القواعِدُ المَرِنة: آفاقُ القُوّةِ العَسكَرِية الإماراتية في الخارج

تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى بسط نفوذها في منطقة البحر الأحمر وسواحل أفريقيا الشرقية من طريقِ نشرِ شبكةٍ من القواعد العسكرية التي تختلف عن نظيراتها التقليدية التي تسعى عادةً إلى احتواء القوى المجاورة أو ردع الهجمات الخارجية.

الجيش الإماراتي: زاد عددًا وعدّة واحترافًا و…توسّعًا.

إليونورا أرديماغني*

في ظلِّ تدهورِ الوَضعِ الأمني في منطقة البحر الأحمر نتيجةً لاستمراِر الهجماتِ الحوثية على السفن المارة في هذا المَمَرِّ البحري الحيوي، تزايدَ الاهتمامُ الدولي ببناءِ قواعد عسكرية ومراكز حماية مُتَقَدِّمة لتعزيزِ السيطرة على واحدٍ من أهمِّ الطُرُقِ الاستراتيجية في العالم. وتناولت تقاريرٌ نشرتها وكالة أنباء “الأسوشيتد برس” في آذار (مارس) الفائت، انباءً عن بناءِ مَهبَطِ طائراتٍ جديدٍ في جزيرة “عبد الكوري” بالقرب من جزيرة ” سُقطرى” التي تقع في خليج عدن في اليمن. وفي حين لم تُعلِن أيُّ دولةٍ مسؤوليتها عن عمليات البناء تلك، إلّا أنَّ الإمارات العربية المتحدة برزت كمُرَشَّحٍ رئيس بسببِ نشاطها المشهود خلال العقد الماضي في بناءِ مواقع عسكرية أمامية مُماثِلة، بشكلٍ غير مُعلَن، لتعزيزِ أهدافها العسكرية والأمنية والاقتصادية في المنطقة.

وقد أنشأت الإمارات منذُ مُنتصفِ العام 2010، مرافِقَ مُماثلة في ثمانية بلدان هي اليمن وإريتريا وأرض الصومال وبونتلاند (أرض البنط) والصومال وتشاد وليبيا ومصر. وعادةً ما تقومُ الإمارات ببناءِ قواعدها العسكرية من الصفر أو تعمَلُ على توسِعةِ المُنشآت الموجودة أصلًا أو الحصول على امتيازِ استخدامٍ مؤقت في الدول الحليفة. ويساعدُ نَمَطُ التخطيطِ المَرِن هذا على تقليلِ التكلفة المادية التي تتطلّبها تلك المنشآت عادةً فضلًا عمّا يُقدّمه من مزايا عملية أُخرى خصوصًا في المناطق التي تنتشر فيها الجماعات المُسلَّحة المناهضة للحكومة كاليمن والعديد من الدول الأفريقية.

وفي حين أنَّ الإمارات لم تعترف علنًا بوجودِ هذه القواعد، إلّا أنَّ تقاريرَ وسائل الإعلام المستقلة وصور الأقمار الاصطناعية التي تُتابعُ التحرّكات الإماراتية، وكذلك وثائق الأمم المتحدة، تؤكّدُ ما تقوم به الدولة الخليجية (أو إسبارطة الشرق الأوسط كما يُسَمّيها الأميركيون). قد يُعزى هذا الحرص الشديد على السرّية إلى تخوّفِ الإمارات من اهتزازِ مكانتها وسُمعتها السياسية سواء بين السكان المحليين للدول التي تتوسّع بها عسكريًا، والذين قد يعارضون الوجود الإماراتي، أو في أرجاء المجتمع الدولي عندما يتمُّ استخدامُ المنشآت الإماراتية في دعمِ طرفٍ من الأطراف المتحاربة في البلدان التي مزّقتها النزاعات.

تعكسُ التغييراتُ في القواعد العسكرية الإماراتية في الخارج التَغَيُّرَ في منظورِ السياسة الخارجية الإماراتية منذ العام 2011. فلا يخفى على أحد أنَّ الإمارات عادةً لا تتردّدُ في المُسارعة بنقلِ عتادها العسكري عندما تتغيَّرُ أولوياتها الإقليمية. وفي أعقاب الانتفاضات العربية، وبخاصة بين العامين 2016 و2019 ، تمكّنت المواقع العسكرية الإماراتية الحيوية، مثل قاعدتي الجفرة والخادم الجوّيتَين وقاعدة عصب العسكرية، من تقديم الدعم اللوجيستي الذي احتاجته الإمارات والقوات المتحالفة معها في ليبيا واليمن. وعندما انتهى التدخل الإماراتي في هذه الحروب، تم تفكيك هذه القواعد أو تحويلها لاستخداماتٍ أخرى كما حدث في قاعدة بربر العسكرية التي كان من المقرر إقامتها في أرض الصومال والتي تمَّ تحويلها إلى مطارٍ مدني.

قد يكون الهدف الرئيس للإمارات من إنشاء تلك المواقع العسكرية خصوصًا في منطقة البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي هو حماية الممرّات المائية من الهجمات الحوثية والقرصنة الصومالية وتزايد نشاط تنظيمَي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” على الساحل الشرقي لأفريقيا. الإمارات، التي لديها مصالح اقتصادية مُتنامية ليس فقط في الممرّات المائية في البحر الأحمر ولكن أيضًا في شرق البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، لن تألو جهدًا لحمايةِ مصالحها الاقتصادية والعسكرية على حدٍّ سواء في مواجهةِ أيِّ مصدرٍ من مصادر التهديد، وهو ما دفعها منذُ العام 2023 إلى نشر قواعدها العسكرية ليس فقط في عبد الكوري ولكن في كيسمايو (الصومال) وأمجاراس على حدود تشاد مع السودان التي أنشأت فيها قاعدة جوية.

تَحرُصُ الإمارات عادةً على عَقدِ اتفاقيات تعاوُنٍ وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات المحلية في الدول التي تعتزمُ إنشاء قواعدها العسكرية فيها. ومنذُ العام 2012 ، درّبت الإمارات قوة الشرطة البحرية في بونتلاند على مكافحة القرصنة، وافتتحت قاعدة في مدينة بوساسو الساحلية في العام 2022. وقبل أن تشرع في بناءِ مراكز عسكرية في كيسمايو وأمجاراس، وقّعت الإمارات اتفاقيتين أمنيتين مع الصومال وتشاد، تشملان التزامها بتقديم التدريب العسكري لمكافحة الإرهاب. لكنَّ التوسّعَ الإماراتي في بناء القدرات الدفاعية يحملُ معه مخاطرَ لا يُمكِنُ تجاهلها حيث إنه يضعُ القوات الإماراتية على خطِّ المواجهة ويُعرّضها للاستهداف كما حدث في شباط (فبراير) الماضي عندما قُتل ثلاثة جنود إماراتيين في الصومال على أيدي مقاتلي حركة الشباب في مركز تدريب في مقديشو.

وبعيدًا من المخاطر الأمنية، فإنَّ الاستراتيجية الإماراتية في إنشاءِ القواعد العسكرية لها عواقب جيوسياسية مؤثّرة خصوصًا في منطقة الخليج العربي. حيث يؤجج النشاط العسكري الإماراتي شعلةَ التنافُس على النفوذ والسلطة مع المملكة العربية السعودية وقطر اللتين تشاركان الإمارات في بعض الأهداف الاستراتيجية مثل الحرص على توفير الأمن البحري وتقديم التدريب العسكري. وقد سعت كلٌّ من الإمارات وقطر منذ العام 2011، إلى توسيع مجال نفوذهما في أرجاء القرن الأفريقي، وهو سعي تنافسي حاد احتواه استرجاع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في العام 2021. لكنَّ الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية الأخيرة بين تركيا –الحليف الوثيق لقطر- والصومال أشعلت نيران المنافسة مُجَدَّدَا وتسببت في أن تقوم الإمارات بتعليق دفع الرواتب لعدد من وحدات الجيش الصومالي كردِّ فعلٍ على الاتفاق وعلى هجومِ حركة الشباب ضد قواتها. وفي اليمن، تتقاسم والسعودية مناطق نفوذ عسكري مختلفة – أحيانًا في المحافظة نفسها- وتُمَوّلُ كلا الدولتين مواقع عسكرية تُديرها القوّات المحلّية المُتحالفة.

على ما يبدو من بناءِ قاعدة عبد الكوري الجوية، فإنَّ الإمارات لا تعتزمُ التخلّي عن مخططاتها لإنشاء مراكز عسكرية تساعدها في الحفاظ على دورها العسكري في أفريقيا ومنطقة البحر الأحمر وتوسعته، ولكن هذا التوسّع سيفرضُ على أبو ظبي محاولة تحقيق التوازن بين طموحاتها الجريئة ومسؤولياتها الأمنية المُتنامية كقوة متوسطة.

  • إليونورا أرديماني هي زميلة أبحاث مشاركة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، وهي أستاذة مساعدة في جامعة ميلانو الكاثوليكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى