يظهر على أنه إدانةٌ لإسرائيل نفسها، ولا يزال موقف أميركا أكثر “توازنًا” من المواقف السابقة، حيث كان الفلسطينيون غالبًا هم الذين كانت الولايات المتحدة توجه لهم كلمات مثل “الإدانة” و”التحريض” ومثيلاتهما.

من ناحية أخرى، خلال الحرب الإسرائيلية الدامية التي استمرت خمسة أيام على غزة، والتي بدأت في 9 أيار (مايو)، لجأت واشنطن إلى السيناريو القديم نفسه، وهو أن لإسرائيل “الحق في الدفاع عن نفسها”، وبالتالي تحريف الأحداث التي أدّت إلى الحرب في المقام الأول.

هذا الموقف الأميركي من حرب إسرائيل على غزة يوحي بأن نتنياهو هو “المدافع” عن إسرائيل ضد العنف والإرهاب الفلسطيني المفترض. لكن هذا المدافع المزعوم عن الحقوق الإسرائيلية لم تتم دعوته إلى البيت الأبيض بعد خمسة أشهر من عودته إلى السلطة على رأس حكومةٍ إسرائيلية هي الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية.

يريد البعض الاعتقاد بأن قرارَ إدارة جو بايدن بالابتعاد عن نتنياهو كان قرارًا إيثاريًا تمامًا. لكن هذا لا يمكن أن يكون هو الحال، حيث تستمر الولايات المتحدة في دعم إسرائيل عسكريًا وماليًا وسياسيًا وبكل الطرق الأخرى.

تكمن الإجابة في سوء تقدير نتنياهو الكبير للماضي، عندما تجاوز خطًا خطيرًا، من خلال الانقلاب على الحزب الديموقراطي وتحالف بلاده بالكامل مع الجمهوريين. أثمرت تكتيكاته خلال فترة حكم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، لكنها جاءت بنتائج عكسية عندما غادر ترامب البيت الأبيض.

بايدن مؤيدٌ لإسرائيل بلا شك. ووفقًا لتصريحاته المتكررة، فإن دعمه لإسرائيل ليس سياسيًا فحسب، بل وإيديولوجيًا أيضًا. “أنا صهيوني. لا يجب أن تكون يهوديًا لكي تكون صهيونيًا”، كرّر وبفخرٍ ذلك في مناسباتٍ عدة.

لكن الرئيس الأميركي أيضًا مُناهِضٌ لنتنياهو، وكراهيته سبقت علاقة الحب بين ترامب ونتنياهو. يعود ذلك في الغالب إلى فترتَي ولاية باراك أوباما، عندما كان بايدن نائب الرئيس.

إنَّ خداعَ نتنياهو السياسي وهجماته التي لا هوادة فيها على إدارة أوباما في ذلك الوقت علّمت بايدن أن نتنياهو ببساطة لا يمكن الوثوق به.

ومع ذلك، لا يمكن لبايدن، الذي يتمتع بمعدّلاتٍ منخفضة تاريخيًا في استطلاعات الرأي بين الأميركيين العاديين، أن يتحدّى بمفرده نتنياهو ومعقل اللوبي الإسرائيلي المؤثّر في واشنطن.

هناكَ شيءٌ آخر يحدث وقيد العمل، وهو حقيقة أن الحزب الديموقراطي ككل قد نقل ولاءاته من إسرائيل إلى فلسطين.

كان هذا التأكيد غير وارد في الماضي، لكن التغيير حقيقي، أكّدته مرارًا وتكرارًا شركات استطلاعات الرأي الموثوقة. كان آخرها في آذار (مارس) الفائت.

لقد خلص استطلاع وكالة “غالوب” إلى أنه “بعد عقدٍ أظهرَ فيه الديموقراطيون تقاربًا متزايدًا تجاه الفلسطينيين، فإن تعاطفَهم … الآن يكمن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، 49 في المئة مقابل 38 في المئة”.

تشيرُ حقيقة أن مثل هذا “التقارب” المتزايد مع فلسطين منذ عقد من الزمان على الأقل إلى أن موقفَ الديموقراطيين كان جِيليًا، وليس نتيجة لحدثٍ واحد.

في الواقع، يعمل العديد من المنظمات وعدد لا يحصى من الأفراد يوميًا لإنشاءِ رابطٍ بين “التقارب” والسياسة.

مدعومةً بالتعاطف المتزايد مع فلسطين، أعادت النائبة بيتي ماكولوم، المدافعة منذ فترة طويلة عن حقوق الفلسطينيين في الكونغرس الأميركي، تقديم مشروع  “قانون الدفاع عن حقوق الإنسان للأطفال والأُسَر الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي” في 5 أيار (مايو).

ويُطالبُ التشريع، الذي شارك في رعايته 16 عضوًا آخر في الكونغرس، بضرورة منع إسرائيل من استخدام “أموال دافعي الضرائب الأميركيين في الضفة الغربية المحتلة للاحتجاز العسكري أو الإضرار أو إساءة معاملة الأطفال الفلسطينيين”.

قبل ذلك بعامين، ذكر موقع “إنترسيبت” (The Intercept) أن ماكولوم وأنصارها كانوا يدفعون باتجاه منع المساعدات الأميركية لإسرائيل من “دعم مجموعة واسعة من تكتيكات الاحتلال الإسرائيلي”.

كتب أليكس كاين أن هذا “مؤشرٌ على المدى الذي وصل إليه الجدل حول المساعدة الأميركية لإسرائيل في السنوات الست الماضية”، في إشارةٍ إلى العام 2015، عندما قدمت ماكولوم التشريع الأول في هذا الشأن. منذ ذلك الحين، تقدمت الأمور إلى الأمام بسرعة أكبر، حيث وصلت جهود محاسبة إسرائيل الآن إلى مجلس نواب ولاية نيويورك.

في 16 أيار (مايو)، ذكرت صحيفة “نيويورك بوست” أنَّ عددًا من المشرّعين الديموقراطيين قدموا تشريعات تهدف إلى منع الجمعيات الخيرية الأميركية المسجلة من تحويل الأموال لتمويل المستوطنات اليهودية الإسرائيلية غير القانونية.

الواقع أنَّ التشريع، “ليس في سَنتِنا!: إنهاءُ تمويل نيويورك لقانون عنف المستوطنين الإسرائيليين” (“Not on Our Dime!: Ending New York Funding of Israeli Settler Violence Act”) تجرّأ على تحدّي إسرائيل على جبهاتٍ مُتعَدّدة: القوة التقليدية للوبي المؤيد لإسرائيل، والتشكيك في تمويل الولايات المتحدة لإسرائيل، ومواجهة تحويل الأموال إلى المستوطنات غير القانونية باسم العمل الخيري.

تدفعنا أسبابٌ عدة للاعتقاد بأن التحوّلَ في سياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين وإسرائيل، على الرغم من بطئه ودقته ورمزيته في بعض الأحيان، سيستمر على الأرجح.

أحدها هي حقيقة أن إسرائيل تتجه نحو القومية اليمينية المتطرفة، والتي يصعب بشكلٍ متزايد الدفاع عنها من قبل حكومةٍ ليبرالية ووسائل الإعلام الأميركية.

ثانيًا، صمود الفلسطينيين وقدرتهم على التغلب على قيود وسائل الإعلام الرئيسة والرقابة التي منعتهم من الحصول على أي تمثيل عادل.

وأخيرًا، تفاني العديد من منظمات المجتمع المدني واتساع شبكة الدعم للفلسطينيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ما سمح للمشرّعين الشجعان الضغط من أجل تغييرٍ جوهري في السياسة.

سيُحدّد الوقت الاتجاه الذي ستتخذه واشنطن في المستقبل. لكن بالنظر إلى الأدلّة الحالية، فإن الدعمَ لإسرائيل يتضاءل بمعدلات غير مسبوقة.

بالنسبة إلى أولئك الذين يدافعون عن سلامٍ عادل في فلسطين، فهذا شيءٌ جيد.

  • رمزي بارود هو صحافي فلسطيني-أميركي ورئيس تحرير موقع “فلسطين كرونيكل”. ألّفَ ستة كتب، آخرها، الذي شارك في تحريره مع إيلان بابيه، هو “رؤيتنا للتحرير: قادة ومثقفون فلسطينيون منخرطون يتحدثون بصراحة”. وبارود هو أيضًا باحث أوّل غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). يمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: ramzybaroud.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى