احكيلي… احكيلي عن بيروت

هنري زغيب*

“ليس في الأَرض كما الأَرضُ اللبنانية: نتعلَّق شغفًا بها كما أَليافُ الدالية تتعلَّق تعريشةَ اللبلاب بجميع أَوصال الروح والجسد”.

بهذه العبارة من ميشال شيحا تَفتَتح أَسما عبدالكريم كتابَها الفْرنسي “احكيلي عن بيروت” ( Raconte-moi Beyrouth) الصادر سنة 2015 عن سلسلة “شهادات” لدى منشورات “جِيُوراما” في بْرِسْت (مدينة بحرية عند الطرَف الغربي من فرنسا).

الكتاب من 128 صفحة حجمًا وسَطًا، ذو 36 هامشًا شارحًا، و14 فصلًا يختَتِمُها ملحق بأَسماء أَبرز أَعلامٍ وَرَد ذكْرُهم في الكتاب، مع نبذةٍ تعريفية وجيزة عنهم، بينهم: فيروز، غسان تويني، بشير الجميِّل، محمد شطَح، مي شدياق، وسام عيد، وليد عيدو،  نصري شمس الدين، مروان حمادة، رفيق الحريري، شارل حلو، كمال جنبلاط، أَمين معلوف، نجيب محفوظ، زكي ناصيف، وآخرون…

الكاتبة أَسما عبدالكريم صحافية من أَصل لبناني، متخصصة بشؤُون الشرق الأَوسط، تخرَّجَت من الجامعة اليسوعية في بيروت ومن جامعة السوربون في باريس. عاشت طفولتها وصباها في تونس، وقرَّرت أَن تعود  إِلى أَرض جذورها فاكتشفَت لبنان وطنًا رائعًا، جذَّابًا، تاريخُه عريقٌ إِنما مُعَقَّد، يتجاور فيه الجناحان: الكنيسة والمسجد، المسيحي والمسْلم، المؤْمن والملحد، في تآخٍ وانسجام.

مقدِّمة الكتاب وضعَها مدير سلسلة “شهادات” هيرفيه غِيَّاديه مستهلًّا نصَّه بأَبياتٍ لنادية تويني من مجموعتها “محفوظات عاطفية لِحربٍ في لبنان”، جاء فيها: “لبنان… تَمَاهي الليل والنهار، الدموع وأَمطار الحرب، ولدٌ يَبحث في العشب عن قصر… أَعِرْني عينيك كي أَراني قبل أَن يحينَ الوقت”… بغضبٍ تكتب أَسما عبد الكريم ضدَّ قبائل الحرب التي زعماؤُها يستغلُّون طيبة الشعب. لكنها تعود فتهدأُ مع لحنٍ من فيروز أَو زكي ناصيف، وتهنأُ إِلى وطنٍ غنيٍّ بالثقافة، بالنبضة الإِنسانية، بتعانُق الأَديان في جمال الروح”.

عبر فصول الكتاب الأَربعة عشر، تتهادى أَسما عبدالكريم في سرد أَيامها اللبنانية، بعيدةً من العبارات الممجوجة المكررة عن الحرب في لبنان، قريبةً من شغَفها بحبيبتها الساحرة الخالدة بيروت.

هكذا، بأُسلوب أَخَّاذ، تأْخذ أَسما قُرَّاءَها إِلى انغماس كامل في العاطفة، في لبنان الواقع والتناقضات الإِقليمية والتمزُّقات الداخلية، فَتَنْسُجُ بأُسلوبها ما يمزج بين السرد والرواية والتاريخ والمشاهدات وقصة حب في بيروت، ليُمسي لبنان لها أُرجوحةً من تَفَتُّح صبية أَولَ عهدِها بالحب، جاءت إِلى بيروت فتاةً بكرًا فَوَسَمَتْها بيروتُ امرأَةً ناضجةَ الشغَف والعِشْق الأَعذب.

وبين الفصل الأَول “إِلى بيروت تذهبين” والفصل الرابع عشر “تَعانُقُ الكرمة واللبلاب”، يتهادى كتابُ أَسما عبدالكريم في هدلةٍ أُغنوجةٍ بين الحب والحرب، بين الحنان والغضب، في مدينةٍ ساحرةِ العذوبة حتى لا تعودَ كالمدن ولا كالعواصم، بل تُصبح جنةً يرنو الجميع إِلى فردوسها الأَبهى. جنةً اسمُها… بيروت.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى