البحرين وقطر تُغلِقان أخيرًا كتابَ أزمةِ مجلس التعاون الخليجي

بعدما أعلنت تقارير إعلامية عن قرب عودة السفيرين القطري والإماراتي إلى مركزَي عملهما في الدوحة وأبوظبي في حزيران المقبل، أعلنت البحرين وقطر أيضًا في الأسبوع الفائت عن عودة علاقاتهما الديبلوماسية إلى طبيعتها بعد قطيعة دامت أكثر من خمس سنوات.

الأمير محمد بن سلمان: كان وراء المصالحة بين قطر والبحرين.

لينا الخطيب*

أعلنت البحرين وقطر في الأسبوع الماضي أنّهما ستُعيدان العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد أكثر من خمس سنوات من القطيعة. وهذه الخطوة هي آخر محطة فارقة في تطبيع العلاقات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي الذي ينتمي إليه كلا البلدين. وقد التقى مندوبون من البلدين في الأسبوع الفائت في الرياض لحلّ الخلاف الذي بدأ في العام 2017 عندما فرضت المملكة العربية السعودية مقاطعة قطر، بدعوى أنها قريبة جدًا من تركيا وإيران، ومُتَّهمةً الدوحة بدعم “الإرهابيين”.  وحذت البحرين، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر، حذوها، وقطعت جميع العلاقات مع قطر.

المصالحة بين قطر والبحرين هي أحدثُ مثال على فورة النشاط الديبلوماسي الأخير بين دول الشرق الأوسط. جاء ذلك بعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران التقارب بينهما، ونَجَمَ عن رغبةِ الرياض المتزايدة في تهدئة التوترات الإقليمية وتعزيز الانسجام بين دول الخليج. خلال ما سُمِّيَ بأزمة دول مجلس التعاون الخليجي، سحبت السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر -وكلها تشترك في عدم ارتياحها لقرب قطر من أنقرة وطهران ودعمها للحركات الإسلامية التي تعتبرها تهديدًا- ديبلوماسييها من الدوحة، وأغلقت سفاراتها هناك، وأوقفت جميع الرحلات الجوية من وإلى قطر وفرضت حظرًا اقتصاديًا على البلاد.

لكن المقاطعة كان لها تأثيرٌ ضئيلٌ في الاقتصاد القطري، كما أنها لم تُعزّز الاستقرارَ الإقليمي. في أوائل العام 2021، قادت الرياض عملية ذوبان الجليد في العلاقات مع الدوحة. كانت الإمارات أكثر فتورًا في تقاربها مع قطر لكنها مع ذلك اتبعت خطوات السعودية. وذهبت مصر إلى أبعد من ذلك عندما زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الدوحة في العام الماضي وأعلن أن القاهرة ستقبل استثمارات من قطر. لكن حتى إعلان الأسبوع الفائت، كانت البحرين تستمر في مقاطعتها.

يأتي الإعلانُ عن إعادة العلاقات نتيجةَ جهود قادة المملكة العربية السعودية. في العام الماضي، دعت الرياض زعيمَي البلدين، ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى قمة جدة للأمن والتنمية، حيث التقيا على هامش الاجتماع. وأعلنت البحرين في وقت لاحق من ذلك اليوم أنها سترفع متطلبات التأشيرة وحظر السفر المفروض على قطر.

ومع ذلك، لا تزال التوترات قائمة بين البلدين، حيث يوجد نزاع إقليمي طويل الأمد يعود تاريخه إلى العام 1936 والذي يُركّز على مُلكية العديد من الجزر الصغيرة، وأهمها جزر حوار والزُبارة وجنان. وعلى الرُغمِ من أن محكمة العدل الدولية حلت النزاع في العام 2001 من خلال تخصيص بعض الجزر لكلٍّ من البلدين، إلّا أن القضية عادت إلى الظهور في البحرين كمصدرٍ للاستياء في أعقاب مقاطعة العام 2017.

باعتبارها واحدة من الدول التي تأثّرت بشكلٍ مباشر بالانتفاضات العربية في العام 2011، كانت البحرين متخوّفة وقلقة دائمًا من دعم قطر للاحتجاجات. بالإضافة إلى تقديم الدعم الديبلوماسي، عملت الدوحة أيضًا عبر قناة “الجزيرة” الفضائية التي تملكها على تضخيم التغطية المتعاطفة مع الانتفاضات. في العام 2012، على سبيل المثال، بثت قناة “الجزيرة” فيلمًا وثائقيًا صوّرَ الاحتجاجات في البحرين على أنها ثورة أدارت لها الدول العربية والغربية ظهورها. بمساعدة من المملكة العربية السعودية، قمعت البحرين الاحتجاجات في آذار (مارس) 2011، لكن شكوك المنامة تجاه الدوحة ظلت قائمة.

علاقةُ الدوحة بطهران هي مصدرُ قلقٍ آخر للمنامة. كدولةٍ ذات غالبية شيعية يحكمها نظامٌ ملكي سنّي، تعتبر البحرين إيران تهديدًا كبيرًا. لقد رأت المنامة في احتجاجات العام 2011 جُزءًا من محاولة طهران لإقناع الغالبية الشيعية في البحرين بإسقاط النظام. ومن المفارقات، مع ذلك، أن المنامة أعادت العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد -المدعوم من إيران- من خلال إعادة فتح سفارتها في دمشق في العام 2018، على الرُغم من انضمامها في البداية إلى قطر في دعم احتجاجات العام 2011 في سوريا. من جانبها، تواصل قطر دعم المعارضة السورية.

على الرُغم من استعادة العلاقات الديبلوماسية بين البحرين وقطر، من المرجّح أن يستمرَّ انعدامُ الثقة – مثل الحذر المستمر بين إيران والسعودية. لكن علاقات كلٍّ منهما مع الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دورًا رئيسًا في تهدئة التوترات. يقع المقر الرئيس للأسطول الخامس للبحرية الأميركية في البحرين، بينما توجد أكبر قاعدة للقوات الجوية الأميركية في الخليج في قطر. وقد أصدر مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان بيانًا يؤيد ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين الخليجيين ونسب الفضل إلى إدارة جو بايدن في ذلك. وقال: “تعمل الولايات المتحدة منذ بداية إدارة بايدن على تشجيع التكامل الإقليمي، وخفض التصعيد، والتقارب بين شركاء الولايات المتحدة”.

مع حرص المملكة العربية السعودية على استعادة موقعها كقائد إقليمي، بما في ذلك تجاه إيران والولايات المتحدة، من المرجح أن تبذل الرياض جهودها لتهدئة العلاقات بين المنامة والدوحة. ونظرًا إلى الخطط المحلية الخاصة بالمملكة العربية السعودية — بما في ذلك تنفيذها الطموح لرؤية الحكومة للتنمية الاقتصادية 2030 – والتأثيرات الإقليمية لهذه الجهود، فمن شبه المؤكد أن الرياض ستستمر في لعبِ دورٍ قيادي في الديبلوماسية الإقليمية في المستقبل المنظور.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الأبحاث “تشاتام هاوس”. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى